الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التظاهرات والبلدان الخليجية

متعب عالي القرني

2011 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


في هذة الأثناء التي تشهدها البلدان العربية، الكل يترقب بحذر شديد المآلات الحاسمة التي قد تجتاح المنطقة العربية بأسرها، لاسيما بعد انتشار حمّى التظاهرات بين المواطنين العرب الذين عاشوا أحقاباً عديدة لم تنبس خلالها شفاههم بكلمة "معارضة" ضد الأنظمة القمعية المستبدة. فلم يتوقع المحللون والمراقبون السياسيون أن تمتد يد تلك المرأة التونسية التي صفعت البوعزيزي بـ ١٧ ديسمبر ٢٠١٠ لتصفع دول عربية كبيرة تشكلت قبل قرون وأنظمة حاكمة سارت لعقود طويلة، وذلك بدءاً بالجزائر، ثم مصر لليمن والمغرب ثم الأردن وانتهاءاً بسورياً المتوقع اشتعالها اليوم.

هذة التصدعات في الأنظمة الحاكمة ستترك من هذة السنة الجديدة، ٢٠١١ تحولات راديكالية في النظرة الفلسفية والسياسية في البلدان العربية بمجملها سواء أصيبت أو نجت من عدوى التظاهرة. فأما من اشتعلت التظاهرات بدارها فلن ينطفيء حمئها إلا بعد زوال النظام الحاكم والتغيير الجذري في التشكيلة الدستورية لتلك البلاد، وأما من أخمد التظاهرات في مهدها قبل قيامها فسيغير مجرى مخططاته إطفاءاً لأي شرارة أو مساعي للشعب للمظاهرة. وأتوقع والعلم لله أن تُسمى سنة ٢٠١١ "سنة التظاهرات العربية" على غرار سنة ١٨٤٨م والتي اجتاحت أروبا الوسطى والغربية وانتشرت في رقاع متفرقة ابتداءاً بفرنسا ثم إلى الولايات الألمانية والإيطالية والنمساوية والدانمارك، لدرجة أن تلك السنة سميت في التاريخ الغربي بـ "موجة التظاهرات" و"ربيع الشعوب".

نعم ستكون هذة السنة ربيع الشعوب العربية، وستشكل منعطفاً حاداً وتقدما جديدا في الفكر العربي والرؤية الشعبية والهيكل السياسي، وسيتوجه الشكر والعرفان رسميا إلى الإقبال الشديد من المواطنين العرب في إفناء اجسادهم وإحراقها تضحية لحرية الشعوب، لأن الحروق والقروح التي تخلفها النيران هي الوسيلة الصائبة المعبرّة عن العجز العميق والإحباط المتوغل في صدور العرب من وقائع هؤلاء الحكّام المخلدين. ومع هذا النمو في إحياء هذة التظاهرات، ستتعالى الأصوات حيال حكم الإحراق للنفس بالتحليل أو التحريم، إما في محاولة لردع الناس من المبادرة أو تشجيعهم للإنقلابات السياسية. وقد لا نستبعد أن يرفع تلك الفتاوى شيوخ ورموز مؤثرة في الحراك السياسي والديني في المنطقة، وسنرى الشعوب منقسمة حول المحرمين والمشرعين والهاتفين والمهولين.

الأمر الأهم أن نعلم أن تفاوت هذة الأحكام في الرأي أمر مقبول ومتوقع وله قدم تاريخي سابق، فالأحكام المحرمة ستظهر من رحم ظاهرة سابقة انتجتها الحركات الفلسطينية في العقود الثلاثة الدابرة، أعني بذلك ظاهرة تجنيد الشباب بالأحزمة الناسفة لإيقاف الزحف الصهيوني في المنطقة الفلسطينية، ورغم أن شكلية الحزام الناسف وحرق النفس تتقارب في إهلاك النفس التي حرّم الله إلا بالحق، إلا أن الحزام الناسف يختلف في الأصول والمعاني عن ظاهرة احراق النفس وذلك لعدة اعتبارات، الاعتبار الأول أن إحراق النفس يكون إهراق النفس حرقا يكون مركزه نفس المحروق ويقتصر ضرره عن الآخرين بينما الحزام الناسف يتعدى ضرره النفس إلى اصابة الآخرين وإهلاكهم، أما الاعتبار الثاني فإن إحراق النفس في هذة الأيام يكون ضد العدوان الداخلي والأنظمة الحاكمة على المستوى الإقليمي، بينما الحزام الناسف يكون ضد العداون الغاشم من الخارج وعلى المستوى الدولي، أما الاعتبار الأخير، فهو ما وصفه المحلل السياسي محمد الشنقيطي، والذي ربط الأحزمة الناسفة بالانتحارية والإجرامية، بينما جعل من إحراق النفس دلالات تعبيرية ورمزية تلقى قبولا وتقديراً عن الناس إذ أنها ظهرت بلبوس التضحية والمناضلة.

وإن انتشرت هذة الحروق على اجساد مواطنين ببلدان مختلفة، فأرى والله أعلم أنها ستكون قاصرة على البلدان العربية بعيداً عن البلدان الخليجية ومنطقتنا ولله الحمد، وذلك لما للتوجهات الدينية من أثر بارز في تشكيل عقلية المواطنين، فهذة النظرة الدينية والمذهبية - التي قد لا يعيرها البعض اهتماماً والتي تميز بلد عن غيره - ستكون حاضرة في لعب الأدوار السياسية بصورة دراماتيكية، فإن عاش المواطن في أحضان نظرة دينية ميّالة للمحافظة كما بالخليج على وجه العموم، فإنه لن يفكر ولو لقليل في إهراق نفسه حرقاً لما يعلمه من وعود أخروية في نار جهنم، بينما المواطن الذي عاش في أحضان مذاهب أخرى أكثر انفلاتاً - إن جاز التعبير - فإنه لن يمانع في المخاطرة بحياته فداء لشعبه، سيما وأن متدينوا ذلك البلد يسارعون في تجميل وتصوير ظاهرة الإحراق بلبوسات مغايرة من أبرزها تصوير الحارق لنفسه على أنه "شهيد" و"مناضل ومضحي" إلخ. والمثال الأبرز على الساحة ما تلفظ به لسان الشيخ القرضاوي المصري بعد أن دعا حسني مبارك بالرحيل ووصف كل من تسبب وقُتل في تلك التظاهرة بالشهداء والمناضلين، بينما باشر مفتي عام المملكة بإصدار حكم مباشرعام يحرّم فيه حرق النفس وأعد الفعل من أنواع الأنتحار. هذة التوجهات والاختلافات الدينية في الفتاوى بين البلدان سيكون لها مشاركة فاعلة في تشكيل عقلية الشعوب وتحقيق أمن الدول وستكون الدولة التي تتميز بنظام ديني محافظ هي أقرب للأمن والهدوء، فلا أظن والله أعلم أن مواطني البلدان الخليجية سيقدموا على الحرق ما لم تتغير الفكرة الدينية المصطبغة على توجهاتهم، سيما وقد عاشوا في حدود تلك النظرة سنين طويلة وتشكلت على أساسها رؤاهم ونظراتهم، وعلى حد علمي الشخصي فإن تظاهرة اليمن "التي يمكن اعتبارها خليجية" تختلف عن التظاهرات التي تحدث في الوطن العربي، فقد زحفت بشكل مرن فيما لم تُسجل أية حالة حرق قبل المظاهرات والله أعلم، بل انتشرت المظاهرات بطريقة سلمية وهادئة دون أدنى مبادرة فردية.

ومع أن المظاهرات تدعوا للحرية والديمقراطية وانفلات الشعوب من القبضة الحديدية للحاكم، فإنها في ذات الوقت قد تتسبب في إنهاك الدول وإشعال الفتن فيها بطريقة همجية ووحشية، لكن هذة الخسائر الإنسانية والمادية هي ثمن الحرية وكل من رام تذوقها! وإني في وسط هذة الأحداث لأتعجب كل العجب من صمود الرئيس حسني مبارك في وجه الشعب المصري المناضل، بل من تجاهله لمطالبهم وإرسال بلطجية ليثخنوا في القتل وإراقة دماء المسلمين الضعفاء، فكم من شهيد قُتل بسبب أولئك المجرمين وكم من أم بكت على ابنها وفلذة كبدها كل ذلك بسبب طمع الرئيس في التشبث بالمناصب الرئاسية، وليت شعري لو يسمع الرئيس المصري ما فعله علي بن أبي طالب الذي اختلفت عليه الأمة الإسلامية وتقاتلت وتناحرت عليه وانقسمت لقسمين كما انقسم المتظاهرين المصرين، فكان في المعركة بينما المسلمين تقتل وتهرق دماء بعضهم بعض فكان يقول إلى ابنه الحسن: يا حسن والله لوددت أنني مت قبل هذا بعشرين سنة! فأتي إليه بحظوة وسيف الزبير بن العوام وقد قتله أصحابه، فنظر للسيف وقال طالما جلّى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال :بشر قاتل بن صفية النار ولم يأذن له بالدخول عليه! ثم أتى بعده ابنه البار الحسن فتنازل عن الحكم حقناً لدماء المسلمين، فهل يفعل مبارك ويتنازل عن الحكم مع شعبه المناضل الذي فقدت امهاته ابنائها وفقد الأطفال آبائها وكل ذلك بسبب تعنته وعناده، هل يسمع مبارك للمطالب الدولية التي نددت بفعله وتعامله مع شعبه والصحافة التي تنقل الحدث بكل إنصاف. نعم، ستنتشر المظاهرات في البلدان العربية قصوراً عن البلدان الخليجية، ومن هنا أهدي تحيتي للرئيس علي عبدالله صالح الذي قال "لن أستخدم اسلحتي ضد شعبي، مهما كانت الظروف"، فالظروف فعلاً أثبتت محبة الرئيس اليمني لشعبه ووطنه، والظروف فعلاً أثبتت محبة الرئيس المصري للمال والجاه، نعوذ بالله من الخذلان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أختلف معك كل الاختلاف
العتابي فاضل ( 2011 / 2 / 4 - 17:19 )
أستاذ القرني المحترم .اختلف معك في كل ماذهبت اليه واهمها فتاوي رجال الدين المقيته هي من عطلة تقدم الشعوب.واما ماذكرته عن ان الشعوب التي بحكم توجهاتها الدينيه كما في الخليج العربي تلك الطامه الكبرى في مقالتك .بل اود ان اقول لك ان الشعوب في بلدان الخليج العربي تدربت على تقبيل الايادي وتبويس اللحى.هذا ماجعلها تغط في نوم عميق وتبتعد كل البعد عن الشعوب الاخرى في كل شئ ولا مجال لذكرها هنا في تعليقي.اما اختلاف اهل الفتاوي في ما بينهم ماهيه الى سوى شد الاضواء اليهم وهذا معروف في اختلاف اهل الفتاوي في السعوديه حيث صار كل من هب ودب يطرح فتاويه على الملأ بغير حساب حتى ضاقت الحكومه السعوديه بهم ذرعاً فحصر الافتاء في ديوان خاص بها.اما انك تذكر مساوئ المذاهب الاخرى من غير المذهب الذي ينتشر في بلاد الجزيره .انك تسفه المذاهب الاخرى بالرغم كل المذاهب هن سواسيه لا اختلاف بينهما سوى تكفير الاخر.وارجوا ان لاتكون مداخلتي هذه لاتروق لك وتعتبرها في خانة التطرف والكره والحقد على اهلنا في الخليج.

اخر الافلام

.. الجبهة اللبنانية تشتعل.. إسرائيل تقصف جنوب لبنان وحزب الله ي


.. بعد عداء وتنافس.. تعاون مقلق بين الحوثيين والقاعدة في اليمن




.. عائلات المحتجزين: على نتنياهو إنهاء الحرب إذا كان هذا هو الط


.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي




.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال