الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما أعظمك يا شعب.. ما أروعك يا وطن

إكرام يوسف

2011 / 2 / 2
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لا أظن أن انتفاضة المصريين طوال الأسبوع كانت مفاجأة بالغة لكل من شاهدوا بأعينهم انتفاضة يناير الشعبية 1977.. أو على الأقل من احتفظ منهم بإيمانه بهذا الشعب.. وأزعم أنني من هؤلاء الذين لم يفقدوا إيمانهم به لحظة.. فما رأيته بعيني من ثلاثة عقود جعلني أوقن أن هذا الشعب قادر على ما هو أكبر..وأكدت التطورات للجميع أن الحديث عن حضارة سبعة آلاف عام، وعن معدن الشعب العريق، لم يكن شعارات ولا عبارات فارغة.
المشهد المهيب منذ ظهر الثلاثاء.. صفعة لكل من راهن على صبر المصريين إلى الحد الذي اعتقد فيه البعض أنهم أدمنوا الاستسلام والخضوع، ولم يعودوا قادرين على رفض الظلم. ولطمة لكل من حاول المزايدة على نخوة المصريين وعايروهم بصبرهم ..
كان كل من لم يفقدوا إيمانهم بعظمة المصريين يراهنون على شباب وفتيات من الذين قال عنهم أحمد فؤاد نجم "زهر البساتين" و "الورد اللي فتح في جناين مصر".. وقلت عنهم ذات مقال إنهم يشحنون بطارية التفاؤل في وجداننا.. رأيتهم منذ يوم الثلاثاء العظيم .. يسير وراءهم رجال ونساء، شيوخ وكهول، فقراء ومتوسطو الحال.. شاهدت سائقي توتكتوك وعمالا وعاطلين وشباب جامعات وموظفين ومهنيين.. رأيت الفنانة المناضلة الرائعة محسنة توفيق، التي تحمل في قلبها عشقا لمصر يمتد أكثر من نصف قرن، منذ ما قبل اعتقالها للمرة الأولى عام 1953.. كانت تسير وسط الجموع في شارع جامعة الدول العربية، تستند إلى ذراع رفيق حياتها و فرحة تكسو ملامحها أعادتها لسنوات الشباب الأولى. وشاهدت الفنان العبقري فتحي عبد الوهاب يهتف ويردد الشباب الهتافات وراءه، والمبدع خالد أبو النجا، وشاهد زملائي خالد صالح و خالد يوسف وعبد السلام داوود وعدد كبير آخر من الفنانين الملتزمين لا تسمح المساحة بسرد أسمائهم.
لم يكن ما قيل عن تحضر المصريين مبالغة، ففي المظاهرات التي كان قوامها من أفقر مناطق القاهرة، لم نشهد حجرا واحدا ألقي على ممتلكات عامة أو خاصة طوال خمسة أيام، على الرغم من استفزاز قوات الأمن، وتعاملها مفرط العنف.. شاهدت زميلا صحفيا حاول الوقوف فوق سيارة خاصة لالتقاط الصور من فوقها، فأنزله المتظاهرون حتى يسبب ضررا للسيارة.. ونظم الشباب من أنفسهم مجموعات لحفظ الأمن والنظام، وكانوا يهتفون: سلمية.. سلمية، كلما انقضت عليهم جحافل الأمن بهراواتها وقنابلها المسيلة للدموع وقنابل الغاز.. بل والحجارة، هل كان أحد يتصور أن نرى على شاشات التليفزيون قوات الأمن تلقي أحجارًا على متظاهرين؟ والصور التليفزيونية لا تكذب! كان الشباب يهتفون "يابو دبورة ونسر وكاب احنا اخواتكم مش ارهاب".. بل أن شرطيا أصيب في قدمه بحجر ألقاه زملاؤه فحمله شباب المتظاهرين لإسعافه!
كاذب من يحاول إلصاق تهمة الغوغائية بالمصريين.. فلم تظهر جماعات النهب والسلب المسلح إلا بعدما تأكد عجز قوات الأمن عن إخماد هبة المصريين، وبدأت سياسة الأرض المحروقة.. بعدما اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن بطش الداخلية كان موجها بالأساس للمعارضين وليس المجرمين، وأن الشرطة لم تعد في خدمة الشعب كما كان شعارها من قبل، ولا في خدمة سيادة القانون مثلما يقول شعارها الحالي، وإنما في خدمة "سيادته" وفقط. فلم يبد جهاز الشرطة نجاحا في أي قضية تمس أمن الموطن فعلا، وعلى سبيل المثال؛ فأين المسئولون عن حادثة الإرهاب أمام فندق أوروبا في شارع الهرم مثلا؟ وأين المسئول عن قتل المواطنين في بني مزار، بعد تبرئة المسكين الذي حاولوا إلصاق التهمة به؟ والمسئولون عن قتل المسيحيين في الكشح ونجع حمادي وتفجير كنيسة الإسكندرية؟ أليس ملفتا أن تحترق مقار الحزب الوطني في معظم المحافظات في توقيت واحد بما تحوي من ملفات ووثائق يمكن أن تفضح الكثيرين؟ والعصابات المسلحة التي انطلقت تعيث فسادا في جميع المحافظات بصورة تبدو منظمة؟ وذكر شهود عيان أن من أفرادها بلطجية كان يستخدمهم الحزب الوطني لضرب الناخبين أثناء الانتخابات الأخيرة، كما ألقى شباب المتظاهرين في أكثر من مكان القبض على لصوص وسلموهم إلى قوات الجيش فتبين أنهم من الشرطة السرية.
لا يجرؤ كائن في الدنيا على اتهام المصريين بالهمجية والفوضى، بعدما طيرت وكالات الأنباء ونقلت الفضائيات صور أبناءنا وبناتنا وهم ينظمون المرور ، ويكنسون شوارع العاصمة، ويكونون فرق الدفاع الشعبي لحماية الأهالي من عصابات النهب المسلح.
لقد حقق المصريون بالفعل نصرًا ساطعا في أكثر من جولة؛ فهاهو سيناريو التوريث تسحقه أقدام المصريين مرة واحدة وإلى الأبد. وهاهم الحكام يفهمون للمرة الأولى أن الغطرسة والتعالي في معاملة هذا الشعب لا تحمي العروش، وينتبهون للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود إلى إمكانية تعيين نائب للرئيس! وها هو الرعب الذي ظن البعض أنهم غرسوه في قلوب المصريين عبر عقود من القمع وإذلال البسطاء في الأقسام، وتلفيق التهم لكل من تباطأ في الاستجابة لرغبات فرد شرطة، والتعذيب لحد القتل؛ يتلاشى في قلوب الناس، ويحل محله رغبة عارمة في أن يتجرع الظالمون من نفس كأس المهانة والذل. أي شعور تحسه الآن والدة طفل شها ذي الثانية عشر عاما الذي قتله ضابط مجرم بدم بارد بركلة في بطنه لمجرد الاشتباه في أنه سرق علبة شاي؟ وأي إحساس يملأ عماد الكبير الآن بعدما تعرض له من مهانة على يد ضابط زنيم؟ وأي شعور بملأ قلب والدة الشهيد خالد سعيد والشهيد سيد بلال؟ بعدما شاهدت الدنيا وزير الداخلية تجلل هامته الخيبة البواح؟ وضباطه وهم يفرون مذعورين من أقسامهم؟ وجنوده وهم يبكون ويتوسلون للناس، وتنقل الفضائية المصرية استغاثات لإنقاذ عناصر الشرطة من أيدي الغاضبين؟
ولعل أهم ما حققه المصريون في هذا الأسبوع، استعادتهم للثقة في أنفسهم كشعب لا يقبل الظلم حتى وإن صبر طويلا.. ولا شك أن هذه الثقة سوف تدفعهم للمواصلة حتى يحققون لأنفسهم الغد الذي يستحقون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمين المتطرف في فرنسا يعتزم منع مزدوجي الجنسية من شغل مناص


.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح




.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال


.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي




.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين