الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيار الديمقراطي العراقي : إقتراحات وأفكار

عبد الرحمن دارا سليمان

2011 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


في ظلّ الأوضاع الراهنة التي تمرّ بها المنطقة العربية بعد سلسلة الإنتفاضات الجماهيرية على الأنظمة المستبدة التي جثمت على صدورها طوال العقود الأربعة الأخيرة ، وما أدّت اليه سياساتها اللا وطنية ومراهنتها الدائمة على الدعم الخارجي وتكريس السياسة والإقتصاد الوطني لخدمة الأسواق العالمية وخضوعها لشروط المؤسسات المالية الدولية، ورفضها المستمر لأي شكل من أشكال الإصلاح والتغيير الحقيقي في النظم السياسية والإقتصادية والثقافية المتفسخة والسائدة فيها، من نتائج كارثية كبرى، إنعكست مباشرة على الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من السكّان، وبالتالي أوصلتها للنتيجة الطبيعية التي تتجّلى اليوم بوضوح في الإنفجارات الإجتماعية التي نشهدها في هذه البلدان ، يعود اليوم، المطلب الديمقراطي وبقوّة الضغط الجماهيري العارم، الى صدارة الأحداث السياسية، بإعتباره الحلّ الأمثل والوحيد للخروج من الأزمات المستفحلة العديدة التي تعيشها هذه المجتمعات .

وقد يكون صحيحا، أنّ عدوى هذه الإنتفاضات، لا تنتقل سريعا ومن مجتمع لآخر بصورة آلية وميكانيكية، وتخضع في كل حالة من حالاتها، الى شروطها الخاصّة والى عوامل نضوجها الداخلية في هذا المجتمع قبل غيره من المجتمعات العربية الأخرى التي وإن كانت تتشابه من حيث رهن السياسة والإقتصاد ومن وراءه المصير الإجتماعي العام للمصالح الخارجية، ولا تتماثل كليّا مع الحالة العراقية نتيجة الأوضاع الإستثنائية التي يمرّ بها ، بيد أنّ إحتمالات الإنفجار الإجتماعي في العراق أيضا، ليست معدومة تماما، وليست غائبة بالمطلق من حيث الجوهر وعلى المدى البعيد .

وإذا كان النظام الديكتاتوري السابق بشعا، فإنّ نظام المحاصصات الطائفية المعمول به والمسكوت عنه في الوقت نفسه، ليس بالوجه الأجمل على الإطلاق، لما يسبّبه من إنسدادات دورية مستمرّة، ومن عرقلة لأي نوع من أنواع التقدم في المسارات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية، ومن تعطيل لكل مظاهر الحياة المدنية السّوية في المجالات كافة، ومن تقوية غير مباشرة للقوى الإرهابية التي مازالت تحصد المزيد من أرواح المواطنين، إن كان ذلك الإرهاب صادرا عن القاعدة وأذرعتها وخلاياها والمتعاونين معها في الداخل، أم كان صادرا عن القمّة، من أجل تصفية الحسابات بين الكثير من أحزابها ورموزها، ضمن النزاعات والصراعات حول تقاسم السلطة والموارد والنفوذ .

وكما شهدت العقود الماضية جملة من التحوّلات العميقة في المنطقة العربية على الصعيدين السياسي والإقتصادي، وإنفتاح هذين الحقلين بطرق لا مدروسة، على إقتصاد السوق و خدمة مصالح الليبرالية الجديدة التي لم تجن ثمارها سوى نخبة ضئيلة من رجال المال والأعمال والمضاربين وأصحاب السلطة والنفوذ والقريبين منها والعاملين على أطرافها، على حساب الإقتصاد الوطني والتنمية الحقيقية والنهب المنظّم للمال العام الذي كان من نتائجها المباشرة، هو التحوّل التدريجي للنخبة السياسية الحاكمة الى طبقة خاصة ساعية للتوريث نتيجة إلتقاء السلطة بالمال، ونتيجة زواج السياسة بالتجارة، وبالتالي أدّت الى الإنفصال التّام عن تطلعّات المجتمع وهمومه وآماله الحقيقية الذي بات في مرحلته الأخيرة، مهددا حتى في لقمة العيش الكريم، بعد إنسداد الآفاق أمام فئاته الواسعة في تأمين المستقبل وحفظ الكرامة والسيادة الوطنية، فإنّ الوضع العراقي بدوره، ليس بعيدا كلّ البعد عن الوصول الى هذه النتائج المنطقية، حين ندرك أنّ المعضلة الأساسية ليست في غياب رموز الإستبداد والديكتاتورية هنا وحضورها هناك، وإنّما هو في غياب الوطنية وتفكيك ما تبقّى منها، نتيجة العجز والفشل في توليد جماعة سياسية متسّقة تمتلك رؤية موحّدة عن دور ووظيفة الدولة، رغم إنتماءاتها المختلفة من جهة، ونتيجة الإقصاء والتهميش المستمرين للقوى الوطنية والديمقراطية العراقية ودفعها تدريجيا الى مؤخرة الصورة والمشهد السياسي رغم نضالاتها الطويلة المعروفة وتاريخها المجيد وتضحياتها التي لا يمكن إنكارها وتغييبها، بأي حال من الأحوال، من جهة أخرى .

وإذ ينبثق التيار الديمقراطي العراقي كضرورة قصوى في هذه المرحلة ضمن جولة من جولات سوف لا تنتهي بكلّ تأكيد، للنهوض بمهام التصدّي والمواجهة للأوضاع الشاذّة القائمة وإرجاع الأمور الى نصابها القانوني والدستوري السليم، وإنتشال البلاد من حالة الفوضى السياسية المستمرّة منذ عام 2003 ، وهي بالطبع مهامّ كبرى وتتطلب دراسة متأنية وعميقة للإمكانيات الفعلية التي تحملها القوى التي سوف يتأسس عليها التيار الديمقراطي، ولن تتحقق بسهولة وسرعة من ناحية أولى، ومن غير المتوقع أن تتنازل القوى المستفيدة من الفوضى الراهنة عن مواقعها المكتسبة، وتتراجع عن إمتيازاتها الخيالية بدون الضغوط الجماهيرية التي تعبّر عن رفضها وإستيائها للأوضاع القائمة بشكل متزايد من ناحية أخرى . ولكي لا تتشتّت الجهود المبذولة في هذا المسعى ، وتسود الحسابات الفردية على العمل الجماعي، وهي حالة عراقية معروفة ومجرّبة بإمتياز، ومن ثم تتكرر الإخفاقات كما حصلت في جولات سابقة، ينبغي تحديد أمرين أساسيين :

1. طبيعة القوى الإجتماعية التي سوف يتوجّه اليها الخطاب الديمقراطي والقادرة أكثر من غيرها على تبنّي المطالب الديمقراطية، إذ لا معنى ولا قيمة لأي خطاب مهما كانت صحته ما لم يتّم تبنّيه إجتماعيا، مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ الواقع العراقي الجديد لم تعد فيه الفئات الوسطى المتنورّة فعّالة وذات وزن وحضور إجتماعي مهمّين، كما كان الحال في المجتمع المركزي المركّب، حيث لعبت هذه الفئات دورها، كمحور للتوازن الإجتماعي وكمصدر للمدنية والإلهام الفكري والتنويري، وإنّما نحن نمضي اليوم بخطى حثيثة، نحو مجتمع يفصل الأقلية المستفيدة من الأوضاع الجديدة، عن الأغلبية المتضرّرة ،وهي بحر الكتل الجماهيرية الساخطة والمهمّشة والمستبعدة من السلطة والقرار .

2. تحديد الأولويات في وجهة وأساليب العمل الديمقراطي على ضوء الأحداث الراهنة، فأمّا أن تكون الأولوية لإنضاج الظروف من أجل إنتفاضة شعبية أو عصيان مدني، وقد تكون غير مضمونة النتائج وتقود البلاد الى المجهول ضمن الأوضاع الإستثنائية التي يمرّ بها ولكن وفي نفس الوقت لا ينبغي إستبعاد هذا الخيار تماما، قبل حدوث ما هو أسوأ، وأمّا العمل ضمن الآليات المتاحة قانونيا ودستوريا، وهي بدورها لن تثمر شيئا، بدون ضغوط جماهيرية حقيقية ومستمرّة .

إنّ المطلوب هذا اليوم، هو بناء أطر وطنية حاملة لمشروع مجتمعي حقيقي، وقادرة على العمل والتفكير الجماعي وعلى لملمة الحشود الإجتماعية المتنافرة من المتضررين، وهي أطر أختفت أو غيّبت قسرا من الساحة العمومية والخاصة، وحرمت من دورها التاريخي الذي ناضلت وإستثمرت من أجله عقودا طوال، الى درجة النسيان . ومن دونها ليس هنالك مهرب من التسليم بالسيطرة المتزايدة للقوى المتنفذة حاليا، والتي لا هدف ولا برنامج ولا غاية لها، سوى إعادة إنتاج نفسها ومراكمة إمتيازاتها على حساب إستهلاك وهدر موارد الدولة والمجتمع وتحويل السياسة الى ساحة مغرية لرجال المال والأعمال والمقاولين والطفيليين والمتاجرين بالشعارات الفارغة من كلّ معنى . وعلى ضوء ذلك كله، سأورد أدناه بعض المقترحات العملية التي قد تكون لها فائدة بخصوص العمل الديمقراطي وتوّجهاته العامّة :

أولا : العمل على دراسة الواقع العراقي الجديد وقواه الإجتماعية الجديدة من أجل صياغة مشروع سياسي قادر على توحيد وتوجيه الكتل الإجتماعية المتباينة التي يوحّدها ويهددها في هذه المرحلة، الإفقار والإقصاء والتهميش، ولكن لا يحرّكها داخليا مشاريع البناء والإنخراط فيه من أجل المستقبل بنفس السهولة التي تغريها خارجيا الشعارات الطائفية والمذهبية والأثنية . وهي مهمّة ليست بسهلة ولا أعتقد أنّ الكلاسيك الماركسي يمكن أن يفيدنا كثيرا في التحليل هذا اليوم، بقدر ما يمكن لأعمال الماركسيين الأوربيين في مرحلة ما بين الحربين العالميتين أن تفيدنا أكثر، حين مرّت فيها المجتمعات الغربية، بأوضاع إجتماعية شبيهة، تحدثوا فيها عن "الطبقة الرابعة" التي شكّلت القاعدة الأساسية للنازية والفاشية فيما بعد، ومنهم المفكّرة الألمانية المعروفة "حنّا أرندت".

ثانيا : من الأفضل لقضية الديمقراطية في هذه المرحلة، أن تتزعمها واجهات دينية متنورّة وتؤمن بفصل الدين عن الدولة، وفي تقديري، هم قادرون أكثر من غيرهم على التغلغل في الوسط الإجتماعي الواسع من حيث اللغة والخطاب والتعبئة والإمكانية على التحرّك في الداخل كما بإ مكانهم الحديث عن مبادئ الحقّ والقانون والعدالة والمساواة، بدون أن يواجهوا الإتهام الفجّ والمسبق بالكفر والإلحاد والزندقة .

ثالثا : فصل قضية الصراع من أجل الديمقراطية عن قضية الحرّيات، حيث أنّ الدفاع عن الحريات رغم مشروعيتها التي لا جدال حولها، ليست هي الساحة الأنسب للمواجهة والنزال، ومعركتها هي معركة خاسرة مسبقا على المدى المنظور، وهي ساحة مليئة بالألغام، وقد شهدنا مؤخرا تفجير أول لغم فيها من خلال حشر، أشرف وأنبل أبناء وبنات العراق في زاوية الدفاع عن البارات والمخمورين والملاهي الليّلية، وكما هو معروف أيضا، فالحريّة مفهوم نسبي فرديا كان أم جماعيا، وهي ليست شرطا أساسيا وضروريا ومسبقا لنشوء الديمقراطية في أيّ مجتمع من المجتمعات، بل أنّ العكس هو الصحيح تماما ، فالديمقراطية إن وضعت على سكّتها الحقيقية، سوف تتيح الفرص لا محالة، لتحررّ الأفراد والجماعات معا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا