الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


.. وللتحرير ميدان

إكرام يوسف

2011 / 2 / 2
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أنجزت عملي في الجريدة بسرعة حتى أستطيع اللحاق بالمعتصمين في ميدان التحرير.. وقبل خروجي إلى الشارع، بلغنا في الجريدة نبأ قيام وزيرة العمل بحشد عشرات من أعضاء النقابات العمالية التي تسيطر عليها الدولة، وشحنهم في حافلات وسيارات ـ كالبقر ـ بهدف تشكيل مظاهرات مدفوعة الأجر لتأييد الرئيس الذي شاهد العالم كله مدى رفض الشعب له.. وبلغنا أيضا أن تعليمات صدرت لصغار العاملين في أكثر من مصلحة ومؤسسة حكومية بالانضمام لهذه الحشود، وتراوحت الوعود المالية بين صرف ألف جنيه لكل منهم وما يساوي راتب خمسة شهور.
أنهيت مهمتي، وقررت النزول فإذا بحشد من بلطجية الحزب الحاكم، الذين شاهدناهم من قبل يروعون الناخبين وأنصار المعارضين، ويتصدون لتفريق المظاهرات في وسط المدينة بالعصي والسلاح الأبيض، يسدون الطريق إلى الميدان. قررت الذهاب إلى البيت حتى يبتعدون عن الطريق، وهناك شاهدت على شاشات التليفزيون وصولهم إلى الميدان وهجومهم على المعتصمين العزل.. وشاهدت أيضا راكبي الخيل والجمال ينقضون على الشباب المرابط في الميدان من ثمانية أيام. وراعني مشهد المجرمين يسحقون تحت سنابك الخيل أشرف من ولدوا من رحم مصر الطاهر؛ الذين ضربوا طوال الأسبوع الفائت أروع صور التحضر والرقي، المعبرة عن معدن هذا الشعب العريق. فطوال ثمانية أيام كاملة جابت عشرات الآلاف، ثم مئات الآلاف من المتظاهرين مدن مصر، من دون أن يقذف أحدهم حجرًا واحدًا، أو يقع حادث تحرش واحد. وعندما انسحب جهاز الأمن بعد ظهر الجمعة على نحو مريب استمر أربعة أيام، لم نسمع عن حادث طائفي أو اعتداء على كنيسة، بعدما تولى الشباب المسلمون حمايتها بأجسادهم. لم تشهد شوارع مصر انسيابا مروريا مثلما شهدته عندما تولى أبناؤنا تسيير حركة المرور. ولم أشعر بأمان في شوارع بلدي مثلما شهدته وأنا أمر على أكمنة نصبها شباب اللجان الشعبية، يطلبون مني بأدب الاطلاع على أوراقي الثبوتية، وقد يستأذنون في تفتيش حقيبة السيارة، فأسمح لهم بامتنان لحرصهم على أمن البلد وحماية المنشآت والممتلكات؛ بعد ظهور عمليات السلب والنهب المنظمة، والتي تبين في أكثر من حالة أنها تتم برعاية عناصر من جهاز الشرطة، وألقى ابناؤنا في شوارع مصر القبض على عدد من اللصوص وعندما سلموهم إلى قوات الجيش تبين أنهم من عناصر الشرطة السرية. ونشرت الصحف حالات ضبط الجيش سيارات تابعة للشرطة وبها مسروقات نهبها أفراد من وزارة حبيب العادلي، الذي تفرغ جهاز الأمن في عهده لحماية المسئولين، وملاحقة المعارضين، تاركة أمن الوطن والمواطن بلا حماية.
كنت قبلها أداعب زميلة شابة لم تنضم في حياتها إلى مظاهرة معارضة، لكنها اضطرت بحكم عملها إلى التواجد وسط المتظاهرين، ثم انتقلت إليها عدوى الحماس فانضمت إلى المعتصمين.. وبدأت تعامل نفسها على أنها مناضلة شديدة المراس.. حتى وصل بها الأمر إلى التفاخر بانتمائها إلى جيل حقق إنجازا لم نستطع أن نأتي بمثله نحن أبناء الجيل الذي في سن والديها. وكنت أمازحها قائلة إننا من رعينا النبتة التي غرسها من سبقونا وتعهدناها بالري والتسميد حتى اشتد عودها في جيلهم. وأتمادى فأقول إننا كنا نخرج إلى الشوارع أيام كان ذلك محفوفًا بالمخاطر، بينما هي تخرج مطمئنة إلى وجودها وسط عشرات الألوف، حتى أن البعض صار يصطحب معه أطفاله ليشهدوا مولد عهد جديد في مصر. . وفي ميدان التحرير قالت لي فتاة مبتهجة: "هذه هي مصر الجديدة" فأجبتها: "بل هي مصر الأصيلة.. فقد نفضت الأحداث الغبار عن وجه مصر الحقيقي، وأظهرت أجمل مافي المصريين.
ومنذ الثلاثاء العظيم في الخامس والعشرين من يناير، ومع تزايد أعداد المنضمين للانتفاضة الشعبية المصرية بعشرات الآلاف يوميا، وحتى الثلاثاء الأول من فبراير عندما تجاوزت أعداد المتواجدين المليون مصري مصرية، اختلطت مشاعر الفرح بمشهد كنت أنتظره منذ أكثر من ثلاثة عقود، بمشاعر الشفقة من ارتفاع التوقعات إلى حد قد يسبب ـ في حالة عدم تحققها لا قدر الله ـ احباطا لدى هؤلاء الفتية الذين آمنوا بوطنهم؛ وأخشى ألا يكونوا مستعدين لتحمل أي عثرة أو انتكاسة.
لم أستطع الوصول إلى الميدان؛ لكن بعضا مني كان هناك. ظللت ألاحق شاشات التليفزيون، وابتعدت عن تليفزيون بلادي للأسف؛ فمازال يحكمه أزلام النظام. وفي الأيام الماضية، كان ينقل لقطات من كورنيش النيل بعيدا عن الميدان، حتى لا تلتقط الكاميرا الأعداد الهائلة المسيطرة على الميدان. ولا أعرف كيف وصلت بجاحة مذيعيه إلى حد نفي وجود عشرات الآلاف في الميدان، ثم مئات الآلاف، ثم ما تجاوز المليون؛ بينما تنقل تليفزيونات أخرى الصورة التي لا تكذب. ورغم لجوء النظام ـ بغباء ـ إلى قطع خدمة التليفون المحمول، ثم خدمة الإنترنت، ثم وقف بعض الفضائيات؛ إلا أنه لم يتمكن من التعتيم على مايجري. فقد مضى العهد الذي كانت فيه الأنظمة الحاكمة في بلداننا تستطيع حجب حقيقة الأوضاع عن أعين وأسماع مواطنيها.
شاهدت الجرحى يتساقطون، وانخلع قلبي مع كل ضربة تلقاها شاب أمام عيني. وأدركت أن الديكتاتور لن يتورع عن قتل جميع المصريين إذا كان في ذلك تأجيلا لمصيره المحتوم. لأنه يعلم تمامًا أنه سيلاحق ويحاكم على ما اقترفته يداه، و لن يجد مكانًا يؤويه؛ مثلما رفض الجميع إيواء شاه إيران. ومع وحشية تعامل المجرمين مع أبنائنا العزل؛إلا أن الفارق كان واضحا بين متظاهرين مأجورين، خرجوا لقاء جنيهات معدودة، معظمهم سوف يستخدمها في شراء قطعة حشيش أو بضع أقراص مخدرة، وبين متظاهرين خرجوا حاملين أرواحهم على أكفهم عازمين على المضي في طريق المجد حتى نهايته. كان الاختلاف واضحا بين من يحملون في قلوبهم عشق الوطن والحياة الحرة، وبين من باعوا أنفسهم لقاء ثمن بخس. لقد وصلت رسالة أبنائنا إلى العالم كله مثلما وصلت إلى النظام: لا تحسبن صبر هذا الشعب تخاذلا وخنوعا، بل هو صبر الحليم الذي ينبغي اتقاء غضبته. وحتى إن استطعتم قمع هذه الغضبة، فسيليها غضبات لن تتوقف حتى تدفعون الثمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزتي السيدة إكرام يوسف المحترمة
ليندا كبرييل ( 2011 / 2 / 2 - 20:11 )
شكراً لك على هذا النقل الصادق لوقائع الانتفاضة المصرية المباركة . لشد ما أعجبت بإجابتك للفتاة المبتهجة في ميدان التحرير على قولها : هذه هي مصر الجديدة , بقولك الرائع : - بل هي مصر الأصيلة.. فقد نفضت الأحداث الغبار عن وجه مصر الحقيقي، وأظهرت أجمل مافي المصريين - أرجو لكم نجاحاً باهراً وإن أصبح مشكوكاً فيه أن ينزاح الديكتاتور عن عرشه . دمت بسلام

اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال