الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق النقد

سعد محمد رحيم

2011 / 2 / 3
الادب والفن


هل يعاني النقد الأدبي في العراق، اليوم، من مأزق؟ سأتجرأ وأقول؛ نعم. ووجوه هذا المأزق متعددة. ولنبدأ من شكوى مبدعينا العراقيين، أو جلّهم، لاسيما من الأجيال الشابة، من إجحاف النقد وإهماله لنتاجاتهم الشعرية والسردية. فهُم يطلقون أحياناً تصريحات تنعي النقد الأدبي في العراق وتتهم النقاد بالانغماس المفرط في التنظير، أو التعالي على نصوصهم وإطلاق الأحكام الظالمة بحقها. أو الاحتفاء بالنص العربي والأجنبي وليس العراقي.. وأعتقد أن في هذه الادّعاءات بعض الحق، لا كله. فأولاً يجب أن نعترف أن ثمة نقاداً عراقيين كبار دأبوا على قراءة وتحليل وتقويم النصوص العراقية منذ أربعينيات القرن الماضي على الأقل، وخرجوا بدراسات هامة تعد اليوم مراجع في حقل النقد الأدبي. وقد تكرست، لاسيما منذ الستينيات، تقاليد حقل نقدي عراقي، متنوع المصادر والمناهج والاتجاهات أرساها نخبة من النقاد الأكاديميين وغيرهم، منهم الراحل الدكتور علي جواد الطاهر، والراحل الدكتور عبد الإله احمد، والدكتور شجاع العاني، وياسين النصير، وفاضل ثامر وباسم عبد الحميد حمودي، وآخرين غيرهم. وحتى الثمانينيات من القرن المنصرم كان ثمة نقاد يظهرون مع كل جيل أدبي إبداعي جديد. لكن منجز المبدعين العراقيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة لم تخضع لدراسات علمية جادة وشاملة إلاّ باستثناءات نادرة، وأغلبها قام بها نقاد من الجيل السابق وهؤلاء، حتى هذا اليوم، ما زالوا يراجعون المنجز الشعري والقصصي والروائي لجيلهم، أكثر من التفاتهم لمنجز الأجيال الشابة. في حين غادر بعض النقاد الموهوبين ( الدكتور عبد الله إبراهيم وسعيد الغانمي، مثلاً ) حقلهم إلى حقول فكرية ومعرفية مجاورة أو بعيدة.
وخلال العقدين الأخيرين، لم يظهر جيل جديد من النقاد في العراق.. برزت أسماء قليلة لم تشكل ظاهرة أو مدرسة أو تياراً مؤثراً على حركة الإبداع. على الرغم من وجود أسماء لها منجزها المتفرد، وبعضهم بدأ منذ الثمانينيات. لكن المؤسف أن هناك من خنق إمكاناته بالتنظير، وبطبيعة الحال لم يضف شيئاً ذا بال إلى المناهج والنظريات المعدّة من قبل نقاد عالميين كبار، فكرر بطريقة مبتسرة ومخلّة ما قاله أولئك المنظِّرون.
بالمقابل مارس كثر من الشعراء والقصاصين والروائيين الكتابة النقدية في الصحافة، وفي الغالب نجد أن النقد الانطباعي والمراجعات السريعة طغى عندهم على النقد المنهجي. وقد سدّت كتاباتهم تلك بعض الفراغ الذي كان يجب أن يملؤه النقاد المختصون.
فضلاً عن ذلك نستطيع تأشير نقاط ضعف كثيرة في طبيعة بعض الكتابات النقدية. ففي سبيل المثال، يفتقر بعض ممن يُحسبون على النقد للحساسية النقدية الحقيقية والمرهفة.. ويمكن تلمس ذلك من خلال احتفائهم بنصوص ضعيفة في لغتها ومختلة في بنائها وتفتقد الأسلوب المميز. أو محاولة استثمار مصطلحات من مناهج نقدية حديثة لم يستوعبوا ماهيتها وحدود وآليات اشتغالها، فتجيء استثمارهم لها شاحبة وعقيمة. وقد شكل هذا عبئاً على الحياة الأدبية، بدل أن يكون عامل إنعاش لها ونماء.
الغريب أن النتاج النقدي العراقي نفسه يعاني من التهميش والإهمال. والكتب النقدية، في أحايين كثيرة، لا تحظى بأية مراجعة أو قراءة حتى ليبدو وكأن نقادنا لا يقرأون لبعضهم بعضاً.
وثمة من أدبائنا من لا يقلِّبون أي كتاب نقدي، ويعدّون ذلك مضيعة للوقت. ولا يقرؤون سوى تلك المقالات التي تتحدث عن أعمالهم. وفي النهاية تذهب جهود نقاد عراقيين جادين سدى على الرغم مما ينطوي عليها، قسم غير قليل من كتبهم ومقالاتهم، من قيمة معرفية ونقدية وإبداعية عالية.. ألا يؤشر هذا كله حالة مأزق وأزمة في فضائنا الثقافي والإبداعي؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أين كنتَ مختبئاً أخي سعد ؟
الحكيم البابلي ( 2011 / 2 / 3 - 21:18 )
الأخ المحترم سعد محمد رحيم
هناك ما يُقارب المائة مقال تُنشر يومياً على صفحة موقع الحوار المتمدن
لِذا لا يمكن لأي قارئ تصفحها جميعاً أو حتى معرفة كل الكتاب
طبعاً هذا ليس مبرراً كافياً لعدم معرفتي بك وبنوع كتاباتك ، فأنا المقصر ، وكان يُفترض بيَ التعرف عليك من خلال مقالاتك الرائعة منذ زمن بعيد ، المعذرة لذلك ، وسأقرأ لك من الأن ودائماً
أذهلتني دقة أفكارك عزيزي سعد ، والذي أعجبني أكثر ، هو أن اغلب مواضيعك سبق لي أن فكرتُ بها وبطريقة عميقة ، لكنني لم أفكر يوماً في كتابتها ، ربما لأن كتابات من نوع آخر فرضت عليَ نفسها
في الساعة الأخيرة قبل كتابة هذا التعليق ، قرأتُ لك : كتب قديمة مستعملة ، العراق ومعضلة الهوية ، عن أدب اليوميات ، عن - أمكنة تدعى نحنُ - ، الكتابة عن المكان العراقي
ولا تتصور أخي كم كنتُ فرحاً بكتاباتك هذه ، وسأقرأ بقية مقالاتك خلال اليومين القادمين ، وأكرر .. عجيبٌ جداً نوعية توارد الخواطر بيننا ، كنتُ أقرأ لك وكأنني صاحب المقال ، وأود تهنئتك لأنك إنسان متمكن في فكرك واسلوبك ولغتك ، وتكتب بصورة سلسة جداً تطرق باب أي فكر وتدخله بلا إستئذان
تحياتي ومودتي


2 - يمكن إضافة ملاحظتين أخريتين
د. ماجد الحيدر ( 2011 / 2 / 3 - 22:26 )
أخي العزيز الاستاذ سعد
كعادتك قلتَ الكثير في أسطر قلائل وأوجزت الحالة الراهنة للنقد الأدبي العراقي
أعتقد أن بإمكاني -لو سمحت- أن أضيف ملاحظتين: الأولى الغياب شبه الكامل للنقد الأكاديمي (الجامعي) للمنجز الأدبي للأجيال الجديدة باستثناء بعض الحالات االفردية لجميلة التي لا بد من الإشادة بها: الكثير من الأساتذة في كليات الآداب واللغات لا يقرؤون يا عزيزي!
الملاحظة الثانية هي غلبة روح المجاملات ورد الجميل في الكتابات والعروض المنشورة في الصحافة اليومية على وجه الخصوص وهذا ناتج عن الاستسهال في الكتابة والنشر...
محبتي واعتزازي


3 - أوافقك صديقي ماجد
سعد محمد رحيم ( 2011 / 2 / 7 - 15:09 )
صحيح ما تقوله، وقطعا كانت ثمة أفكار أخرى في ذهني إلا أن حدود الأعمدة التي أكتبها في ملحق أفكار تفرض عليّ الاختزال والتركيز على نقاط معينة وهذه المقالة هي عمود في الملحق.. الحقيقة سبق وأن كتبت عن نقد المجاملات وقصور النقد الأكاديمي في مقالات سابقة.. أشكر اهتمامك
دمت لي أخا ومبدعا


4 - شكراً أخي الحكيم البابلي
سعد محمد رحيم ( 2011 / 2 / 7 - 15:15 )
أفرحني تعليقك.. وشرف لي أن تقرأ لي راجياً أن أستحق بعض ما كتبت عني.. وحتما أن الحوار وتواصل الأفكار وتعزيز النقد هو ما يمكن أن يُخصب مجالنا الثقافي
شكرا لك أخي الحكيم البابلي

اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي