الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر المحروسة: أدخلوها بسلام آمنين(نوستالجيا)

اسماعيل خليل الحسن

2011 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


هذه ليست مقالة لكنها بوح وحنين لمصر التي أحبها وتمنيت أن أزورها يوما, مصر التي سكنتني صغيرا منذ وعيت ووعى جيلي, وفتحنا أعيننا على حلم لم يدم طويلا اسمه الجمهورية العربية المتحدة, وكان حبنا لعبد الناصر بلا حدود, ملأ صوته المدوي الرحب وضاق المكان بصوره وصور فريقه الحاكم في الأماكن العامة وفي البيوت وعلى جدران المدرسة حيث كنت في الصف الأول الابتدائي وكان معلمانا المصريان, شعبان وسيد اللذان أحببتهما وأحباني, يعلقان صور الرئيس ونائبه عامر ووزير الدفاع الفريق جمال فيصل وعبد الحميد السراج وغيرهم, لقد أحبهم جميعا لأنهم مع الزعيم يدا بيد, فلا علم لنا بما يخبئه القدر.
كانت جدتي تطلب مني أن أضع مؤشر المذياع على صوت العرب لتسمع القرآن فجرا, فيصدح عبد الباسط بصوته الذهبي فلا يسعك إلا أن تسمع وتخشع.
ثم نسمع أغاني مصريّة فحسب طول النهار: أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد المطلب وفريد الأطرش وعبد الحليم ونجاة الصغيرة وشادية وغيرهم كثير, لقد كانوا نجوما وكنا نظنّ أنّهم كائنات من نور لا بشرا من لحم ودم.
الآن بعد أكثر من نصف قرن أحاول ترتيب معرفتي بمصر على نسق آخر وأقول: إن مصر دائما مصران, مصر الحاكم ومصر الأخرى.
مصر الملكية: حيث تجلس العائلة الملكية تستمتع بالملذات غير آبهة بمعاناة المصريين ومصر سعد زغلول الذي يناضل من أجل الاستقلال, وكان الشعب المصري بطبيعته المبدعة متصالحا مع نفسه في الأمرين: ولاء للملك بوصفه رمزا للدولة, وولاء لسعد بوصفه زعيم الأمة.
مصر الجمهورية: مصر عبد الناصر ونظامه الشمولي ومخابراته التي تكمم الأفواه, وتفسد على الناس حياتهم, ومصر المكتبات الكبرى والصحف الكبرى والسينما ونجومها اللامعين, والقضاء المستقل نسبيا, وهنا ليسمح لي الأخوة الناصريين لأقول إن نظامي السادات ومبارك إنما هما من تجليات نظام عبد الناصر, بل هما امتداد للجمهورية الأولى التي أسسها, أتكلم هنا عن آليات النظام وليس عن السياسات, وعسى أن تنطلق اليوم الجمهورية الثانية.
كانت على الدوام تتجلى في مصر معالم مجتمع مدني يتقلص أحيانا ويتسع أحيانا أخرى, ما يعتبره النقاد بيئة لكتابة الرواية التي أوصلها نجيب محفوظ إلى الأوج, في حين ظل الشعر والحداء من شيم الذين يعيشون على تخوم البادية.
وإذا عدنا إلى العصر العثماني فقد كان المبدعون والمفكرون يهربون من البطش إلى مصر من الأقاليم الأخرى بوصفها ملاذا آمنا, وفيها يستكملون مشاريعهم في الفكر كالكواكبي والأفغاني, والمسرح كأبي خليل القباني, والصحافة كعائلة تقلا وجرجي زيدان.
كانت هنالك عقول مغلقة في الفكر والدين, وبالمقابل كانت هنالك عقول مستنيرة, فالمفكر المصري مفكر معرفي استدلالي يخدم الفكرة التي يبحث فيها شأن طه حسين وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا ومحمد مندور, وليس مفكرا شعاراتيا يعلي من شأن المشاعر والعاطفة على منطق البحث العلمي.
بدأ المشروع التنويري مع سلامة موسى ورفاعة الطهطاوي, الأول علماني والثاني إسلامي ثم توالت السبحة: مصطفى كامل ومحمد عبده, طه حسين وعلي عبد الرازق, ذلك رغم وجود مصطفى البنا وسيد قطب وصقور المرحلة الناصرية.
كان الإعلام مؤمما لكن التغريد خارج السرب لم ينقطع, فمجلتي روز اليوسف والطليعة كانتا تنطقان باسم اليسار وكانت الهلال والأخبار أقرب إلى اليمين, والسياسة الدولية أقرب إلى التيار الليبرالي.
مصر فاكهة متعددة أو مائدة من الحلويات المختلفة, وقالوا إن الذي بنى مصر كان حلوانيا.
مصر الأزهر والحسين والسيدة زينب, والعمائم وعبد الباسط والحصري والمنشاوي ومحمد رفعت.
ومصر أحمد فواد نجم و الشيخ إمام, وعبد الرحمن الأبنودي ورسامو الكاريكاتير كالبهجوري وغيره.
مصر الآذان الذي ينطلق من آلاف المساجد صباحا بأعذب الأصوات, وأجراس الكنائس والأبرشيات.
وفي الوقت نفسه يتحلق المصريون حول تحية كاريوكا, وسامية جمال, ونجوى فؤاد, وسهير زكي,إذا ما تهادين في الشارع فيصبّح أو يمسّي عليهن: صباح الخير يا ست الكل.
أما مصر اليوم فقد أنقذتنا من الملل واليأس وأسقطت في طريقها عدة مفاهيم:
أولاـ سقوط مفهوم إن البديل سيكون التطرف الإسلامي
ثانيا ـ سقوط مفهوم إن البديل سيكون الفوضى, وفضحت حقيقة إن الفوضى هي من اختراع النظام, وإن الشارع كان مبدعا في تنظيم نفسه وحمايته للأمن الذي عبثت به يد النظام.
ثالثاـ إن تونس ومصر أعادتا لنا إيماننا بالحرية والديمقراطية كطريق للخلاص بعد أن دب بنا اليأس., وإن الوحدة العربية بين الشباب العربي اليوم هي أقرب للتحقق في ظل الحرية, وليس في ظل سيل الشعارات.
مصر التي أحبها, أحب فيها النكتة وخفة الدم, وأحب فيها السرك وألعاب الخفة, وأحب فيها أيضا يونس شلبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو