الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرهاصات ثورة مصر

خالد صبيح

2011 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



لا تزال المعادلة المصرية مستعصية على الحل. فرغم أنها كانت متوقعة بسبب السبق التونسي المجلجل إلا أنها فاجأت بسرعة انطلاقتها من لم يتهيأ لها. وما سبب الإرباك واللعثمة هو الفاصل الزمني القصير بين الثورتين، التونسية والمصرية، عشرة أيام فقط، وهذا وقت قصير جدا لكي تستطيع الأنظمة العربية والغرب أن يصحوا من الصدمة التونسية ويعيدا ترتيب أوراقهما وحساباتهما. لهذا كان المسعى الأساسي في مواجهة الثورة المصرية هو كسب الوقت، ولأجل تحقيق هذا لجأ نظام مبارك لحلول ترقيعية محاولا الإيحاء بالسعي الجاد للإصلاح بعدما فشل بحلوله التقليدية التي عول عليها أو اضطر إليها لعدم وجود بدائل لديه واعني بها الحل الأمني. حيث دفع بالشرطة المكروهة من الشعب ولم يفلح، فقد طردتهم الجماهير من الشارع، ثم لجأ إلى الحيلة الساداتية القديمة، نشر البلطجية في الشوارع ووسط المتظاهرين للتخريب وتشويه الصورة والمسار، ليقال عن الثائرين أنهم( شوية حرامية)، لكن المنتفضين أحبطوا هذه المحاولة المكشوفة أيضا.

رسالة الشعب المصري للنظام كانت واضحة وصريحة. تغيير النظام؛ وهذا يعني تغيير هيكلي شامل وليس استبدال وجوه وعناوين. فليس من المعقول أن ينزل الشعب إلى الشارع ويقدم الضحايا (أكثر من مائة شهيد) ليكون الثمن إسقاط وزارة نظيف (النظيفة). وهذا الأمر بات يعرفه كل مبتدئ بالشأن السياسي. لكن لم هذا التشبث والإلحاح بالتمسك بنظام مبارك وبتحول (سلس) للسلطة؟

الغرب والأنظمة العربية، باعتبارهما من اكبر المتضررين بما جرى ويجري، يمكن لهما أن يقبلا خسارة نظام بن علي، فهذه محتملة رغم إنها خسارة ليست بالهينة عليهم. والخسارة هنا ليست في تغيير النظام وهروب الحاكم، فالغرب وغيره لا يهمه الحاكم ولا نظام الحكم، لكنها كانت في شكل التغيير وأدواته.

أن يخسروا تونس فهذا قابل للاحتواء، إنما مصر؟ فلا. وألف لا.

لكن لماذا ليس في مصر.

مصر أم الدنيا، هكذا يسميها المصريون تحببا وفخرا. وهي حقا كذلك. ومصر لها دور كبير يكتسب طابع التأثير الشامل في المنطقة، ولن نضيف شيئا في تكرار توصيفه أو تحديد ملامحه.

ولهذا فان التغيير في مصر سيؤذي بعض الأطراف، وأول المتضررين وأكبرهم من أي تغيير غير مسيطر عليه في مصر هي إسرائيل. لان إسرائيل قد حيدت مصر باتفاقية سلام مما أتاح لها أن تتحكم بالكثير من مفاتيح لعبة الحلول في المنطقة دون خوف أو تحسب. وإسرائيل تعرف أن التغيير في مصر سيغير قواعد اللعبة لان من سيأتي به التغيير، إذا ذهب هذا التغيير إلى مداه الحقيقي والكامل، لن يقبل بما تمارسه إسرائيل من تهميش وإقصاء أو توظيف لمصر في سياسات المنطقة. وإسرائيل تعرف هذا بالخبرة من خلال تلمسها لرفض الشارع المصري وكراهيته لها. فاتفاقية السلام مع مصر، رغم الزمن الطويل على إبرامها، لم تحقق أكثر من سلام بارد. وكم سعت إسرائيل لكسر هذا البرود بمحاولات التطبيع مع الشعب المصري لكنها فشلت. وفشل إسرائيل ليس سببه أن الشعب المصري ونخبه متعنتون أو (ضحايا) زمن شعاراتي، كما يريد أن يوهمنا اللبراليون العرب، وإنما لان اتفاقية السلام، بسبب التعنت الإسرائيلي، لم تكن الطريق الأمثل لحل مشاكل المنطقة. فتحقيق السلام في المنطقة لا يتم بمعاهدات انفرادية هنا وهناك، ولا بمحاولات تطبيع سطحية وفوقية وإنما بحلول جذرية شاملة ومترابطة من أهم بنودها الإقرار بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني. هذا وغيره صعد من رفض وكراهية الشارع المصري لإسرائيل وتسبب بدرجة ملحوظة في نقمة الشعب على النظام.

(بعض من أصوات الاحتجاج كانت قد تحدثت عن استرداد كرامة مصر).

وإسرائيل الآن مرتبكة وقلقة، بل وخائفة، لكنها صامتة. وحين تصمت إسرائيل فهناك من يتكلم ويعمل نيابة عنها، وهذا ما تفعله بالضبط أمريكا الآن.

فبعد أن بات واضحا لأمريكا أن مبارك على رحيل سارعت بعد تردد وتلعثم للدخول على الخط للسيطرة على التغيير القادم والتحكم بـ ( سلاسته). والصراع الآن أو الحراك هو عما ستثمره عملية التغيير وبمن ستأتي. وما نزول الجيش المصري إلى الشارع، بالإضافة إلى انه كان لحماية الأمن الذي كاد يفلت بهروب الشرطة، إلا جزءا من عملية التحكم بالتغيير، فقد كان لنزول الجيش في الواقع دورا مزدوجا هو الوقوف كجدار عازل بين الجمهور والنظام ليحمي احدهما من الآخر، والأرجح هو حماية النظام. والجيش هو القوة التي يعول عليها الجميع في هذه اللحظة لضبط عملية التغيير القادم، وكل طرف يريد أن يكسب تأييد الجيش له ليحقق مايريده. لكن المطلب الأساسي أو الخطوة الكبيرة المهمة الآن هي الحد من عنفوان هذه الهبة الشعبية التي أسقطت بيد من يريد لها الفشل بطريقتها السلمية وبسلوكها المتحضر الفريد وبموقفها المسؤول.

ولأجل أن يُحد من اندفاعة الثورة بدئ ببعض التحركات، منها مواجهة الثورة بنفس أسلوبها بالتظاهر المضاد، فقامت جماعات النظام، وربما بعض من يستأجر لهذا الغرض، بمظاهرات تأييد لمبارك ليظهروا فيها للرأي العام، بغرض البلبلة، وكأن الشارع المصري منقسم، وان هناك أكثر من صوت فيه، وان ليس هناك إجماع على مطالب المتظاهرين. هذا بالإضافة إلى القيام ببعض الإجراءات لمنع تدفق المشاركين في مظاهرة يوم أول فبراير المليونية الحاسمة من خلال تعطيل وسائل النقل بين المدن ونشر إشاعات عن تعرض بيوت من يتركون بيوتهم للتظاهر للنهب. كذلك تضخيم المخاوف من شحة المواد الغذائية واضطراب الأسواق والحياة اليومية للمواطنين.
في نفس الوقت وفي ذات السياق انبرت ماكنة الإعلام السعودي عبر مستكتبيها وباسم التحليل الموضوعي والمنطقي، بتلميع صورة نظام مبارك وشخصه( مقالات صحيفتي الحياة والشرق الأوسط).

ولفك العزلة عن النظام، ليس للإبقاء عليه، فهذا أمر مستحيل، ولكن من اجل التحكم بعملية التغيير، انضم إلى تلك المحاولات بعض من بلدان الخليج التي لها استثمارات اقتصادية في مصر ، كالكويت، وتلك التي لها شراكة إستراتيجية سياسية، كالسعودية، بإعلان تأييدها لحكم مبارك. ولنفس الدواعي، ولغيرها أيضا، انضمت لهذه المحاولة قوى داخلية،( الأقباط بتصريح البابا شنودة للتلفزيون المصري، ومؤسسة الأزهر)، خرجت عن صمتها الذي تحصنت به في الأيام الأولى لتعلن تأييدها لمبارك ولتعلن خروجها على إجماع الشعب المصري.
الأحداث تتسارع وتتطور في كل ساعة ولاتزال كفة الشارع والثورة هي الراجحة، لكن ذلك لا يمنع من الظن بان الثورة يمكن أن تكون في خطر. فهي ما تزال في طور الانجاز وأعداؤها وكارهوها كثيرون، وهؤلاء قلقون وخائفون، وهم يطمحون ويعملون من اجل أن تحبط هذه الثورة وان تتراجع وتنحسر عدواها. لكن رغم كل شيء فان للشعب المصري الآن رأي وفعل هما اللذان يحددان مسار الأحداث ويرسمان مسيرة التاريخ الجديدة، ومظاهرة اليوم المليونية قد أضافت بلا شك صفحة جديدة إلى ملحمة السيرة الذاتية الجديدة التي يدونها الشعب المصري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - منطقي
سعد الجيزاني ( 2011 / 2 / 1 - 20:36 )
تحليل منطقي وواسع وعميق جدا واعتقد ياعزيزي ان الشباب المصري واعي لهذه التوجهات من قبل الحكومه وشكرا لك


2 - قيادات الجيش المصري متواطئة مع مبارك وعصاباته
محمود الفرج ( 2011 / 2 / 1 - 23:11 )
اما افراد الجيش والشرطة في الدول العربية فكلنا نعرف الجهل والفقر والعوز والانصياع للقرارات خوفا وليس وعيا لا مجال الا ان تثبت الجماهير مصداقيتها والمعارضة ويتم اقتحام القصر الجمهوري والاذاعة ولا حرية بدون ما لا نتمناه (( الدم )) فثمن الحرية باهض امام الدكتاتورية والفاشية المتمسكة بالسلطة المدعومة من الازهر الخائن للشعب الثائر
وتحية للسيد الكاتب

اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا