الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتفاضة الشرق المتاْخرة

سرحان الركابي

2011 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


ليست بنا حاجة للتوغل بعيدا في اعماق التاريخ واستعراض حالات التصادم والاحتكاك بين الشرق والغرب , لكن يكفي ان نعلم ان لحظات التصادم والاحتكاك والتلامس والتلاقي بين عالمين مختلفين تماما , عالمي الشرق والغرب , هو بمثابة تلاقي بين عالمي اللوكوس والميثوس , علاقة تلاقي بين العقل والاسطورة , وقد افلح هذا التلاقي او التصادم في اشعال الشرارة الواهنة التي قدحت في قناديل الشرق الذاوية والمطفئة منذ قرون , منذ ان مارس الشرق لعبة القمع واغتيال العقل الذي كاد ان ينفلت من زمام السيطرة في القرون الاسلامية الثلاثة الاولى , وكاد ان يمارس فعالية الانزياح مع الزمن التي تشكل الركيزة الاولى من ركائز رحلة العقل الطويلة والشاقة , وعلامة من علامات انتصاره وهو يخوض مغامراته في الطبيعة ويكتشف اسرارها بمحض قدراته وارادته , دون وصاية من احد
قمع الشرق كل انظمة الفكر والمعرفة , ولاحق كل العقول واخضع فعالياتها الذهنية لنظام رقابي صارم , فيما اطلق العنان لنظامه الغيبي اللاهوتي ليعشعش في العقول والنفوس والضمائر , وما كانت المعرفة في منظاره سوى تكرار وتلقين لمعلومات رددها السلف وحفظها الخلف , ثم يعيد تكرارها وانتاجها حتى تكلست وتكلست معها العقول والنفوس , ولم تعد تفرق بين العلم والغيب , بين الواقع والوهم , بين الحقيقة والاسطورة ,
و الى اليوم لم يخرج العقل الشرقي من تلك الشرنقة التي وضع ذاته بين جدرانها , حتى وهو في اوج غليانه وثورته ضد نظامه المعرفي , الذي كبل نفسه فيه ومن اجله , فاضحت ثوراته تخبطا وتناقضا لانه عندما يثور ضد الاخر الذي يعتقد انه منفصل عنه , فهو لا يثور الا ضد ذاته حيث الاخر الذي يظن انه منفصل ماهو الا الوجه الاخر للذات , التي لم تعي حقيقة وجودها بعد , وماهية دورها ,في ظل غياب فردية الفرد وانصهاره في روح وثقافة القطيع , وغياب ملامح ثقافة تفسح للفرد مكانا يعي حقيقة وجوده وفاعليته الاجتماعية والسياسية

, غليان العقل الشرقي اليوم ليس ثورة حقيقية ضد انظمته المعرفية وبناه الفكرية التي اسست لكل انظمة القمع والاستبداد التي تهيمن بشكل مطلق على كل فعاليات العقل ونشاطاته , بل هي ثورة مجتزئة لانها مازلت الى اليوم لا تعي مخاطر الوقوع في نفس الدوامة من الاستبداد والعودة الى نقطة الصفر , حيث يعيد التاريخ دورته ويعيد العقل الشرقي استنساخ تجاربه دون الاستفادة منها , بانتزاع شرعية نظام لا شرعي ووضع نظام بديل , لا يلبث ان يؤسسس لشرعية جديدة لكنها تنتهج نفس الطريق وتسلك نفس السلوك , ما يعني الخروج من هيمنة نظام دكتاتوري والوقوع في ظل نظام دكتاتوري اخر

انها فرصة تاريخية حقيقية في ظل هذا البركان الذي بدا يخلخل كل المفاهيم القديمة في منطقة الشرق , فرصة تاريخية للعقل الشرقي لان يقف وقفة تامل بازاء ذاته , ويعيد حساباته وان يسلك الطريق الصحيح للتغيير ,
فطريق التغيير يقتضي اولا تغيير المفاهيم المعرفية والبنى الفكرية التي كانت سائدة والتي كانت تنتج على الدوام الاستبدا وتفرخ الارهاب والايدلوجيات ذات الشعارات البراقة والتي لم تجني منها الشعوب سوى الانحطاط والتخلف والفقر والحرمان والقهر والاستعباد

لاول مرة في التاريخ الحديث , يقف العقل الشرقي بازاء ذاته سواء كان بوعي منه او بدون , بينما كان في ثوراته وانتفاضاته السالفة يقف ضد الاخر , ضد الاستعمار , ضد الاحتلال , ضد التخلف , ضد العمالة , ضد الشيوعية ,او يثور من اجل الدين , او القومية او اليسارية , او من اجل التقدم , لكنه اليوم لا يثور الا ضد نظامه وضد افكاره وقيمه وموروثه وتاريخه , وعليه ان يعي هذه الحقيقة , الثورة اليوم ليست ضد عدو او ايدلوجيا او او شي اخر , انها ضد الثوابت والقيم التي توارثها عبر القرون , وعليه ان يطيح بهذه الثوابت , لكنه من المؤكد بدا يتحسس التناقض في متبنياته , وبدا يدرك ان ثمة خلل ما في منظوماته المعرفية والفكرية وعليه اصلاحها , وسد الثغرات والعورات التي اشار لها الاخرون منذ عقود من الزمن , لكنه الان فقط بدا يشعر بحاجته الى الحرية والكرامة والخبز
الان فقط بدا العقل الشرقي يدرك انه بحاجة الى الحرية , فيما كانت الحرية شعارا يخيفه ويضعه على حافة القلق والخوف من ان تلك المفردة المسماة الحرية قد تذيبه في كيان العلولمة وقد تسرق هويته التي كان يحرص عليها اكثر من حرصه على الخبز والكرامة
اكثر من هذا عندما قالوا لهذا العقل المسكين والمخدر بحشيشة الايمان ان الحرية شعار الغرب الكافر ,
وان من يطلب الحرية ماهم الا ابناء وعملاء ذلك العدو الكافر المترصد , لكن عندما جاءت الحرية ودخلت الى البيوت واقتحمتها رغما عن ساكنيها لم يعد بالامكان اسكات صوتها الهادر ولم يعد بامكان العقل الشرقي ان يغمض عينيه عن هذه الحلاوة والنعمة التي ذاقها ,
الان فقط صار بامكان العقل الشرقي ان يعرف ان الارض ليست قرصا مسطحا يمسك بها ملاك حارس او تقف على قرني ثور بل هي كرة كبيرة تسبح في فضاء شاسع و تدور حول الشمس , وتحمل من العوالم ما لم يكن يعرفه من قبل
الان فقط بدا العقل الشرقي يدرك وعليه ان يدرك ذلك انه واقع في دوامة الميثوس الشرقي ذور الجدران الكونكريتية , والان فقط بدات ثمار ذلك التلاقي بين لوكوس الغرب وميثوس الشرق تؤتي اكلها
ولابد لهذا اللوكوس من ان يطيح بكل انظمة الشرق الميثوسية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المحترم سرحان الركابي
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 2 / 3 - 19:47 )
تحيه وتقدير
لم تستطع معرفة المحرك لهذه الهبه وارجو ان لاتبتعد وتعتبر ما مشيت اليه هو المحرك...ارجو ان تتحسس المحرك ففي الجزء الكبير منه والأساس هو ذلك الغيب
الكثير مما ورد في المقال يمكن ان يناقش لأنه خبط للحابل بالنابل
وارج ان لا تقصد بالمقطع التالي هو ما جلبته العاهره امريكا والباغين من عملائها حيث تقول(لكن عندما جاءت الحريه ودخلت الى البيوت واقتحمتها رغماً عن ساكنيها لم يعد بالأمكان اسكات صوتها الهادر)
ان كان ذلك القصد فعلى التحليل والأستنتاج والعقل السلام
فالعاهره حريتها الدعاره وهذا ما تأنف عنه كل البيوتات الكريمه الأ البيوت التي تربت على الخيانه والأرتزاق من أمثال الجلبي وعلاوي ومن لف لفهم الذين تأمروا على الشعب وتحالفوا مع الدكتاتور طويلاً وعندما انتدبهم الفسق الأمريكي للعمل في محلاته هبوا شاكرين حامدين
ما يحرك الساحه الأن حتى لا يبتعد الخيال هو التنظيم العالمي للأخوان المسلمين
تحيه لك ايها الركابي الأبي وتحيه للأجتهاد


2 - العزيز عبد الرضا
سرحان الركابي ( 2011 / 2 / 3 - 20:07 )
بداية لابد ان تعلم اني انا من سمح لتعليقك بالمرور
لكني مع ذلك انا مستغرب اشد الاستغراب منك هذه المرة ليس لانك تخالفني في الراي فهذا شي طبيعي وصحي
لكن استغرابي من استعمالك لهذه اللغة البذيئة التي لم نعهدها منك
انت لم تفند رايا ولم تكتب تعليقا يخص الموضوع
بل وجهت سيلا من الشتائم لاناس لا علاقة لهم بالموضوع اللهم الا اذا كان لك حساب قديم معهم وهذا ليس شاني انا بل شانك انت واياهم
ما يخصني انا ان هذه الشتائم قيلت في وجهي واتخيل الان صورتك وانت متشنج الاعصاب ولعابك يتطاير وانت تسب هؤلاء الناس وترفع صوتك في وجهي مع انهم اناس لا يستحقون كل هذه الشتائم
فاذا كان سكنهم في امريكا وبريطانيا مبررا لشتمهم فهذا سيكون مبررا لشتمك لانك تسكن الان في دولة استعمارية وتتنعم بخيراتها
تحياتي لك وشكري الجزيل لتعليقك مهما كان نوعه


3 - العزيز سرحان
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 2 / 3 - 21:48 )
لا اعرف انك تتحكم بالتعليقات وانت بذلك سلك درب البعض الذي يطلبون لأني أعتقد ان الحوار ليس من اجرااته منح ذلك للكاتب الأ اذا طلب
انا لم اقول شيء في وجهكم الكريم وهذا الذي قلته فيه شيء من العصبيه المقيته وانت اكبر منها
انا لم اكن في يوم من الأيام عميل مثل الذي ذكرتهم انا وهم قالوا ذلك وتفاخروا أما انا
فأناأنسان بسيط لم ولن يبحث عني من يريد تجنيدي
لقد ناقشت ما طرحت وابديت رأيي ولكنك تعود لمقالك الأول و عن فؤاد الركابي وأياد علاوي وأعتقد أنك لم تقراء ردي وان ما هيج فيك الرواسب هو اسم اياد علاوي أرجو ان تسمح بنشر هذا التعليق والعتب على أدارة الحوار لأنك عدت للجاهلية الأولى
تقبل الأحترام(اين المقولات الجاهزه من قبيل الأختلاف في الراي لا يفسد....)
للود قضيه)بانت المعادن ايها الركابي الأبي


4 - اخي العزيز عبد الرضا
سرحان الركابي ( 2011 / 2 / 4 - 09:33 )
لا علم لي بالكيفية التي يتم من خلالها التحكم بالتعليقات
لكني وجدت تعليقك غير منشور فسمحت له بالمرور , لكن هذا لا يعني ان كل التعليقات يتم عرضها قبل نشرها فتعليقك الثاني وجدته منشورا قبل ان اسمح له
تقول انك لم تقل شيئا في وجهي
فماذا تستنتج من العبارة التالية
فالعاهرة حريتها الدعارة وهذا ما تانف منه كل البيوتات الكريمة الا البيوت التي تربت على الخيانة والارتزاق
وسؤالي هو هل عاتبتك لانك تختلف معي في الراي , هل قلت لك لا يجب ان تقل شيئا عن الجلبي واياد علاوي , رغم اني لا اعتبرهما مرتزقين ولا خائنين وهذا رايي بينما انت تعتبرهما كالعاهر , وهذا رايك
عتبي فقط كان حول اللغة البذيئة التي ما عهدتها منك سابقا , لك الحق ان تقول اي شي فقط بلغة مهذبة وبعيدة عن الشتم
هل هذا يفصح عن معدني
واذا كان معدني لا يتحرك ولا يتحسس لاي بذاءة , فاي معدن هذا الذي تعتقدني
اكرر تحياتي لك وشكري الجزيل لتعليقاتك , واصر ان الاختلاف في الراي لا يفسد للود قضية


5 - ساقي الجسد التحررّي
رعد الحافظ ( 2011 / 2 / 4 - 12:43 )
عزيزي الركابي الرائع
أنتَ تطرق موضوع هام للغاية لا ينتبه لهُ الكثير حتى من المُخلصين في مقاصدهم
التغيير والثورة والإصلاح مهمة جداً في منطقتنا العربية وكل أجزاء العالم النائم أو النامي سمّهِ ما شئت ( ربّما النامي فقط بالنفوس والتكاثر الفئراني على رأيّ أستاذنا د. عبد الخالق حسين ) أقول لا أحد من العقلاء والمنصفين يقف ضدّ التغيير , بل سيجد كل مواطن شريف نفسهِ دون وعي وتقرير منهُ في صفّ جموع الشعب الهادر ومطالبتهِ بالعدالة
***
لكن .. حتى الديمقراطية لا تكفي لوحدها لوضع الأمور في نصابها
نحتاج معها الوعي الشعبي والتحرّك والإنتقال من خانة ( الصفر ) التي وضعنا فيها رجال الدين عبر خطبهم الحماسية برفض الآخر بل قتلهِ , والعراق مثال
نعم نحتاج العلمانية لتكون الساق الثانية مع الديمقراطية ليسير عليها الجسد العربي التحرري الجديد وحتى باقي الدول الإسلامية والأفريقية كلّها تحتاج الديمقراطية والعلمانية ولا تكفي واحدة منهم
لو تابعت حوارات المشايخ والمؤدلجين فيما بينهم ستصاب بالغثيان حتماً , يناقشون كل الإحتمالات , ما عدا أنّهم ونصوصهم قد يكونوا خاطئين
حتى قولنا الإنترنت يقود لثورات بيضاء, يثيرهم


6 - اخي العزيز رعد
سرحان الركابي ( 2011 / 2 / 4 - 15:41 )
للاسف الشديد البعض لا ينصت لصوت العقل
ولا يريد ان ننزل الى لب المشكلة في عالمنا العربي او الشرقي
هكذا يعتقدون ان زوال حسني مبارك سيفتح عليهم ابواب الجنان وتتقاطر عليهم الحوريات , بينما تجربة العراق واضحة كل الوضوح
حيث لم تكفي الديمقراطية لتغيير عقلية المجتمع
وقد اعتقد البعض بل سمعنا بعض الدعوات للعودة الى الدكتاتورية على اعتبار ان هذا المجتمعات مازالت بحاجة الى الكثير الكثير كي ترتقي الى الديمقراطية الحقيقية
وعندما نصرح بهذا يقولون انتم تتهمون الشعب او انكم من دعاة الدكتاتورية او من دعاة الاحتلال
وعندما نقول ان الاحتلال هو من وضع اللبنات الاولى لبناء الديمقراطية في العراق
يقولون انتم عملاء
تحياتي لك ايها الرائع وشكري الجزيل لتعليقك الذي اضاف كثيرا للمقال


7 - شكرا جزيلا لك أخي سرحان
ليلى أحمد الهوني ( 2011 / 2 / 4 - 19:41 )
رائع.. عظيم.. مقالة في غاية الأهمية أخي العزيز سرحان.. كما عودتنا دائما.. أسطر وكلمات وتحليلات قيمة من صميم الواقع .. فشكرا جزيلا لك


8 - الشكر الجزيل لك اختي ليلى
سرحان الركابي ( 2011 / 2 / 5 - 07:11 )
اختي العزيزة الرائعة ليلى
اهلا بعودتك فقد افتقدناك في خضم هذه الاحداث الهائلة التي تمر بها المنطقة
كما اود ان اكرر شكري وامتناني لتعليقك ومرورك الكريم على المقال
دمتي اختا عزيزة ومتالقة دوما ايتها الاخت ليلى
وننتظر منك المساهمات المتميزة التي تعدونا ها منك


9 - رائع ايها الركابي
مارا الصفار ( 2011 / 2 / 6 - 10:09 )
ما جاء في مقالك
حقائق عشناها ونعيشها منذ ان ولدنا
والمشكلة الحقيقية اننا نعيش ازدواجية مريضة
تقتل كل روح تطمح الى التعلم
ازدواجية بين الغيبيات التي تربينا عليها
والتي جعلتنا في سجن مؤبد ، وتحت سيطرتها
والعلم الذي يقود كل ما حولنا نحو الانطلاق الى الحرية

وهنا يبدأ الاضطراب داخل النفس
هل نحن على صواب ؟
ام هم على صواب؟

والاجابة هي التي تحدد اين مكاننا من هذا الكون

دمت ايها الطيب



10 - شكرا عزيزتي مارا
سرحان الركابي ( 2011 / 2 / 6 - 17:01 )
شكري الجزيل عزيزتي مارا
انت الاروع دائما , كما تفضلتي نحن في صراع ودوامة من الازدوجية
نخرج من استعمار فنقع تحت سيطرة دكتاتورية
ونخرج من دكتاتورية لنقع تحت سيطرة دكتاتورية اخرى
والسبب لاننا لم ندرك بعد حاجتنا الى التغيير الجذري لكل النبى والمفاهيم
التي تولد الاستبداد والفقر والتخلف
تحياتي لك

اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24