الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف العودةُ - يا عراقُ - وقعيدتُنا لَكاعِ

مديح الصادق

2011 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ ثمَّ آوي إلى بيتٍ قَعيْدَتُهُ لَكَاعِ

المتداول في مراجع نحو العربية وصرفها أن هذا بيت من أحد الشواهد المعتمدة ، وقائله الحطيئة { جرول } يهجو فيه قعيدة بيته، زوجته إذ يصفها بأنها شديدة الخبث، متناهية في الدناءة واللؤم، وهو الذي يقضي النهار يجوب الأماكن في السعي في طلب الرزق، ليعود فيجد راعية داره بالصورة التي وصفها في البيت، وهو بيت مفرد ليس له سابق، ولا لاحق

أما ما يهمنا في ذا البيت فليس الاستشهاد به في محفل لُغوي، عن ما الاسمية أو الحرفية كما تحدثنا في مقال سابق، أو عن صيغة { فَعالِ } المبنية على الكسر حين تأتي شتما للأنثى؛ بل أن ما حدا بنا لاجتلاب هذا الشاهد أن { لَكاع } تلك لم تفارق العراقيين؛ رغم طلاقهم لها بالثلاث، كأنها رُقية علقتها في جيد رضيعها عرافة، من مهده حتى اللحد، وقد شبعنا طوافا - يا لَكاعِ - حتى تقيَّأنا بعد ما أنهكنا الطواف، والحسن البصري جاب أرض { واق واق } ولندن الحديد والحجر؛ وهو يدري كل الدراية أن لاطعم أهنأ منه في العراق؛ لكن الحيلة لم تسعفه - وهو النابغ الهمام - في تطويع تلك القعيدة { اللكاع } ذِهِ التي أحالت نور الكون ظلاما في عينيه، ومن جفنه سرقت أحلام الصغار وهم يكبرون، كما تفعل بشعبنا الصابر كل ساعة عصابات، وشراذم ضاقت بها أرض الظلام، ولم نجد لها وصفا حتى في عفاريت أم الشيطان، في كتب الأولين، يقودهم السيد الأعظم، المارد المتغطرس الكبير، شيخ العماليق، عابر المحيطات والبحار، قاهر السلاطين والملوك، ذلك الذي يُجلِس الحرية عروسا في أكبر ساحاته، على أشلاء ضحياه، ومن خلفها يمد أخطبوطه فيحرق الأخضر واليابس، ويسرق الحياة من براعم آذار، يجفف الحليب في أثداء المرضعات

لماذا لا تطول فرحة اليتيم ؟ وإن أسعفه زواج أمه من جديد، لِمَ لم يذق العراقيون ما تمتع به غيرهم من حلاوة العيش الرغيد ؟ وبيادق الشطرنج يتم - قسرا - تغييرها بين الحين والحين، وفي كل مرة من كل قلوبهم، ومن لهيب حرارة المشاعر، يصفقون حتى تدمى منهم الأكف، ومنهم مَنْ ينزع من على رأسه العقل ملوحا به، راقصا، دون أن يستحي، حتى النخاع، في حضرة السلطان، والكراسي تزول، والنُغُل يغادرون مُهانين؛ وفي سماء العراق ما من نجم يلوح مبشرا بفجر جديد، وليس سوى الوجوه تغيرت، والثياب، والرايات، والجدران تُطلى كل مرة، والحدائق، والساحات، ليُكتب عليها، بنفس الريشة، نفس الألوان، وذات الخطاطين، ما يناسب العفاريت من شعارات شوهت ذلك الوجه الصبوح، لأم الحضارة، سيدة العواصم في الدنيا، بغداد، وإلى خردة يحال ما أبدعه خيرة الفنانين، والمتنبي يكسوه الرعاع بالسواد مثل ما في دواخلهم من أحقاد على الجمال، والأنغام العذبة تُستبدل بتراتيل حزن، ومراثٍ لا تناسب مكانة، ودور الرجل التأريخي الذي باسمه يُتاجرون، وهو العظيم الذي ترفع عن تلك القشور، واختار الموت؛ بل الشهادة، من أجل أن يبقى مثلا، درسا للثبات على الحق، به تستهدي الأجيال

لقد مللنا من التطويف - يا جرول - وقلوبنا تخفق، أنظارنا ترنو لأن نعود إلى الدار، دار لم نجد - رغم تطويفنا في شعاب الأرض - خيرا منها في كل ما شيد الإنسان على أرض الله، وإن كان بونا شاسعا ما بين سعيك للبحث عن صيد أنسي أو وحشي، وانسلاخنا عن جذورنا تحت ضرب السياط، وسطوة الجلاد، وأمرنا ليس كأمرك، إذ ليس له في هذه الدنيا من مثيل حتى غدونا لا نميز من هو الضحية، ومن هو الجلاد، فالذين كانوا مثلنا ضحايا أمسِ قد أمسكوا بكل ما أوتوا من قوة بالزمام - واهمين بأنهم فعلا كما تخيلوا ظلال الله على الأرض - وبه تشبثوا ضاحكين على لحى الذين بالحبر الأسود صبغوا السبابات، واهتزت لهم الأعاجيز، حالمين بالفجر الجديد، ومَن كان يعلم أن في غفلة تشهر الضحية سيف جلادها كي تحز به رقاب أخوة مع دمائهم اختلطت الدماء؟ تلك الدماء التي خط بها أناشيد النضال على حوائط الزنزانات قوافل الشهداء، كان أحمر لونها جميعا تلك الدماء، ولم يميز الطغاة وقتها أللمسلمين، أم للمسيحيين، أم للصابئة المندائيين، أم للأيزيديين تعود ؟ فكلها كانت أوسمة للشعب، على اختلاف أطيافه، ولطخة عار بوجه السفاحين، ولم يصرخ دم الشهيد أنه من العروبة أم من الكرد، أم من التركمان، أو الكلدو آشوريين، لونه واحدا كان، وصوته واحدا كان، للشيوعي، والدعوتي، والديمقراطي : لا للظلم، لا للتعسف، لا للطغيان
بأي حق - يا أخوة - تسرقون البسمة من ثغور الأطفال، ومن حديقة الأمة تنزعون لونه، الورد الجميل ؟ من خولكم ذلك ؟ أهو الرب الذي تعبدون، ولوائح لكم نسبتموها تتاجرون ؟ أم أن الحراب - التي استقدمتموها من جيرانكم - المولعين بحبكم حتى القشر - منقوش عليها أن اذبحوا كل ابن أنثى لا يرتدي السواد ؟ وتغلقون النوافذ بالأحجار كيلا يتسرب منها النور؛ فيقتل الدمامل والطفيليات، من ذا الذي سلطكم تتقاسمون لقمة الفقراء المساكين ؟ وفي وضح النهار تسرقون ثروات البلاد، وفي كل ساعة يُكتشف ممن نصبتم، وباركتم من الوزراء، أو المسؤولين لص كبير؛ فلا يكون منكم له جزاء سوى العفو والتكريم؛ فيستمر في حكمكم مسلسل النهب والسلب بلا رادع، أو رقيب - هذا إن أسعف الحظ بأن يفلت من عقابكم الرقيب - ولم يقطع رأسه أو اللسان

لقد بالغ المؤرخون كثيرا بادعائهم أن هولاكو زرع الأرض بالعلماء والكتاب والشعراء، وأسماك دجلة ماتت لشربها الدماء والأحبار، أما ما تفعلون اليوم، وفي كل يوم، فقد أثبت أن هولاكو لم يجئ بالأمس؛ بل هو أنتم بالدم والشحم، لقد بان الجوهر المكنون، قتل وتشريد لخيرة العقول والمبدعين، علماء، فنانين، مثقفين، سياسيين لا يروق لكم ما به يُنظِّرون، أطباء واختصاصيين، المسرح صادرتم، ذلك الذي عده المعلم الأول رديفا للخبز في تنوير الشعوب، تحشون المسامع رصاصا لئلا تنصت ألحانا تبعث في النفس الطيبة والحب والإبداع، لِمَ قطعتم أوتاره زرياب ؟ ومسعودة شوهتم مواويلها، وأحرقتم آلهة الجمال، قصائد الجواهري استبدلتموها بالشتائم التي تقشعر لها الأبدان، جواد ذبحتموه؛ فأغلقتم القيد الذي مزقه شعب يستحي أن يحكمه رعاع لا رأس لهم، أو بلا رأس هو الذي يدفع صبيانه ليعبثوا في بيت الثقافة والآداب، روح الشعب، وماؤه، والهواء، اتحاد الأدباء - حين مزق دواوينه المأجورون - لم يسمع صراخه، أو استغاثة منه رئيس دولة مشغول بهمٍّ كبير، فحجم كرسيه يُزاد طولا وبالعرض كل يوم، ولا رأسٌ للحكومة جندي مطيع لمرؤوسيه، تلميذ شاطر لأسياد نصَّبوه، وتلك كانت حكمتهم وليس له فيها من رأي سوى التنفيذ؛ فأكرم به وأنعم، قعيدة الدار التي لأجلها نعود، وكيف العود - يا حطيئة - والقعيدة في العراق ما زالت لَكاعِ ؟


نسخة منه : إلى سيادة رئيس جمهورية العراق
إلى معالي رئيس وزراء جمهورية العراق
إلى شعب العراق الصابر على التعسف والظلم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية لك أيها الكاتب المبدع
خالد ياسر الحيدر ( 2011 / 2 / 3 - 03:01 )
مقالة جميلة ذات معاني شريفة سامية محبوكة بقوة جداً وبأدب رفيع المستوى يحمل بلاغة الشاعر المبدع، تمتعت بقراءتها خصوصاً عند نهايها المفيدة والرائعة والمعبرة بمرارة عن واقع شعبنا العراقي الصابرالجريح، وقد وجدت عنوانيّ المقالة موفقة ومترابطة مع بعضهما جداً وذات مغزى وهدف نبيل
عسى أن يقرأها مَن وِجِهَتْ لهم هذه الرسالة وزبانيتهم بسماع آراء المثقفين ويتعظوا بها وبما يجري من عصف وغضب بالمنطقة؟!!!!؟
تحية لك أيها الكاتب والأديب المبدع


2 - المثقفون الملتزمون هم كلمة الفصل
مديح الصادق ( 2011 / 2 / 3 - 03:13 )
شكرا لك مثقفا متنورا دائما عزيزنا الدكتور خالد ياسر الحيدر، فذلك ما يجدد الآمال في نفوسنا بأن شعبا يختزن هذا الكم من المثقفين المتنورين لا خوف عليه مما يخطط له في الظلام خفافيش ستهرب مع أول خيط للنور، وهذا قريب، وليس على العراقيين بمحال، وسوف ينتصب من جديد نصب الحرية في كل الساحات


3 - عجبي! هل يصبح مظلوم الامس ظالما في هذه الايام
الدكتور جبار ياسر الحيدر ( 2011 / 2 / 3 - 04:49 )
احسنت ايها الاستاذ مديح الصادق ... سلمت لسانا وقلما انها مقالة رائعة ... لماذا يتغنون بشعار انتفاضة الياسمين واللوتس في تونس ومصر ( اذا الشعب يوما اراد الحياة ... ) ولكنهم يتناسونها في العراق ؟ وهم يعلمون ان التاريخ لا يرحم ، فالاكثرية المغرر بها والتي يحكمون باسمها ويتبجحون بها ستكون اقلية في يوم ما، والديمقراطية التي يدعونها الان هي دكتاتورية الاكثرية على اسس طائفية وعنصرية ... فلا ديمقراطية بدون احترام وضمان حقوق الاقليات وخاصة في بلد شعبه متعدد الاطياف والتي تشكل موزائيكا جميلا مثل الشعب العراقي ومنذ آلاف السنين .؟ لقد تقاسموا الضراء جنبا الى جنب مع كافة المكونات في كل العهود فلماذا سلبتم افراحهم وبهجتهم بعد الانعتاق ومنحتوهم الخراب والدمار والتشريد ؟


4 - ستنكشف الحقيقة عاجلا
مديح الصادق ( 2011 / 2 / 4 - 03:34 )
تحية عطرة لك دكتور جبار الحيدرالمحترم، ولكل المفكرين الذين يحللون المشهد القائم حاليا في العراق وفقا لطبيعته الطائفية العنصرية المقيتة التي لم يعرف لها شعبنا مثيلا حتى في أحلك الظروف، وفي ظل الأنظمة الفاسدة أيضا، إذ كان التلاحم والتوافق في النضال ضد الدكتاتورية ومفاسدها أقوى آصرة أحرقت الفوارق الدينية والقومية، وقفزت فوق المصالح الضيقة التي نراها شعارا للدولة الآن وللقائمين عليها، سيسقط حتما القناع وترى الجماهير المخدوعة الحقيقة التي يطمسها المتسلطون وفقا لمصالحهم ومفاسدهم، بورك كل جهد لفضح الزيف والخداع


5 - استاذي الفاضل
جلال جميل ثامر ( 2011 / 2 / 4 - 08:02 )
الاستاذ الفاضل
انني أمام قصيدة رائعة رتبت احرفها كأنسيابية الدم مع نبض القلب أنه الوطن أه أه وطن جريح . مقال أنه بلسم للمتألمين هل نعتذر من هولاكو لاننا نحن نذبح كل اليوم العلم والعلماء باسم السياسة والدين
لاأدري باسم الديمقراطية صرنا نتراجع وهل تغيرت معاني الكلمات من القواميس هل نحتاج الى مفسر بعد ما تاها منا الخيال المبين
شكرا لك يا سيدي اشفيت جرحي بمقالك الرصين


6 - لابد من ثورة
إبراهيم برخو ( 2011 / 2 / 4 - 14:30 )
إن الوقوف عند حيثيات المشهد العراقي سوف نرى الظلمة في كل الزوايا, الفساد,الديمقراطية الزائفة, المحاصصة بين الأحزاب العلمانية وتحت سيطرة الأسلام السياسي,أهل العمائم ويصولون يجولون في كل مرافق الدولة وبفتاويهم الخاوية لتدمير كل ما من شأنه في خدمة أهل العراق,فكيف نعود ياأستاذ مديح وقعيدتنا جلال,ومسعود,مالكي,,وسيستاني,ويعقوبي- ن,ونجفي-ن, وهلم جرا كل الأسماء النكرة لقد ذاق الشعب مرا على يد هؤلاء الطغاة, الم تحن الساعة لثورة تقتلعهم من شر أعمالهم لينعم الشعب كله ونعود الى العراق بغير وجود القعيدة.
عاش قلمك الحر يا صاحبي وأنها رسالة للطغاة بأن ديمقراطيتهم المثقوبة لن تحميهم من يوم الغضب.


7 - اعجاب
هيثم الصباحي ( 2011 / 2 / 4 - 16:29 )
الاستاذ الفاضل والكاتب المبدع والفنان الرائع
تحية تقدير لهذا الابداع ... أمتعتنا وامتعت القراء ببلاغتك وقدرتك بايصال الألم ونقله بكل تلقائيه وسلاسة ... العراق .. عراقك .. مازال بخير ...


8 - لا بد أن يستجيب القدر
مديح الصادق ( 2011 / 2 / 4 - 23:29 )
أعزائي، أساتذتي،جلال، إبراهيم، هيثم، وكل المتابعين المتنورين
إنها رسالة تحذير، أن كفى مجاملات على حساب مصلحة شعب يقتل ويدمر كإنسان، وتسرق ثرواته باسم القومية والدين، على كل مثقف شريف أن يشهر سيفه، قلمه، ويطلقها صرخة في وجوه الدجالين بأن شعبا قدم آلاف الشهداء لم ولن ينحني لجوقة من الانتهازيين والوصوليين، وما هي إلا صيحة وتخر الهياكل الخاوية، فهم ليسوا إلا سحائب صيف تغور مع ريح الشمال

اخر الافلام

.. لا اتفاق بين زعماء دول الاتحاد الأوروبي على تقاسم المناصب ال


.. ما موقف الأحزاب الفرنسية ومقترحاتهم من الهجرة في حملاتهم الا




.. لتطبيع العلاقات.. اجتماع تركي سوري في قاعدة روسية| #الظهيرة


.. حارس بايدن الشخصي يتعرض للسرقة تحت تهديد السلاح




.. وول ستريت جورنال: لا وقت للعبث بينما يحرق حزب الله شمال إسرا