الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تونس بدأت شرارة الغضب

فاروق عطية

2011 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


هم دائما كذلك حكامنا يتصورون أن الحال سيظل كما هو الحال, هم لا ولن يستوعبوا دروس التاريخ بعيدا كان أم قريب. أذكر فى فترة التهديد الأمريكى بالحرب على العراق أننى كتبت مقال بعنوان الحرب تدق الأبواب بتاريخ 15 مارس 2003 جاء فيه" خروج العالم العربى من الخليج إلى المحيط على استحياء بتظاهرات مخططة ومدعومة من قياداتها وتحت حراسة مشددة ضد الحرب على العراق كان من منطلق الكراهية للانحياز الأمريكى لإسرائيل ووقوفها ضد شرعية قيام دولة فلسطين. لكن الشعوب العربية يقينا تعلم تمام العلم بما يحدث للشعب العراقى من تنكيل وإبادة ولم تعبّر عن كراهيتها للديكتاتورية لأن التظاهرات كما قلت كانت مخططة ولم تسمح القيادات بأى تجاوز عن الهدف المرسوم لهذه التظاهرات لأن القيادات العربية كلها قيادات ديكتاتورية لا تتخير عن نظام صدام فكلهم فى التجبر سواء, ويعلمون أن سقوط صدام هو بداية النهاية بالنسبة لهم وأنهم سيتساقطون تباعا بعده كما تتساقط قطع الدومينو. لذلك لم نر هتافا أو لافتات تُرفع منددة بالديكتاتورية بجانب تنديدها بالحرب الوشيكة " وفى 9 أبريل من نفس العام بعد وضوح سقوط نظام صدام كتبت مقال بعنوان العد التنازلى للطغيان جاء فى آخره " وجدتنى أجرى كمن مسته جنه بلا رابط ولا أعنه, فى شوارع قاهرة المعز المحروسة ودروبها الضيقة المدروزة, قاصدا قصر الحاكم بأمر الله ولا أحيد إلى منزل سواه, وحين وصلته لاهثا حاول حراسه منعى من الولوج لكن الحاكم بأمر الله الذى كان قريبا أمرهم بالخروج وتركى أمثل بين يديه بلا لجوج. قال: ماذا وراءك وما تريد بهذا الضجيج؟ قلت: الهكسوس يا مولاى يزحفون, المغول يا سيدى قادمون, دعاة الديموقراطية يا ولى النعم يتقاطرون. قال: أيها المهوس أى غول وأى سوس وأى طاقية؟ قلت: عفوك سيدى، تساقط فى العراق الصداميون، والغزاة تدك الحصون, والمغول وهكسوس العصر بالديموقراطية يهددون ويتوعدون. قال: خسئت يا ملعون فما تبشر به شيئ من الجنون. قلت: إنه النذير لكل الطغاة ولا شك سيصل الشعب إلى مبتغاه. قال: دعهم يقبلون ونحن لهم منتظرون, فقد منعنا أكل الملوخية وسنطعمهم فلوذج ومهلبية. قلت: بادر بالخلاص واعط لشعبك ما فى الدستور وحرية التعبير والمرور ولا يتملكك الغرور، الشعب قادر أن يختار وأنت ليس بيدك الخيار، الشعب تواق للديموقراطية وتبادل الحكم فى حرية. نظر إلى بغيظ وقال: خذوا هذا العبيط واقطعوا رأسه وازرعوها فى الحقل بين رؤوس القرنبيط ". ولما وقع الطاغية وتحدث بوش عن الديموقراطية التى سوف ينعم بها العراقيون بعد الخلاص من الصنم, وطالب مماليك الوطن العربى بركوب القطار وحذر من التخلف عن الركب وإلا شعوبهم ستثور كما هو حادث فى العراق. بدلا من أن يعى سلاطين الزمن المر الدرس ويحاولون التدرج فى منح الحرية لشعوبهم المطحونة, أصابهم العناد والمكابرة واتفقوا على إفشال ديموقراطية العراق بالتدخل السافر بحشد أذنابهم وأعوانهم ليندسوا داخل العراق, منهم من تسلل من سوريا وإيران لرفع النعرة الشيعية والنفخ فيها, ومنهم من تسلل من السعودية والأردن ومصر لتقوية السنة ورفع رايتها لتسود وكان التفخيخ والأحزمة الناسفة والقتل على الهوية وتفجير المساجد والحسينيات حتى عمت الفوضى والانقسام وتناثرت أشلاء العراق بين كورد فى الشمال وسنة فى الوسط وشيعة فى الجنوب وعم الفساد وتمركزت قوى الإرهاب ممثلة فى دولة العراق الإسلامية التى روعت أمن الأقليات للتخلص منها تماما دون ذنب جنوه حتى ترحم الناس على أيام صدام.
ومع تكبد الأمريكان ثمنا غاليا لمحاولة فرض الديموقراطية التى فشلت فى العراق ولم تجد لها صدا فى باقى ديكتاتوريات الشرق الأوسط, بشرتنا كوندليزا رايس بالفوضى الخلاقة التى لا بد أن تنمو وتنتشر نتيجة لهذه الديكتاتورية المتفشية العصية عن العلاج فى الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية. كالعادة ابتسم الطغاة واستهانوا بالأمر ظانين أن بقاءهم دائم وسلطانهم ممتد ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وظهرت بشائر الفوضى الخلاقة تترى ويشتد عودها, ففى الصومال انتشرت الفوضى حتى أصبح مرتعا للتطرف والقرصنه, وفى اليمن الذى انخرط فى حرب الحيثيين ومناوشات الشمال مع الجنوب واحتشدت قوات القاعدة فى ربوعه آمنة, ثم السودان الذى اجتاحته الثورات من جنوبه إلى غربه وشرقه وبدأ تفتته بانفصال الجنوب والبقية تأتى, ثم لبنان الذى كان واحة للحرية والديموقراطية فى الشرق البائس عمته الفوضى والتشرذم ما بين حزب الله وحركات 14 آزار وغيرها من المسميات وبات على أبواب حرب أهلية قادمة لا محالة. وأيضا لم يرعوى مماليك شرقنا الموبوء ولم يرتدعوا وظل الطغيان كما هو صامدا ورافعا راية العناد.
وأخيرا هبت علينا موجة تسونامى عاتية من تونس أطاهت بعنفوانها طاغية متجبر أمسك فى قبضته مصائر شعبه أكثر من 23 عاما بالحديد والنار. كنا نظن أن هذه الشرارة التونسية كافية للطغاة أن يفيقوا ويعوا الدرس ولكن هيهات. ابتسم سلطان مصر المبارك بالله وقال إن لكل بلد خصوصياتها ومصر دولة مؤسسات لا تخشى الهزات. علقنا على هذه الأخبار بجريدة الأهرام القاهرية مرارا وبالطبع لم ينشروقلنا " أن مصر فى مهب الريح, والريح عاتية لا تبقى ولا تذر وآن الأوان للوقوف مع النفس وتصحيح ما يتطلب التصحيح وأن سلطاننا المبارك بالله الذى تربع على عرش المحروسة أكثر من ثلاثين عاما عليه أن يترك الساحة قبل أن يجرفه التيار." ولكن هيهات أن ينتصح الديكتاتور الذى يظن أنه فى خلود وأنه ممسك كل الأمور بين أصابعه, ليستيقظ يوم 25 يناير ليجد الأمور قد خرّت من بين أصابعه وأن صيحات الشباب فى ثورة الغضب أكبر من أن يستوعبها فتوقف عن التفكير وأصبح فى موقف لا يحسد عليه. فهل يخضع للتيار ويتنازل عن الحكم طواعية ؟ أم يحاول التملص ببعض القرارات كتعيين نائب وتغيير الحكومة وبعض الوعود بالإصلاحات الدستورية والوعود بأنه لن يرشح نفسه لرياسة جديدة, حتى يكتسب بعض الوقت وعندما تتغير الظروف لصالحة يمسك خيوط اللعبة بين أصابعه من جديد ليكون أكثر عنفا وشراسة؟ الأيام حبلى بالأحداث ولكننا فى كل الأحوال ندعو لمصرنا الحبيبة بالنهوض من جديد شامخة عالية بحفظ الله. ترى أين تندلع شرارة الغضب مجددا أفى سوريا الأسد أم فى ليبيا القذافى العتيد أم فى يمن الشويش عبالله الطالح؟؟ وإن غدا لناظره قريب..!!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتى لرأيكم الحر فى جميع المواقف
ماجدة فهمى ( 2011 / 2 / 5 - 18:17 )
من عشر أعوام لم نلتق وإن كنت على اتصال بكم عن طريق قراءة مقالاتكم القيمة. هذا المقال يعكس فكرا عميقا بالثورية والتنبؤ بما تحمله الأيام الحبلى بالمتغيرات كعادتكم دائما استشفاف ما خلف الغيوم ولكن زعماؤنا الأشاوس دائما ما ينكرون تقلبات الزمن وصحوة الشعوب وأن النائم لابد أن يفيق.شكرا لكم أستاذى وأتمنى أن نلتقى من جديد


2 - وردة ناصعة لأستاذنا
روزا لويس ( 2011 / 2 / 5 - 18:23 )
حقا سيدى أنتم دائما تواكبون الأحداث وتحذرون من الاستمرار فى العناد ولكن ما من مستجيب. المملوك مبارك ظن أنه سلطان السلاطين وأنه المالك لرقاب الناس ولا ولن يخضع بسهولة فهو كما قال حسنين هيكل حاصل على دكتوراه فى العناد, لكن العناد سوف يسوقه لمزبلة التاريخ


3 - الشرارة بدأت من هنا
ايفون حنين ( 2011 / 2 / 10 - 00:35 )
نعم حكامنا التصقوا بالكراسى حتى أصبحوا جزءا منها لا يستطيعون حراكا يخشون الشعب ولكنهم جبناء يحتمون بسلطة الأمن الذى آن الأوان للتخلى عنهم بعد أن تعفنوا وشاخوا وأصبحوا لا يقدرون على التطور وخدمة شعوبهم. ولكن أختلف معك أستاذى بأن الشرارة بدأت من تونس لأن الشرارة بدأت من هنا من الأقباط بعد حادث كنيسة القديسين, هم كسروا حاجز الخوف فتقدم شباب مصر نخو التحرير


4 - اذا الشعب يوما أراد الحياة
جميل الفيومى ( 2011 / 2 / 10 - 00:40 )
قالها أبو القاسم الشابى التونسى: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلايد أن يشتجيب القدر. وشعب مصر العظيم أراد الحياة الكريمة وهب يطالب بها فهنيئا لمصر شبابها وشكرا للكاتب على ما كتبه من مقالات تحث الناس على كسر القيود وتحذر الطغاة من التمادى ولكنهم لا يسمعون فحق عليهم غضبة الشعب


5 - الشعب فى ميدان التحرير
ايفون حنين ( 2011 / 2 / 10 - 00:51 )
الشعب فى ميدان التحرير يطلب خلع الديكتاتور الشعب يلفظ الرجيم الفاسد. شكرا لقلمك الحر وتحفيزك للناس بالثورة ومحاولاتك للطغاة أن يفيقوا ولكن هيهات واثورة مستمرة فى كل بقاع العالم النائم حتى يلفظ حكامه المرتشين. لكن الشرار بدأت من هنا من شباب الأقباط الذين كسروا حاتجز الخوف بعد أحداث كنيسة القديسين.


6 - العضب يعم شعب مصر العظيم
عليان عبد السيد ( 2011 / 2 / 10 - 01:00 )
الغضب الهادر يعم مصر من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها للتخلص من الطغيان. وغداا تتحرر البلاد بفضل شبابها الشجعان وكتابها الأفاضل الذين لم يحتويهم النظام وكانوا له بالمرصاد. فشكرا لكم لمقالاتكم الرائعة التى أنارت لنا الطؤيق


7 - صلاة النبى على ثورة الشباب
سيد مرسي ( 2011 / 2 / 10 - 01:41 )
الثورة الحقيقية هى هذه الثورة. قام بها الشعب بدون قيادة جيش أو سلطة. ثورة تماثل ثورة 19 التى قام بها شعب مصر لتأييد سعد والوفد. لن نستسل ونترك الميدان حتى يغور الطاغية لمزبلة التاريخ. ولن نتركه حتى يعيد البليونات التى نهبها هو وزوجته المتصابية وأولاده اللصوص

اخر الافلام

.. حسن نصر الله يلتقي وفدا من حماس لبحث أوضاع غزة ومحادثات وقف


.. الإيرانيون يصوتون لحسم السباق الرئاسي بين جليلي وبزكشيان | #




.. وفد قيادي من حماس يستعرض خلال لقاء الأمين العام لحزب الله ال


.. مغاربة يجسدون مشاهد تمثيلية تحاكي معاناة الجوع في غزة




.. فوق السلطة 396 - سارة نتنياهو تقرأ الفنجان