الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطن العربي يفتح باب التغير

معتز حيسو

2011 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن يخطر في مخيلة أحدنا بأن حرق محمد بوعزيزي لنفسه احتجاجاً على واقعه السياسي والاقتصادي، وتحديداً نتيجة للبطالة والفقر و تدهور مستوى المعاشي في سياق استمرار تدني الأجور وارتفاع الأسعار والتضخم ..، والذي ارتبط مع ثأره لكرامته المهدورة وفقاً للمقياس الاجتماعي السائد، سوف تتحول إلى ظاهرة ثورية تجتاح معظم الدول العربية. لكن ما جرى في تونس عقب إحراق البوعزيزي لذاته لم يرتبط بهذا الفعل بحد ذاته ولم يكن بذات اللحظة نتيجة له فقط، بل كان الشرارة التي ألهبت المجتمع التونسي القابع على بركان من التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة للممارسة السياسية الاستبدادية للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. أي إن المجتمع التونسي وصل إلى درجة من تراكم التناقضات والاحتقان الاجتماعي لم يعد بعدها يحتمل الخضوع لسياسات القمع السياسي والاضطهاد والاستغلال،فكان استشهاد محمد بوعزيزي المحرك الفعلي في استنهاض الوعي الاجتماعي ضد الظلم والاستغلال... ولم يكن هذا التحوّل إبن لحظته بل نتيجة لتراكم قهر وحرمان عمره من عمر النظام السياسي الاستبدادي الذي تحكم برقاب الناس. أي إن تراكم القمع السياسي والفقر تحوّل لتغيّر نوعي وموضوعي لحظة إحراق محمد البوعزيزي لذاته. وفي هذا السياق ندلل بأن المواطن التونسي قد تحول إحساسه بالقمع والاستلاب والاغتراب ...في هذه اللحظة إلى وعي مصالحه من منظور طبقي، وأدراك دوره المحوري في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي، والفارق بين الإحساس والشعور بالفقر، وبين الوعي الطبقي فارق كبير وشاسع. أي إن بقاء تفكير الإنسان في دائرة الإحساس يبقيه في حقل الثقافة السائدة التي تعمل السلطات السياسية السائدة بطابعها الاستبدادي والاحتكاري على ترسيخها وتكريسها اجتماعياً، كونها تمثل شكلاً ونمطاً لاستمرار سيطرتها السياسية،بذات اللحظة التي تبقي من خلالها مواطنيها في دائرة الاهتمام بمخارج من الإشكاليات والتناقضات الاجتماعية السائدة والعامة وفق أشكال وآليات ذاتية وفردية، قد يكون التكيف مع ما هو سائد والرضوخ له أحد الأشكال السائدة. وعلى هذا الأساس نرى بأن تحول الإحساس بالفقر والبطالة .. إلى وعي سياسي مرتبط بوعي وإدراك مخاطر الفساد وأسبابه والاستغلال والقمع السياسي المعمم .. أدى و سيؤدي بالتأكيد إلى وعي سياسي مجتمعي يقود إلى أشكال متنوعة من الاحتجاجات السياسية والمدنية تكون مدخلاً إلى ثورة اجتماعية وسياسية في لحظة اكتمال ونضوج عوامل المناخ الثوري الذي يتحدد بتراكب أزمة سياسية واقتصادية للنظام السياسي المسيطر مع نهوض اجتماعي قد لا يحتاج إلى قوى سياسية، وهذا ما شاهدناه في الثورة التونسية.وإذا غابت القوى السياسية عن بدايات التحركات الاجتماعية فإن دورها في تعميق وتطوير وتجذير هذه التحركات في سياقها الحركي ضروري، لهذا يمكننا التأكيد بأن لحظة نهوض المجتمع للتعبير عن ذاته لذاته وبذاته ارتبطت بإدراك الفئات الاجتماعية المسحوقة لدورها الثوري في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي طبقياً.
إذاً في هكذا لحظة لا ينفع استنساخ ظاهرة فردية كانت سبباً في تحول سياسي واجتماعي في دولة ما، لتكون سبباً لتحركات اجتماعية في دول أخرى. والسبب كما أسلفنا يكون في عدم تحول الإحساس بالفقر والقمع وغياب المشاركة السياسية المعارضة إلى وعي بالذات وللذات، أي عدم تحوّل إحساس الإنسان إلى وعي طبقي لذاته ولمصالحه ولموقعه، إضافة إلى أن لكل مجتمع ولكل حركة اجتماعية خصوصية لا تتماثل بها مع تجارب أخرى.
لقد بات واضحاً بأن المجتمعات العربية تعاني من سياسة إفقار عام نتيجة لجملة من العوامل: فشل أو عجز الحكومات العربية عن إنجاز مشروع تنموي أو احتجازه بفعل عوامل خارجية. تكريس أشكال مشوه من العلاقات الاقتصادية،الطابع الاستبدادي الاحتكاري والاحتوائي لتركيبة السلطة السياسية المسيطرة، نهب الموارد الوطنية من قبل رموز السلطة وتحويلها لثروات شخصية،وذات الرموز مع بطانتهم يتحكمون في تحديد السياسات الاقتصادية بما يتناسب مع مصالحهم الشخصية،سوء توزيع الثروة، تكريس سياسية الإفقار و الإفساد، .. ويتوج ما ذكرناه مع سيادة القمع السياسي الذي يتجلى بحرمان الإنسان من إحساسه بكونه مواطناً يجب أن يتمتع بحقوق مشروعة أولها حرية التعبير و المشاركة السياسية والمدنية وحقه في التعليم والعمل والحياة الكريمة المستقرة مادياً واجتماعياً ..
لكن رغم نشر ثقافة الفساد وفق آليات مدروسة على كافة المستويات وبكافة الأشكال وترسيخ الاستبداد السياسي، فإن لغة الخطاب والمطالب الجماهيرية في سياق ثوراتها الاجتماعية تتجلى بكونها لغة سياسية ذات طابع وطني ديمقراطي، وهذا يدلل على وعي وثقافة اجتماعيين يتجاوزان ما كانت النظم السياسية تحاول تكريسه، وهذه التجليات خالفت جميع التوقعات التي كانت ترجح بأن التحولات الاجتماعية الميدانية ستكون محكومة بعقل وآليات تفكير طائفي مذهبي إثني عشائري جهوي .... أي ستكون في سياق الممارسة السياسية، تجليات لهذا العقل وتكريساً لآلياته. وقد أثبت المواطن العربي في شكل ومحتوى مطالبه الاجتماعية والسياسية في التحركات الميدانية في تونس ومصر والجزائر واليمن والأردن ... على درجة عالية من الوعي، وهذا يؤكد فشل النظم السياسية الاستبدادية الاحتكارية في ترسيخ وعي الطائفية السياسية والمذهبية والعشائرية والجهوية والعائلية .. مما يعني بأن لغة التخويف التي كانت تمارسها هذه النظم من أن شكل التحولات والتغيّرات السياسية والاجتماعية المحتملة ستكرس الفوضى وأشكالاً اجتماعية وسياسية دون وطنية، أي أن التغيرات المحتملة ستمكن السلفية والأصولية الطائفية من السيطرة على المجتمع، وهنا تكون هذه النظم قد فشلت مرتين: الأولى بأن من بادر بالتحركات الميدانية التي تحولت إلى بدايات ثورة اجتماعية هو المواطن المقموع والمستغل والمفقر .. وبعيداً عن كل القوى السياسية وخطاباتها. الثانية : كانت لغة المحتجين ومطالبهم بعيدة كل البعد عن أي لغة طائفية أو مذهبية ،وحتى أنها لم تحمل مهمات قومية ... بل كانت أشكال التحركات الجماهيرية السلمية، تعبيراً عن هموم المواطن بلغة وطنية وديمقراطية مسؤولة من جهة دعوتها للتغيير السلمي الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، وإن مظاهر التخريب والتطاول على الملكيات العامة والخاصة كانت ترسم من قبل أجهزة الأمن ليتسنى لهم إرهاب وقمع التحركات الميدانية بشكل أكبر وأعم،وتكريس فكرة أنهم حماة الاستقرار. وشتان ما بين استقرار يقوم على القمع والاستبداد والإفقار، و استقرار يقوم على الديمقراطية السياسية والعدالة والمساواة.
ويجب أن ننوه في هذا السياق بأن الشباب العربي الذي كانت توجه له صفة الميوعة وعدم المبالاة قد أثبت للعالم بأنه على درجة عالية من التفكير والالتزام بقضاياه الوطنية، وقد تجلى هذا من خلال اندفاعه للدفاع عن قضاياه الأساسية والمصالح العامة. وقد بات مؤكداً بأن التجربة التونسية كانت وستكون درساً بليغاً لكافة المجتمعات العربية المضطهدة، وللنظم السياسية العربية التي حكمت بلغة القمع والتخويف والإرهاب والتجويع.. وتداعيات التجربة التونسية على المجتمعات العربية باتت جلية للعيان، إذ نشهد نهوضاً ثورياً بات يشكل مصدراً لقلق الزعماء العرب الممسكين بزمام مناصبهم بالقوة العسكرية والأمنية. وبما أننا نرجح إمكانية انتقال التحركات الثورية إلى باقي مدن وعواصم العالم العربي، وتحديداً في حال انتصار الشعب المصري الثائر في تحقيق أهدافه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإننا نتخوف من استخدام النظم العربية العسكرية للجيش في قمع التحركات الاجتماعية المحتملة، أو توظيف التعدد المذهبي والإثني والعرقي لزرع الخوف في القاع الاجتماعي من خطورة اندلاع فتن طائفية،و قد يكون لهذه النظم دوراً في تحريك هذه النزعات للحفاظ على استمرار سيطرتها السياسية ،ولتبرير استخدامها للقوة الأمنية في لحظة التحولات الاجتماعية،الناجمة عن الاستغلال والقمع والنهب لثروات الوطنية ... وبطبيعة حال فإن استخدام القوة الأمنية والعسكرية.. لن تجلب على المواطن العربي إلا مزيداً من الكوارث الاجتماعية .
ولعلمنا بعجز النظم العربية عن القيام طواعية بتغيير سياساتها الراهنة بشكل ديمقراطي وسلمي، ولعلمنا أيضاً بإمكانية استخدام القوة الأمنية والعسكرية والفتن الطائفية والعشائرية كون بعضها تأسس على المنطق الطائفي وكرّس التقسيمات والكانتونات العشائرية والجهوية، ولإدراك هذه النظم بأن التحول الديمقراطي سيفقدها السيطرة على مقاليد سلطتها السياسية،و لعلمنا أيضاً بأنها نظماً سياسية غير شرعية لما تمارسه من تزوير وتوريث..إضافة لما تلحقه من عسف واضطهاد بمجتمعاتها. لذا ونظراً أيضاً لعجزها عن إنجاز تحولات ديمقراطية واجتماعية تؤسس لعدالة اجتماعية وتشاركية سياسية تقوم على تعددية سياسية حقيقية وعلى التداول السلمي للسلطة،إضافة لكونها تعلم بأنه لن يكون لها وجود في ظل مناخ سياسي ديمقراطي في بعديه السياسي والاجتماعي، (هذا إذا لم يقدم رموز وقادة هذه النظم إلى المحاكم لما ارتكبوه من مجازر بحق شعوبهم) فقد بات واضحاً بأن المجتمعات العربية في المرحلة الراهنة، ستشهد تحولات سياسية واجتماعية متسارعة، أي أننا سنشهد في المدى المنظور تحولات مهمة على الخارطة الجيوسياسية والاجتماعية العربية، وعلى هذا الأساس فقد بات جلياً ضرورة أن تسارع القوى السياسية إلى التحرك الجدي للتعبير عن المهمات المرحلية لمجتمعاتها، وإلا فإن التاريخ لن يرحمها، وتقاعسها يعني بأن المجتمع سوف يطلق عليها رصاصة الرحمة، ونعلم بأن المجتمعات الإنسانية قادرة في لحظات التحول الكبرى والفاصلة على إنتاج من يعبّر عنها وعن مصالحها .وأخيراً ننوه بأن النظام العربي يتقاطع في سياق سياساته الاستبدادية القمعية والشمولية التي تمنع أي نشاط أو حراك ديمقراطي وعلماني، وتقف ضد إرادة المواطن العربي بمواجهة أي تحول ديمقراطي، مع المشروع الأمريكي الذي يؤسس إلى تفكيك وتفتيت وتقسيم .. المجتمعات العربية إلى كانتونات طائفية وعرقية وإثنية وعشائرية ....
***************************************************************************************








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران