الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسني مبارك – شبح المقبرة المصرية!

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2011 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


قديما قيل بان خاتمة المرء حقيقته. وبقدر ما ينطبق ذلك على الأفراد، فانه ينطبق على الأحزاب والسلطات والدول والحضارات. مع أن لكل منها مصيره الخاص. فمن الناحية الطبيعية لا غرابة في الأمر لان كل شيء عرضة للزوال. وفي كيفية هذا الزوال تكمن قيمة الزائل. فالحضارات الكبرى تزول وتبقى مآثرها. والشيء نفسه يمكن قوله عن الدول. بمعنى تلك الدول التي انقرضت وبقي تراثها كامنا في الوعي التاريخي بوصفها حلقة ضرورية في وعي الذات القومي. وينطبق هذا على الأحزاب التي لعبت دورا مهما في تأسيس الأفكار الإنسانية والعقلانية الكبرى. ولا يشذ الأفراد عن هذه المعادلة. فالأحزاب والدول والحضارات الكبرى عادة ما يصنعها أفراد. ولكل منهم حجمه ومصيره ورمزه ومعناه.
عندما نطبق هذه المقدمة العامة على تاريخ مصر، فإننا نقف أمام حضارات كبرى (مصرية قديمة وعربية). وعندما نطبق ذلك على الدول، فإننا نقف أمام حلقات تربط في كل واحد تاريخ مصر باعتباره تاريخا موحدا رغم انقطاعه الزمني. وعندما نقف أمام شخصياته الكبرى فان ملامح رمسيس الثاني وإخناتون والمعز لدين الله الفاطمي ومحمد علي باشا وجمال عبد الناصر وغيرهم تبدو كما لو أنها حلقات تاريخية معبرة عن صخب الحياة ورونقها المتأجج على ضفاف النيل ومجراه العارم، أي مجرى الحياة وعنفوان سريانها على ملامح الوجوه المصرية النضرة ورونق عذوبتها التي وجدت منافذها الى كل قلوب العرب على امتداد قرون عديدة. بحيث تحولت مصر، بعد دمار المراكز الثقافية السياسية الكبرى للعالم العربي في دمشق وبغداد، الى "قلب العرب" النابض، ومركز العروبة، وميدان النهضة، وصوت الأنغام العذبة للسيد درويش والشيخ إمام وأم كلثوم وعبد الحليم. الأمر الذي جعلها بمعنى ما ميدان التجريب التاريخي الكبير للعالم العربي الحديث.
وليست هذه المعالم المتألقة في سماء التاريخ العربي سوى الوجه الآخر لأرض التضحيات والمعاناة الكبرى أيضا. وهي المفارقة التي تلازم بالضرورة تعايش وتصارع الأرواح والأشباح، والحياة والموت، والحق والظلم ومختلف أشكال وأصناف المتناقضات.
وها إننا نقف أمام هذا التلازم المثير للعقل والضمير الاجتماعي والوطني والقومي، عندما نتأمل بعيون لا تخلو من الغضب "فرعون" مصر الصغير الذي لا حضارة فيه، أي دكتاتور خرب هو الوجه الفعلي للأشباح والأموات والظلم. فالفرعون الحقيقي بطل تاريخي، عندما ننظر إليه بمعايير التاريخ والثقافة وليس بمعايير الصورة الدينية الفجة التي بلورتها تقاليد اليهودية المتأزمة وعقدها التي لا تنتهي. وليس مصادفة أن يكون حسني مبارك خادما وضيعا أمام اليهودية الصهيونية و"فرعونا" أمام المقابر المصرية. بحيث حوّل القاهرة (أي المدينة التي لا تقهر) الى مقبرة كبرى لأهل مصر، ومزرعة "نظرة" للصوص. وتحول هو وعائلته الى لص أكبر. وليس مصادفة أن يحصل على هذا التأييد التام (والمشروط أيضا) من جانب الصهيونية العالمية، بحيث تنبري إسرائيل لوحدها للدفاع المستميت عنه. لكنها استماتة هي عين الموت. وذلك لأنها نتاج سرقة بدأت بالأرض الفلسطينية وانتهت بفقدان الحس الإنساني وحدود النفس. وإذا كانت هذه الصفات قد لازمت اليهودية على امتداد تاريخها، فان نفوذها النسبي في مصر السادات وحسني مبارك، ليس إلا المرحلة المؤقتة التي تعكس حالة الخراب والانحطاط المادي والمعنوي للنخب "العسكرية" والحزبية التي ولدت من ثمرات الهزيمة وليس الانتصار والتحدي.
فالهزائم تصنع صنائعها، كما أنها تربي وتهذب إرادة التحدي. والأولى سريعة النمو سريعة السقوط، على عكس الثانية. فالإرادة المتماسكة هي جهاد واجتهاد ومعاناة وتضحيات كبرى للباطن والظاهر. إن صناعة الهزائم جراح وقيح، قد يكون حسني مبارك وسلطته البوليسية وأداته الحزبية الخربة، وقواته الخاصة من الفئات الرثة التي صنعها على امتداد عقود، هي الوقود السريعة الالتهاب والاحتراق. لكنها لا تنير ولا تدفئ. من هنا قوة تخريبها وسرعة زوالها. إن قوتها شأن قوة الموتى في المقابر. مثيرة لهلع الصبيان والخائفين. غير أن القاهرة التي قهرت هذه الظاهرة المرعبة للقلوب الفزعة بما في ذلك في عيش ملايينها في المقابر، قد كانت مؤهلة، بفعل جرائم السلطة نفسها، للسخرية من أشباح الموت. الأمر الذي جعلها قادرة على مواجهة حسني مبارك وسلطته البوليسية كم لو أنها تواجه أشباح الأموات التي تعودت على العيش معها وبينها!
إن أقسى وأتعس ما تواجهه الأمم في تاريخها هو أن تكون "قادتها" أمواتا! أموات الحس والضمير! والقبول به يعني القبول بالموت على انه فضيلة بحد ذاته! وهذه أشياء تتنافى مع العقل والضمير والحق ومنطق الوجود وطبيعة الأشياء. وبالتالي ليست الثورة المصرية الأخيرة تمردا على حسني مبارك و"نظامه" السياسي، بقدر ما هي ثورة على النفس من اجل تذليل الخوف من أشباح الموت المخيمة على مصر، التي جعلت من قاهرة حسني مبارك قهارة رذيلة للحق والحقوق والعدالة والفكرة الاجتماعية والوطنية والقومية.
إن التحدي الوطني العام لحسني مبارك و"نظامه" السياسي، هو تحدي اجتماعي وسياسي وروحي وأخلاقي ووطني وقومي وتاريخي للنفس والإرادة الذاتية، التي كشفت عن الأبعاد التامة للحقيقة القائلة، بان الأشباح قد لا تخلو من قدرة على إثارة الخوف الرعب والهلع، لكنها تبقى في نهاية المطاف أشباحا. ولعل المفارقة الكبرى في كل هذه الدراما الهائلة تقوم في صراع شعب أدرك للمرة الأولى بأنه يواجه شبح مقابره، وشبح يعتقد بأنه عزرائيل الرحمة وإسرائيل النقمة!!
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يسعى لتخطي صعوبات حملته الانتخابية بعد أدائه -الكارثي-


.. أوربان يجري محادثات مع بوتين بموسكو ندد بها واحتج عليها الات




.. القناةُ الثانيةَ عشْرةَ الإسرائيلية: أحد ضباط الوحدة 8200 أر


.. تعديلات حماس لتحريك المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسط




.. عبارات على جدران مركز ثقافي بريطاني في تونس تندد بالحرب الإس