الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغيير لا يزال ممكنا

فؤاد بلمودن

2011 / 2 / 4
السياسة والعلاقات الدولية


قبل شهور كنبت مقالا نشر بعدة مواقع وشبكات إلكترونية ومنها موقع الحوار المتمدن تساءلت فيه : هل التغيير لا يزال ممكنا ؟ وكان جل انشغالي فيه منصرفا إلى عرض وتحليل المقاربات والمنطلقات الفكرية و الإيديولوجية لحركات الإصلاح والتغيير بالعالم العربي التي نظّرت لعملية التغيير وخاضت تجارب مشهودة في ذات الشأن ، وما آلت إليه من نتائج .
لكن سؤال التغيير ظل مجرد نظرية لم تراوح مكانها في مختلف الخطابات السياسية والإديولوجية ، بفعل تعنت النظم المستبدة والتدخل الإستعماري وسلبية الشعوب العربية .
واليوم إزاء ما يشهده العالم العربي من زخم ثوري وغضب جماهيري يؤشر عن يقظة سياسية هائلة. ترى هل خرج المارد من قمقمه ؟ كما يعبر Anthany Robbins في كتابه : (أيقظ المارد الكامن في داخلك ) فلم تكد تمضي بضعة أيام على إسقاط طاغية فصر قرطاج ، وحينها تساءلنا هل هي بداية نهاية الخنوع العربي أم نهاية عصر الطواغيت العرب ؟ لم تتأخر الإجابة كثيرا لينبعث شعب الكنانة في ثورة فاجأت العالم بعد بضعة أيام من الملحمة التونسية في مشهد أذهل الجميع ، فالجماهير العربية وفي طليعتها شبابها الغاضب بدأت تستعيد وعيها وتسترجع ذاكرتها المغيبة قسرا .
لقد جاءت ثورة الشعب المصري وقبلها الهبّة التونسية مباغتة مفاجئة للجميع بما فيه ذلك دوائر الاستخبارات الغربية ومراكز الاستشراف والدراسات المستقبلية إضافة للأنظمة وللأحزاب والهيئات السياسية . مما يتطلب من الجميع وقفة حاسمة لإعادة تقييم الوضع وترتيب الأوراق التي تبعترت بفعل ثورة جيل الشياب العربي الثائر :
* فبالنسبة للباحثين في مجال الإستشراف والتوقع والدراسات المستقبلية:
سيصبح الإهتمام بالقضايا البازغة الناتجة عن التطور التكنولوجي لاسيما في مجال تكنولوجيا الإعلام والإتصال في قلب اهتمامات الدارسين والباحثين في مراكز الدراسات المستقبلية فالكثيرين أطلقوا على الثورة التونسية والمصرية ثورة الفيسبوك ، فالمواقع الإجتماعية وعلى رأسها الفايسبوك والتويتر نظرا لتأثيرها الهائل حيث شكلت أهم أداة للتواصل والتعبئة بين رواد الثورة الشباب بعدما أغلقت الدكتاتوريات العربية في وجوههم كل الفضاءات والمساحات الحرة بما فيها تأسيس أحزاب وهيئات سياسية يعبرون من خلالها عن أنفسهم . كما أن جيمس داتورعالم المستقبليات سيكون مسرورا لان نظريته التي تقضي بإمكانية تحول النسق ومجيء التغيير من الهامش وجدت أخيرا طريقها نحو التبلور، فالذي فجر الثورة وشكل وقودا لها هم الشباب المعوز من أبناء الأحياء الفقيرة في بلدان لا توجد بها طبقة وسطى بل طبقات دنيا معدمة وأخرى غنية مرفهة.
* بالنسبة لدوائر الإستكبار العالمي ومخابراتها :
من المؤكد أنها ستعيد تقييم الموقف وتصحيح نظرتها النمطية التي تتسم بالازدراء والدونية للمواطن العربي: المتخلف الخامل الخانع المستهلك الذي لا ينتج - في نظرهم - ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام نواصل المد الثوري الذي يجتاح العالم العربي ويطيح بالأنظمة الموالية لها تباعا . لقد عرت الأحداث الأخيرة حقيقة الغرب الذي لا يكترث إلا لمصالحه ولا يهمه تحقيق الديمقراطية ولا أي من الشعارات التي ظلت بلدانه تنادي بها . بل وأسقطت دولا وأنظمة غير موالية لها بحجة أنها غير دمقراطية . ولذلك فهي مضطرة إلى إعادة النظر في تحالفاتها ودعمها لأنظمة الحكم الفردي المطلق في العالم العربي.
* بالنسبة للأنظمة العربية :
لا شك أن الملوك والامراء والرؤساء العرب الخالدون في عروشهم وكراسيهم الثقيلة يرتعشون خوفا مما تحمله الأيام القادمة وكل منهم يترقب متى يأتي عليه الدور. " يحسبون كل صيحة عليهم " لكن هذه الأنظمة أمامها فرصة كبيرة للإستفادة من الدرس المصري وقبله التونسي، فهم يستطيعون التحول سلميا من التظام الشمولي والحكم الفردي المطلق إلى نظام ديمقراطي يخضع لإرادة الشعب ويترجم مطالبه إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع ، سيكون من الغباء والسماجة التأخر في استباق الهبة الجماهيرية بخطوات سياسية تجمع بين الجدية والجرأة والإرادة الصادقة ، بحيث تعترف هذه الأنظمة بخطأها وسوء إدارتها للحكم ، ثم تعلن إصلاحات دستورية وسياسية واجتماعية تشكل قطيعة مع كل ممارسات ماضي الحكم غير الرشيد ، وتعيد الأموال المنهوبة من قبل الأسر الحاكمة وحواشي النظام وأزلامه، ثم يعقب ذلك استقالة مشرفة وخلود إلى التقاعد المريح ليتركوا قيادة الأمة لأجيال قادمة ووجوه أخرى يختارها الشعب من أصحاب الضمائر النقية والأيادي البيضاء .
سيدرك الحاكم العربي- إذا تخلى عن غباوته المعهودة طبعا- بعد كل هذه التطورات الجارية أنه لم يعد يحكم مواطنا أميا وجبانا لا يمتلك طموحا وليست له تطلعات قومية وحضارية. الشعب العربي بشبابه وشيبه ورجاله ونساءه نال حظا هائلا من التعليم وأصبح لديه وعي سياسي متفتق قد يفوق الثقافة السياسية حتى لذى الشعب الأمريكي ، فأقل العرب ثقافة تجده متابعا بدقة لجزئيات الأحداث في العالم فهو يعرف ما يحدث في باكستان وأفغانستان والعراق والصومال وكوريا وفي ثخوم أفريقيا ، وحتى أزمة ساحل العاج نسجوا حولها من المستملحات والحكايات الكثير عن صراع الثنائي باكبو والحسن وترة . لقد قفزت الحروب والصدَمات- التي تعرض لها العالم العربي والإسلامي- بالوعي العربي إلى مستويات هائلة ، كما أن المواطن العربي بات أكثر قدرة على تشخيص مواطن الداء التي يمكن إجمالا حصرها في الاستبداد والدكتاتورية ، فالعربي وبفعل تطور الإعلام وامتداده يستطيع أن يقارن بين الدول الديمقراطية وأوضاعها الاجتماعية والتنموية وبين وطنه الذي يزداد تخلفا وتأزما . ويستطيع أن يقارن بين الحاكم في الغرب ونفانيه في خدمة شعبه لدرجة أنه يخرج من السلطة مفلسا لا يملك بيتا يؤويه كما وقع لجاك شيراك الرئيس الفرنسي السابق ، وبين الحاكم العربي الذي يستولي على السلطة عبر الإنقلاب المدعوم من الغرب ، أو عبر الوراثة الثيوقراطية المقدسة ، فيبقى في الحكم لعقود طويلة يكتنز فيها من الثروة ما لا تملكه دول بعينها ، ويرخي العنان للعصابة المحيطة به كي تصادر ما شاءت من ثروة الوطن . إن مشهد ليلى الطرابلسي وعائلتها الفقيرة التي تحولت بسرعة إلى الثراء الفاحش يتكرر بشكل أكثر خطورة وبشاعة في مصر والجزائر والمغرب وسائر البلدان العربية. إنه مشهد مخزي ... دول ثلثا سكانها على عتبة الفقر وتنتظرها ملايير الدولارات من المديونية ، وتتكدس فيها مئات الآلاف من الشباب العاطل من حاملي الشهادات العليا ومن غيرهم ، وعيش أزمة الامن الغذائي ، ومع ذلك يحتكر حكامها الثروة الطائلة المخبأة في بنوك سويسرا والغرب وما خفي أعظم ، ويتنافسون على التقدم في المصاف الاولى لمليارديرات العالم ومليونيراته ففيهم الأول والثالث والرابع والسابع وهلم جرا ...
لقد تغيرت التربة العربية التي كانت تشكل الحاضنة الخصبة لنمو الدكتاتوريات في العالم العربي، وأصبح الحاكم العربي المستبد في العراء . وحتى طبول التأييد التي تقرع له ، ومزامير الولاء التي تعزف بين يديه يعرف أنها مزيفة لأنه هو من يقرعها بأيدي الإنتفاعيين ، ولذلك فالنظام الرسمي العربي هو أكثر الناس معرفة بحقيقة من يكن له الود ومن يناصبه العداء ، لقد تبخر مؤيدو بنعلي وحزبه المليوني فجأة ، واختفى الحزب الوطني العتيد الذي يعد عدد أعضاءه أكثر من عدد سكان دولة لبنان ، وحاز الأغلبية المطلقة في البرلمان بغرفتيه في بلد يصوت فيه أكثر من 30 مليون ناخب . أين اختفوا يا ترى هل تبخروا في الهواء أم ابتلعتهم الأرض ؟ لماذا لا يساندون الزعيم الخالد في لحظات الشدة ؟ أم أنهم زمرة من الإنتفاعيين الفاسدين الذين يمجدون السلطان لسلطانه فإن زال كفروا به، ولم الإستنجاد في اللحظات الميتة وبعد فوات الأوان بضباط الامن ورجال الشرطة والمجرمين من أصحاب السوابق الجنائية لممارسة الإرهاب على المواطنين الأحرار وهي حالة تكررت في السناريو التونسي والمصري مع تفاوت بسيط ؟
* بالنسبة للأحزاب والهيئات السياسية :
وهي صنفان : صنف خاضع و ممالئ للأنظمة الاستبدادية إما لكونه يشكل هامشا لها وذيلا من أذيالها أو لكونه يمثل دورا من الأدوار المنوطة به داخل السيرك السياسي، وهذا الصنف من الهيئات السياسية فاقد لأية مصداقية وهو غير معني بأي عملية نقد ذاتي أو استخلاص للدروس فهو أشبه بالثوب الذي يفصل على المقاس لخدمة الطاغية المستبد.
وصنف آخر من الأحزاب أكثر التصاقا بهموم الجماهير بعضهم ظل يطالب بالتغيير صراحة بلا مواربة رغم الفاتورة التي سيؤديها وما سيتعرض له من قمع ومنع ، والبعض الآخر لديه رغبة أكيدة في التغيير لكن اضطر لتليين مواقفه تجاه الاستبداد والفساد تجنبا لما لا تحمد عقباه ، وهذا الصنف بات اليوم مطالبا بالخروج عن صمته والتعبير بصراحة عن مطلب التغيير وبصوت عال لاسيما وان الجماهير العربية والشباب تحديدا الذي طالما اتهم بالسلبية والإبتعاد عن الشان العام قد رفع من سقف مطالبه الاجتماعية والسياسية من الحق في الشغل وتحسين ظروف العيش الى المطالبة بالحرية والتغيير ورحيل الدكتاتورية ، فالشغب خرج يهتف بسقوط النظام ، ومزاج الشارع العربي لم يعد يحتمل أن يرى حاكما يحكمه مدى الحياة من القصر إلى القبر لا يريحنا من طلعته البهية إلا ملك الموت .
الأحزاب والهيئات السياسية الجادة بمختلف تلاوينها وحساسياتها مطالبة بان تستثمر اللحظة السياسية وتكون في مستوى تطلعات شعوبها ، فهي مطالبة بان تتكثل في وجه النظم الدكتاتورية وتنخرط في التعبئة الشعبية لقيادة عملية التغيير التي باتت حتمية أكثر من أي وقت مضى ... إنها ساعة الحقيقة دقت يا مولاي... ونحن نردد مع الجماهير الهائجة في تونس و مصر وباقي العالم العربي : الشعب يريد إسقاط النظام ...فارحلوا أيها الطواغيت ...ارحلوا عن أرضنا وعن خبزنا ، عن برنا وعن بحرنا ، لا نريدكم بيننا ، فأيامكم صارت معدودة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحييك على التحليل الرصين
أحمد شوقي الإسكندراني ( 2011 / 2 / 5 - 07:08 )
أحييك على التحليل الرصين كما هو معتاد منك لكن الذي أريد قوله أننا يجب أن ندرك حجم المؤامرات التي تحيكها القوى الامبريالية والإستعمارية فلن تقف مكتوفة الايدي أمام سقوط الانظمة الحليفة لها تباعا ولذلك ولذلك أدعو القوى الوطنية والاسلامية الحرة أن تتخلى عن خلافاتها في المرحلة القادمة وأن تصوب سهالمها جميعا لنقض الدكتاتورية وإسقاط الانظمة العربية العربية الجمهورية والملكية . التي أصبحت خارج التاريج وباتت عار علينا .
إنها الثورة يا مولاي ...

اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة