الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انفلونزا الحرية

تيلي امين علي
كاتب ومحام

(Tely Ameen Ali)

2011 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عجيب امر فايروس هذا الوباء ، وباء الحرية ، فمع انه لا يصيب الاّ المظلومين لكن من يخشى منه هم الظالمين وحدهم ، انه ينتشر في منطقة الشرق الاوسط ويسري فيها كما تسري النار في الهشيم ، ينتشر ويحطم التيجان والعروش ، لا تفيد معه كل اللقاحات التي بحوزة الحكام مثل القنابل المسيلة للدموع والرصاصات المطاطية وهروات الشرطة وحتى الذخيرة الحية بل الاعجب ان الوباء ينتشر بسرعة اكبر كلما استخدم الحكام كمية اكثر من هذه اللقاحات .
يقال ان هذا الفايروس قديم جدا ، ينتعش كلما وجد ظالم ومظلوم، ربما اصاب لاول مرة في التاريخ الحديث الشعب الفرنسي عام 1789 ، عندما خرج من مختبرات مونتسكيو وفولتير وجان جاك روسو وميرابو واخرون من انصار الحرية ، وفي القرن الماضي واثناء الحرب العالمية الاولى انتقل الى موطن الدببة فاصاب الشعب الروسي واسقط قيصر ، ثم نشط الفايروس في بلاد فارس عام 1979 فأهتز العرش البهلوي حتى تدمر ، وبعد عقد من الزمان سرت العدوى الى الشعب الالماني فأزال جدار برلين الرهيب في 3 اكتوبر عام 1990 ، بعد اقل من عام وبالتحديد في شهري شباط واذار من عام 1991 حط الفايروس في العراق واصاب الناس من البصرة وحتى كردستان ، لكن الغريب في التجربة العراقية ان الحاكم صمد بحيلة مكشوفة ولكن الفايروس ايضا لم يهمله بل اهلمه لفترة ، بعد مدة وجيزة نشط الفايروس مجددا واصاب كل شعوب اوربا الشرقية .
هذا الفايروس العجيب نشعر به هذه الايام ، في كل الدول العربية ، اصاب اول ما اصاب شابا تونسيا يدعى ابو عزيزي التونسي ، ايقظ الفايروس شرطي احمق عندما صفع هذا الشاب الجامعي ، ولان ابو عزيزي لم يستطع ان يبلع الاهانة، ولانه كان متعطشا للحرية اسقى نفسه كاسا من النار فاحرق بها بلاط زين العابدين الذي فرّ بجلده فأجار دخلته ظالم اخر في بلاد اخرى . من تونس اتجه الفايروس الى قلب الحكومات العربية ، الى القاهرة واصاب الشعب المصري على حين غرة ، اصاب شعبا كان الكثيرون يعدونه خاملا او كسولا في اهتمامه بالحكم والسياسة ، شعبا كان في نظر البعض متقبلا للذل والخنوع والانحناء امام الحاكم الظالم ، لم يفهم هذا البعض ان شعب مصر قاوم الفراعين وبنى الاهرامات واقام اولى الحضارات في العالم ، انه شعب عرابي وزغلول وطه حسين ونجيب المحفوظ ، ومصر هي مملكة صلاح الدين الايوبي الذي انطلق منها لتحرير القدس ، انه اليوم يقدم نموذجا رائعا لشعب حي وحضاري في مواجهة القهر والظلم ، نموذجا لا اشك ابدا ان الشعوب العربية كلها ستقتدى به ، ويقدم جيش شعب مصر هو الاخر نموذجا مغايرا لصورة العسكر في البلاد العربية ، انه منحاز حتى الان الى جانب الشعب ويرفض ان يكون الة قمع بيد حسني مبارك ونظامه الفاسد الايل للسقوط وبشكل يعتقد الكثيرون ان مصر بشعبها وجيشها تهدي الحرية للشعوب العربية على طبق من الذهب .
الفايروس ينتعش هنا وهناك ، والحكام لا يفكرون اليوم في اللقاحات واكداسها في الجبلة خانات لانها لم تعد قادرة على كبح جماح هذا الفايروس العتيد ، الاغنياء من هؤلاء الحكام يوزوعون الذهب على الشعب كما هو الحال في الكويت او يعدون الفقراء بمساكن ومأوى كما الحال في ليبيا ، والفقراء منهم يعدون الشعب بحياة سعيدة واصلاحات اقتصادية كما هو الحال في اليمن وغيرهم يغيّر الوزارات او يطلق الوعود .
وعلى هؤلاء الحكام ان يدركوا ، ان الفايروس وان كان الجوع ينشطه الا ان الظلم هو البيئة التي ينمو فيها ويتطور، ان الشاب التونسي لم يحركه الجوع انما استفزته الاهانة ، وانتم يا سادة يا حكام العرب تهينون شعوبكم في اليوم الف مرة ، تهينونها بتزويركم الانتحابات والتحدث عن مكتسابات وهمية واخطار وتحديات لا وجود لها ، تهينونها بالاستيلاء على ثرواتهم ومصادرة حرياتهم ، تهينونها بوزراء بليدين لا يحسنون الاّ الركوع والتملق والتحايل في اظهار كفائتهم ، تهينونها بترك الازبال في الاحياء والشوارع وسقي الناس مياها ملوثة ، تهينونها حتى على يد شرطي المرور ورجل امن السيطرات وموظف الاستعلامات ، تهينونها بصوركم الضاحكة واخباركم البليدة على شاشات التلفزة ، تهينونها باحاطة نفسكم بمستشارين حمقى لا يتخطى حاجزهم بشر ولا تصل مسامعكم الا ما يروق لهم ، تهينونها بمزاجيتكم وصلافتكم وجهلكم في قواعد حكم العباد ، تهينونها بمدارس بالية مكتظة وتعليم بدائي من عصر الحجرات ، تهينونها بادوية فاسدة ومستشفيات متسخة ، تهينونها بدوائربيروقراطية وموظفين عموميين افواههم تشتهي ابتلاع رشوة واياديهم ممسكة ممتنعة عن تسهيل اية معاملة للمواطن ، تهينونها بانزال البركات الملوكية على خدمكم وحشمكم وبطانتكم ، تهينونها بتحضير اولادكم لوراثة العرش في دولكم حتى الجمهورية منها ، تهينونها باقصاء الكفاءات واصحاب الاختصاص ومعاداة اصحاب الفكر وتقريب المشعوذين والمداحين والمنافقين ،تهينونها بشبكة من رجال الاعمال يعملون لحسابمكم ولا قانون يحكمهم ، تهينونها باللامساواة واللاعدالة ، تهينونها بتقسيم الشعب الى طبقتين ، طبقة تنظروا اليها كانها من الرعاع لا تستحق حقا ، وطبقة من الحرس لا حدّ لحقوقها واطماعها وامتيازاتها ، تهينونها بخطاب اعلامي تشمئز منها النفوس ويخجل منها كوبلزنفسه، اعلام كاذب ومخادع في اخباره وراقص متبرج في فعالياته ، تهينونها وتهينونها وتهينونها.
هذه هي مشكلتكم ، مشكلة لا حل لها ، انتم لستم رجال التغيير ، حتى العم سام ما عاد يطيقكم وقد ضاق بكم .
الفايروس يعدو والعدوى تنتشر ولا ينتظركم الا الرحيل ، فمن منكم يسبق من يا حكام العرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. وتوقف دخول


.. بعد قتله جنديين.. حزب الله يستهدف مجدداً ضباطاً إسرائيليين ب




.. هل سيطرة إسرائيل على معبر رفح مقدمة للسيطرة على المدينة بكام


.. شقاق متزايد في علاقة الحليفين.. غضب إسرائيلي من -الفخ الأمير




.. ترامب يتهم بايدن بتزوير المحاكمة لأهداف سياسية