الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمعة مصر العظيمة.

رائد الدبس

2011 / 2 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الجمعة،4 شباط - فبراير 2011، ستدخل التاريخ المصري والعربي والإنساني الحديث بوصفها جمعة مصر العظيمة. ومهما سيلحق بها من أوصاف أخرى صحيحة مثل جمعة الرحيل أو جمعة التغيير الكبير ، فقد بات واضحاً أنها ستكون الجمعة الفاصلة ما بين عهدين : العهد القديم والعهد الجديد، الذي سيقوم أبناؤه ويصعدون من بين الأحياء هذه المرة.. إنها الجمعة العظيمة. ومهما تكن النتائج في هذا اليوم التاريخي أو اليوم التالي فإن الأمر الأكيد أن مصر لن تعود إلى العهد القديم، بل ستصعد إلى عهد جديد عنوانه الحرية والكرامة والديمقراطية. وقد يُطرح السؤال هنا : على ماذا يقوم هذا التفاؤل؟

هذا التفاؤل الواقعي قائم أولاً على استمرار وصمود الثورة السلمية الأعظم في تاريخ مصر الحديث لليوم الحادي عشر، دون أي توقف أو تراجع.
وثانياً، على تراجع النظام عن كل ما تمسّك به في الأيام التسعة الأولى، وتسليمه بالغالبية العظمى من المطالب السياسية والتشريعية والدستورية للثورة، وأن الرئيس حسني مبارك بات أضعف بكثير من بطّة عرجاء. سواء أمام الداخل المصري بكل مكوّناته، أو أمام العالم الخارجي.
وثالثاً، على أن الجيش المصري أثبت أنه لا يزال يشكل الضامن الوطني الأكبر للتحول السلمي نحو التغيير.
ورابعاً، لأن لجنة الحكماء المصريين التي تضم بين صفوفها شخصيات وطنية من خيرة رجال مصر ونسائها، قد بدأت بأخذ زمام المبادرة السياسية، ورسم معالم خارطة الطريق التي يمكن أن توصل مصر إلى العهد الجديد بسلام.

التطور السياسي الأهم الذي ميّز اليوم الحادي عشر من ثورة شباب 25 يناير، يوم ثورة الحرية، هو دخول مجلس الحكماء إلى ميدان الفعل السياسي، وتقدمهُ بمبادرة تشكل خارطة طريق للمرحلة الانتقالية، ودعوته لتمثيل شباب الثورة ضمن مجلس الحكماء، ويُفتَرَض أن يحظى هذا التمثيل بالأولوية القصوى. وبصرف النظر، سواء استقال حسني مبارك في الساعات أو الأيام القادمة، أم أحال كافة اختصاصاته الدستورية لنائبه وفقاً للمادة 139 أم غيرها من المواد، فلم تعد الأمور على أرض الواقع السياسي في ميدان التحرير وفي مصر كلها، تتوقف كثيراً على هذه البهلوانيات الدستورية. الحقيقة الواضحة للجميع الآن، هي أن كل أقطاب النظام تسارع للاعتراف بشرعية كافة مطالب الثورة، ولا بديل أمامها غير ذلك. بل إن بعض أقطاب النظام، باتوا يقدمون تنازلات كبرى بشأن مستقبل الحزب الوطني الحاكم، الذي بدأ النائب المصري العام بملاحقة وتوقيف وحجز أملاك رموزه الفاسدة. وخصوصاً بعد أن سقطت هيبة وفكرة النظام، كما أشرتُ في مقال سابق.

أما استخدام مبارك لفزّاعة الفوضى والإخوان المسلمين، في مقابلته مع محطة "أي.بي. سي." الأمريكية، أو على أرض الواقع داخل مصر، فلن ينفع الآن. بل سيؤدي إلى مزيد من الفوضى وإعطاء الإخوان حجماً أكثر من حجمهم الفعلي بكثير. هذه الفزّاعة هي الآن أفضل وصفة لمزيد من المساومات الأمريكية مع الإخوان وغيرهم. ويبدو أن أفضل ما يمكن أن يقدمه مبارك للشعب الآن هو الاستقالة وتسليم السلطة لنائبه الذي عليه أن يبدأ الحوار الجاد مع شباب الثورة أوّلاً ثم باقي القوى السياسية المصرية مستعيناً بخارطة الطريق التي قدمها مجلس الحكماء. ثم مباشرة مسيرة الإصلاحات التشريعية والدستورية ضمن مرحلة انتقالية محددة الأجل ومتفق عليها، لقطع الطريق على مزيد من التدخلات والمساومات .

إن أسوأ ما يحدث الآن بعد قمع الأنظمة تجاه ثورة شباب مصر وتونس من قبلها، هي محاولات فرض الوصاية والنصائح والتدخلات والإرشادات الأمريكية والإيرانية على حد سواء. أو محاولات بعض التيارات الحزبية التقليدية في كلا البلدين، الركوب على ظهر ثورة الشباب وقطف ثمارها. فبعد سلسلة طويلة ومتواصلة من التدخلات الأمريكية المباشرة في شأن ثورة شباب مصر، تدخّل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامينئي فقال في خطبة الجمعة 4-شباط-2011 : "أن ثورتيْ تونس ومصر هما دلالة صحوة إسلامية" !! ولا يبدو أن كثيراً من شباب ثورة تونس ومصر يوافقه على هذا الرأي، بل إنهم يعتبرون ثورتهم صحوة حرية وكرامة وديمقراطية.. كما دعا الشعب المصري الى مواصلة ثورته حتى إقامة نظام جديد على أساس الدين..وأضاف قائلاً : "الشعوب الاخرى تراقبنا وتقتدي بثورتنا".! وفي هذا القول الأخير قد يكون محقاً، فالشعوب الأخرى راقبت كيف قمعوا ثورة شباب إيران بعد أزمة الانتخابات الأخيرة . خطبة خامنيئي هذه لا تقدم ولا تؤخر كثيراً في واقع تونس ومصر الراهن. بل تبدو أنها تعاني من حالة انفصال عن الواقع في كلا البلدين. وهي موجهة على الأرجح للداخل الإيراني ، خصوصاً بعد أحداث ثورة شباب إيران التي قمعوها.

هذه التدخلات الخارجية المباشرة والمرشحة للتصاعد إذا طال عمر الأزمة، هي التحدي الأكبر الذي يُفترض بأي رئيس حريص على مصالح شعبه العليا أن يضعه فوق كل اعتبار، حتى فوق اعتبار كرامته الشخصية التي لن يحميها ويحفظها سوى شعبه الذي أبدى استعداداً كاملاً لذلك. فهل يفعلها مبارك، بعد أن فهم أن هذه الجمعة ليست مثل أي جمعة خلت على امتداد ثلاثين عاماً؟ هل سيفهم أنها حقاً جمعة مصر العظيمة التي ستحفظ مصر وتحفظه ببركاتها وبنعمة نقاء شبابها وتسامحهم؟
هذه الجمعة، جسدت قدرة ثورة الشباب على فرض شرعية العهد الجديد، وعجز العهد القديم عن الدفاع عن شرعيته المتآكلة. وتلك هي اللحظة الحاسمة بالنسبة لكل الثورات عبر التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استبعدت روسيا ولم تستبعد إسرائيل من مسابقة الأغنية -يو


.. تعليق دعم بايدن لإسرائيل: أب يقرص أذن ابنه أم مرشح يريد الحف




.. أبل تعتذر عن إعلانها -سحق- لجهاز iPad Pro ??الجديد


.. مراسلنا: غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا جنوبي لبنان | #الظهي




.. نتنياهو: دمرنا 20 من 24 كتيبة لحماس حتى الآن