الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عرس الدم التونسي
فريد العليبي
2011 / 2 / 4مواضيع وابحاث سياسية
![](https://ahewar.net/Upload/user/images/c45be5ec-4093-4243-b0bb-b13a05e9e1da.jpg)
انتفاضة شعب تونس لونها الدم ، الياسمين الذي يزين أسوار المنازل التونسية لم يعد كما كان قبل أشهر، البياض تلاشى ، تناثرت على الأوراق بقع الدم ، اللون الأبيض حل مكانه الأحمر القاني ، شهداء يرفضون الموت ، جرحى يرسلون النداء ، يحاصرون في كل يوم قتلتهم ، سلاحهم هؤلاء الذين رتلوا على مسامعهم قسم الوفاء ، تأتيك أصواتهم من القصرين و بوزيد وصولا إلى العاصمة ، و هي تنطلق من حناجر تحررت من قيدها ، كأنما تبحث لها عن مكان في إيقاع الزمن ، إنه عرس الدم التونسي المتواصل ، الذي لن يكتفي بنصف انتصار .
لا ياسمين هنا في هذه الأيام و لا ورد و لا قرنفل ، بل دم و جراح و رصاص ، شوارع و أزقة و ساحات زينتها دخان و نار ، عويل في المستشفى ، امرأة تعاند الموت ، تهدي الوطن إبنا ، و تشهر الأربعة المتبقين سلاحا في وجه العتاة ، فتى أصابت رصاصة عنقه يبتسم في وجه الموت ، و أم تركت صغارها و نالت نصيبها من غدر الطغاة .
و رغم هول التضحيات فإن تونس الآن و أكثر من أي وقت مضى تبدو جميلة آسرة ، تشدك إليها ، تحبس أنفاسك و أنت ترقب سحرها ، مبهرة في عنفوانها ، متوثبة في إقدامها ، كأنما تتلو آية من آياتها ، لكي تفصح عن سر قدسي من أسرارها ، و ترسم لغيرها دروب الحياة .
تجد تونس نفسها في مفترق طرق ، رئيس مخلوع و طاقم حكومي غير لونه الحزبي بسرعة فائقة ، و انتهازيون من كل لون يحاولون الالتفاف على ثورة شعبها ، موظفون مرتشون أصبحوا دون سابق إعلام مناضلين من طينة عالية ، " معارضون " اختصروا الطريق إلى الوزارة ، إذاعات و مجلات و جرائد و قنوات تلفزية طلقت صمتها ، وأصبحت بقدرة قادر صوتا للشعب ، مثقفون مزيفون كانوا لوقت قريب خدم السلطان ، خلعوا عن أنفسهم ثوب السماسرة و استبدلوه بمعطف الثوار ، و المهم بالنسبة إلى كل هؤلاء استمرار الجوهر و تغيير المظهر ، و في قلب المشهد تنتصب دماء الشهداء بشموخ تتلو على المسامع درسها .
ما يحدث في تونس مشهد ثوري واقعي بالنسبة إلى الشعب ، الذي يمسك بنصف التفاحة اليانعة التي تحدث عنها يوما بيسمارك ، بينما لا يزال نصفها الآخر في يد أعدائه ، وهو مشهد سوريالي بالنسبة إلى الرجعية ، التي فقدت البوصلة و استغرقتها حيرة قاتلة .
شعب تونس شعب عظيم ، هذا ما تعترف له به الآن شعوب العالم قاطبة ، بل حتى الرجعية العالمية لا يضيرها الآن التعبير عن ذلك الاعتراف طالما وقعت الواقعة ، عانى هذا الشعب طويلا من القهر ، جرب الانتفاضة تلو الانتفاضة خلال ستين عاما ، و في الأخير أجبر قسما من طغاته على الرحيل و لا يزال قسم آخر ينتظر على القائمة .
كتب بتاريخ 20 جانفي 2011
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. المدرجات تُمطر كؤوس بيرة في يورو ألمانيا.. مدرب النمسا يُحرج
![](https://i4.ytimg.com/vi/Vgzy1LD6fL8/default.jpg)
.. لبنان يعيش واقعين.. الحرب في الجنوب وحياة طبيعية لا تخلو من
![](https://i4.ytimg.com/vi/R2NvI4sX36o/default.jpg)
.. السهم الأحمر.. سلاح حماس الجديد لمواجهة دبابات إسرائيل #الق
![](https://i4.ytimg.com/vi/b_-2amWqf94/default.jpg)
.. تصريح روسي مقلق.. خطر وقوع صدام نووي أصبح مرتفعا! | #منصات
![](https://i4.ytimg.com/vi/PTU2YdFDTaw/default.jpg)
.. حلف شمال الأطلسي.. أمين عام جديد للناتو في مرحلة حرجة | #الت
![](https://i4.ytimg.com/vi/ZkYHbbZf8bA/default.jpg)