الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصرف النظر، لا لطبائع الاستبداد !!

رائد الدبس

2011 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


خلال عقود طويلة من الهزائم والتراجع في كل الميادين، استطاعت الأنظمة العربية أن تحقق نوعاً من الاستقرار الداخلي القائم على منظومة الاستبداد بطريقة شبه حصرية واستثنائية. فتحولت الأحزاب الحاكمة التي حققت الاستقلال الوطني لبلدانها ذات يوم، إلى أحزاب متضخمة الأعداد المليونية التي تكاد تنحصر مهمتها في ابتكار وصفاتٍ لتزوير الانتخابات والهتاف والتصفيق للزعيم الأوحد والقائد الأعلى أو ظل الله على الأرض.. وتحولت البرلمانات في ظل أنظمة جمهورية إلى مجالس أعيان، هم خليط يتراوح من بلد عربي لآخر ما بين رؤساء القبائل والعشائر ورجال الأعمال الفاسدين ورؤساء عصابات الحزب الحاكم .. ولا بأس من ديكور معارض و"كوتا" نسائية وغير ذلك من الديكور والفلكلور السياسي العقيم. وهكذا فقد تقلصت دائرة السلطة التنفيذية الفعلية والمتنفذة حول الرئيس إلى شبه عصابة مافيا عائلية.. أما عن فساد القضاء وتغييب السلطة القضائية، وكذلك فساد الإعلام وتغييب السلطة الرابعة، وعن انتشار العسس والمخبرين في كل مكان، فحدّث ولا حرج.. وليس أدل وأوضح على ذلك من نموذج حكم الرئيس التونسي المخلوع.

وعلى طريقة المثل الشعبي الروسي القائل بأن الشهية تأتي خلال الطعام، فقد أدى هذا الأكل الهنيء المستمر، إلى فتح شهية الكثير من الرؤساء بعد أن مكثوا في الحكم عقوداً، على وجبة أكثر دسماً عنوانها التوريث. وهكذا فقد نجحت الأنظمة الجمهورية العربية خلال العقد الأخير بإدخال مصطلح جديد للقاموس السياسي، وهو مصطلح "الجمهوريات الوراثية". فمنهم من ورّث للابن، ومنهم من حاول أن يسجّل سبقاً تاريخياً بالتوريث للزوجة. ومنهم من لا زال يفكّر بالتوريث ويظن أن وضعه يختلف عن الآخرين، أو أنه سيمرر المسألة بطريقة أذكى..ومنهم من يبدو أنه قد عدَلَ عن فكرة التوريث في ربع الساعة الأخيرة حين أدرك أن ذلك لم يعد ممكناً، أو بعد أن وضع البلاد على فوّه البركان.

هذه الشهية للأكل وروائح الشواء وما يتبعها من شهوات واستبداد، كانت ولا تزال تُمارَس على أمام عيون الملايين الجائعة أو الأقل حظاً بالحصول على لقمة العيش الكريم. لكن الأهم من ذلك، هو تغييب الحق الطبيعي والدستوري لألئك الملايين، بالحرية والكرامة والديمقراطية والتنمية الحقيقية ، وليس التنمية المزيفة التي يتم تزييف مؤشراتها الحقيقية مثلما تزيَّف الأصوات الانتخابية. ولأن هذه الأنظمة أدمنت التزييف والقطيعة مع شعوبها، فهي لم تنتبه ولم تكترث لكل ما يحدث من تحولات اجتماعية عميقة داخل بلدانها، وتحديداً خلال العقود الثلاثة الأخيرة من الزمن التي شهدت ولادة جيل جديد يعيش حالة من الاغتراب التام عن الأنظمة وشعاراتها وتزييفها، ويبتعد عن الأحزاب التي يرى فيها جزءً من ألاعيب الأنظمة، لكنه فهم وتعلم السياسة بمعناها العمومي من تجربته الواقعية ومن خلال تداولها عبر فضاءات الانترنت الافتراضية. وفهم أن السياسة بالنسبة له ليست برامج حزبية حاكمة أو معارضة، بل تعني بكل بساطة، ثلاثة مفاهيم كبرى هي: الحرية، الكرامة، الديمقراطية. وبناءً على هذا الفهم العميق ببساطته ووضوحه، كان التحرك الفوري عند انطلاق أول شرارة نحو الثورة تحت شعار واحد : تغيير النظام. هذا ما حدث في تونس الخضراء، وهذا ما يحدث في مصر المحروسة اليوم بأجساد أؤلئك الملايين من شبابها الأبطال.

رياح التغيير التي هبّت من شواطئ قرطاج المنتصرة بعد أن فهم حاكمها المستبد فهماً متأخرا فهرب، سوف لن تتوقف عند شواطئ الاسكندرية والسويس وقاهرة المعزّ، بل سوف تصل إلى الكثير من الشواطئ والعواصم التي يظن حكامها المستبدون أن بلدانهم ليست تونس، وكأنهم يعيشون على كوكب آخر غير ذلك الذي تنتمي له تونس. وسواء فهموا ذلك في الوقت المناسب أم لم يفهموا، فإن رياح التغيير لا تستطيع انتظار فهمهم البطيء. فتلك هي قوانين الطبيعة التي لا تحتمل الركود الطويل ولا تحتمل الفراغ. هذه الانتفاضة الشعبية العارمة في كل أرجاء مصر لم تحدث بهذا العمق والاتساع منذ عقود طويلة جداً إن لم نجازف بالقول منذ قرون، وعليهم أن يفهموا الأمر ولا بديل لهم عن ذلك.

في مصر الآن خلف المشهد الرائع لثورة الشباب في ميادين التحرير نلاحظ بعض المفارقات السياسية. فعلى سبيل المثال، البيت الأبيض وكذلك هيلاري كلينتون باتت حريصة على انتقال سلمي للسلطة في مصر وتطالب مبارك بمزيد من الإصلاحات وتوصيه خيراً بالشعب، وتنطق باسم حقوق الإنسان المصري!! ولا تكتفي بذلك بل تظهر وكأنها تنطق باسم المعارضة وتفاوض النظام باسمها وبالنيابة عنها./ الدكتور البرادعي بعد تصريحاتها المتكررة يطالب الولايات المتحدة أن تشدد مطالبها كي لا تفقد مصداقيتها داخل مصر./ الإخوان المسلمون يكلفون البرادعي أن يتفاوض مع النظام ومع الجيش باسم المعارضة./ الجزيرة الانتقائية في تركيزها المعتاد والمكشوف على الإخوان المسلمين أكثر من غيرهم، وقلة تركيزها على أصوات الشباب المستقلين. السؤال المطروح على نطاق واسع هو: ما علاقة كل هذه الأطراف بالشباب المصري المستقل عنهم جميعاً وهو الذي صنع هذه الانتفاضة وليس لأي منهم فضل فيها؟ هذا السؤال المحوري يقود إلى سؤال مفتوح آخر وأكبر، هل نحن أمام عصر جديد من الثورات التي تصعب مقاربتها وفقاً لأدوات ومناهج التحليل السياسي التقليدية؟

ومن المفارقات أيضاً أن الجيش المصري ذو التاريخ الوطني النظيف، بات في وضع صعب ولا يُحسد عليه. فهو معشوق النظام والشعب في آن معاً في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة وأكثر من أي وقت مضى. وليس واضحاً ما إذا كان سيستطيع التوفيق بين مطالب الشعب ومطالب النظام. أو أنه سيبتكر وصفته الخاصة لإخراج البلاد من المأزق دون اللجوء إلى العنف. لكن مهما كان الموقف الضروري الحاسم للجيش المصري الوطني في اللحظات التاريخية الراهنة والقادمة. ومهما كانت مشيئة الإدارة الأمريكية ومتابعتها الحثيثة لمصالحها الاستراتيجية في مصر. ومهما كانت تغطية الجزيرة انتقائية.. فإن الحقيقة الناصعة هي أن الشعب المصري العظيم وخصوصاً الشباب المستقل هو صانع التغيير وهو الذي سيقرر مضمونه القادم لا محالة. والشعار الذي يدور في أذهان الشعوب العربية الآن من المحيط إلى الخليج : بصرف النظر عن كل التفاصيل، وبصرف النظر عن كل التحديات الخارجية والداخلية، لا لطبائع الاستبداد. ومن مفارقات القدر، أن عبدر الرحمن الكواكبي ابن حلب، مدفون في القاهرة، وأن روحه تحلّق باسمةً فوق أجواء ميدان التحرير، رافعة لشبابها الثائرين، إشارة النصر الجريحة .

يبقى التذكير، بأن إسرائيل لم تهزم كل هذه الأنظمة بقوة السلاح وتفوقه فحسب، بل بتفوق نظامها السياسي على كل هذه الأنظمة المتخلفة التي لا تنتمي للعصر الحديث، ولا علاقة لها بالحداثة والديمقراطية والعلمانية، بل أساءت لكل هذه المفاهيم والشعارات. وأوجدت تيارات ظلامية تبدو على خلاف ظاهري معها لكنها في الحقيقة لا تبتعد عنها من حيث شهوة السلطة والاستبداد. وبناءً عليه، فإن أكبر خدمة لفلسطين يمكن أن تقدمها شعوبنا العربية هي التخلص من طبائع الاستبداد . بصرف النظر عن مصدرها وخلفية خطابها السياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مهلا مهلا
بشارة خليل قـ ( 2011 / 2 / 1 - 06:32 )
هل هبط علينا نميري واسد وقذافي وصدام من المريخ؟ لا ,هم نتاج لحضارة الارض والعرض حضارة الاستبداد والقسوى والعنف والبطش حضارة الغابة الاسلامية.اسال نفسك بصدق:اليس الاستبداد والتشدد والتعصب هي من سمات العائلة والحمولة والقبيلة والطائفة؟ اليس كل اب هو نسخة مصغرة من الاستبداد داخل العائلة؟
ما زال الغرب يتعامل مع شعوبنا من منطلق مفاهيمه ومعاييره , هو بحاجة الى وقت ليصل الى القناعة الرهيبة ان افراد هذه الحضارة لا تفهم الا لغة العصى لان هذا هو ما نشأت عليه , كالقاصر لا يعي طريقة الاقناع هو بحاجة لتوجيه شديد , بالعصا الى ان يعاد تأهيله على مفاهيم التعايش والمساواة والحرية والعدل وكرامة الانسان
اسال نفسك :لماذا يغيب التداول السلمي على الحكم في العالم العربي والاسلامي؟
جوابي انه يستنسخ نهجه من الاسلام بالدرجة الاولى بالاضافة لبعض العوامل التاريخية والاجتماعية والجيوسياسية.هذه هي الحقيقة المرة مهما ارتحنا بالتعامي عنها

اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا