الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشهد المصري الحالي ما بين الثورة والأزمة

سامي الاخرس

2011 / 2 / 5
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


المشهد المصري ما بين الثورة والأزمة
أصبح المشهد المصري في يومه الثاني عشر من ثورة الشباب التي استطاعت أن تفرض إرادتها على نظام سياسي بحجم النظام المصري المستمر منذ ثلاثة عقود سالفة، ما يعتبر بحد ذاته الإنجاز الثوري الأكبر في التاريخ، للعديد من العوامل والإعتبارات أهمها أن هذه الثورة شبابية مدنية دون رأس قيادي، خاضها مجموعة من الشباب تبحث عن مستقبلها في واقع ممتلئ بالفساد، والظلامية المستبدة، والقهر الإنساني، وهو ما سيدونه التاريخ في هذه الثورة بأسطر من نور ونار.
بدأت ثورة الشباب المصري في الخامس والعشرين من يناير بمطالب مشروعة وعادلة، وسرعان ما استطاعت هذه الثورة أن تُخضع النظام لهذه المطالب، والشروع في الاستجابة إليها، ولصوت الشباب وهو ما اعتبر كذلك انجازاً لحجم التوقعات التي كانت سائدة من الجميع، مما منح الشباب طاقة إضافية للإرتقاء في سلم مطالبهم وسقف متطلباتهم إلى مستواها الأعلى بالمطالبة برحيل الرئيس المصري حسني مبارك عن السلطة والحكم.
لليوم الثامن والعشرين من يناير كانت حركة الشباب وثورتهم تسير في سياقها الطبيعي مستحوذة على تأييد وإلتفاف وتعاطف شعبي عام، حيث حظيت بدعم كل فئات وشرائح المجتمع العربي عامة، والمصري خاصة، ولا زالت تحظى بقدر من الدعم والتأييد والمساندة بما إنها ثورة تم إنتظارها طويلاً، واستطاعت هذه الثورة تحقيق معظم إن لم يكن كل شروطها ومطالبها وأهدافها حتى راهن اللحظة، رغم إصطدامها بالمطلب الأساسي والرئيسي المتثمل برحيل حسني مبارك عن القصر الجمهوري، وهو ما يتطلب النظر إليه برؤية واقعية وتحليلة بدقة وموضوعية بعيداً عن العاطفة والشجون، والألم الذي ينتابنا من أنظمتنا العربية.
جميعنا يبارك ويساند ويدعم ثورة الشباب المعتصم والمتظاهر بميدان التحرير، بل ولو سمح لنا لذهبنا وشاركناهم فعلياً وعملياً بحضورنا الجسدي في هبتهم المشرفة والمباركة، ولكن كل هذا لا يعني بأي حال من الأحوال النظر للنصف الفارغ من الكأس، بل علينا النظر إلى محاكاة السيناريوهات العديدة التي أحدثها تطور المشهد المصري الحالي، وتناول هذه التطورات بعين فاحصة ناقدة، قادرة على مضاهات ما يجري ويحدث في الغرف المعتمة.
الملاحظ لمنحنى الثورة الشبابية المصرية لعد يومها الثالث يدرك أن هناك العديد من القوى الخفية بدأت تعبث بثورة الشباب سواء من داخل النظام أو خارجه، وبصمات هذه القوى واضحة وجلية لا تخفى على أحد ولا تحتاج لفراسة في استدراكها والتنبه لها، حيث أن جميع الدلائل والمؤشرات تؤكد أن الفوضى التي حدثت والبلطجة كانت عملية مدبرة سعت إليها بعض القوى المتناقضة ولكنها تلاقت في ضرورة إحداث فوضى، تلاقت دون تنسيق أو تداول فيما بينها، فالهدف كان إشاعة الفوضى لإجبار الشعب المصري على الإستغاثة طالباً للأمن، وهو ما حدث فعلاً من خلال مخطط وزارة الداخلية المصرية، وهي خطيئة إرتكبها النظام ووزارة الداخلية المصرية، كان لها نتائج عكسية ومردود سلبي عليهما، في حين كان مردودها إيجابياً على الشعب المصري الذي تلاحم خلف بلده، واجتمع حول حماية المنجزات الوطنية، وتكاتف الجماهير حول الشباب ومطالبهم.
أما الإتجاه الآخر الذي أتضحت بصماته جيداً في إدارة الأزمة من خلف ستار الشباب وثورتهم هو العملية المنظمة لإطلاق سراح المساجين وخاصة مساجين الرأي السياسي، وخلية حزب الله التي استطاعت أن تغادر مصر بعملية استخبارية دقيقة وناجحة خلال أيام فقط، مما يؤكد سعى بعض القوى لإحداث تحول ما وخاصة جماعة الإخوان المسلمين التي لن تترك المشهد الحالي دون تخطيط ونشاط استراتيجي، فما حدث ويحدث بمثابة فرصة تاريخية لهذه الجماعة لتنقض على النظام المصري الذي حاربها طويلاً، وما طرح شعاراتهم بعدم ترشيح مرشح للرئاسة، أو ترشيح نسبة معينة للبرلمان المصري سوى شعارات مرحلية تدرجية تتعامل مع المراحل بحرفية سياسية، وعقلية مدركة لمجرى الأحداث، وعليه فإن الشعارات المطروحة في المرحلة الحالية هي شعارات استهلاكية سياسية لحظية لإدارة الأزمة، وهو ما ينم عن دقة في التخطيط والانتقال من مرحلة لمرحلة وفق تسلسل سياسي وزمني، وما يؤكد ذلك سيطرة الإخوان المسلمين على الأحداث يوماً تلو يوم، وهيمتتها على المشهد السياسي الحالي. والقارئ الجيد لنهج وسياسات الإخوان المسلمين العامة يستدرك ذلك، ومن يدرس بعمق تجربة حركة حماس في غزة بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية يستطيع قراءة الخطوط العامة والسناريوهات المحبكة جيداً للسيطرة على الأمور في مصر، وهو ما يتضح يوماً تلو يوم في المشهد الحالي الذي تحول من ثورة لمأزق، وربما التحول في مواقف العديد من قوى المعارضة المصرية مثل" حزب الوفد، والناصريين، والتجمع" على وجه الخصوص يأتي في سياق الفهم العام لهذه الأحزاب أين تتجه الأمور، وإدراكها لموازين القوى التي استبدلت، والمتعمق بتصريحات السيد بدوي رئيس حزب الوفد ومطالبته للشباب بتشيكل جسد منظم باسم حركة أو تجمع 25 يناير يدرك من خلف التصريح العديد من القراءات الاستباقية التي تستهدف تفويت الفرص على العديد من القوى من الاستفراد بحركة الشارع والشباب، والترتيب لعملية استباقية سياسية تستهدف سيناريوهات مستقبلية واضحة تلتف على محاولات احتواء ثورة الشباب.
السيناريو الآخر المتعلق بتدخلات خارجية اتضح منذ اليوم الأول، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية واللاعب الصامت المترقب والمتحفز والمتابع اسرائيل من جهة، والغرب والقوى الدولية الأخرى من جهة أخرى، حيث تمارس هذه القوى ضغوط على الرئيس حسني مبارك إعلامياً فقط، كإشارات ودلالات بإنها مع ثورة الشباب، ولكن حقيقة الأمر وبواطن الحقيقة تفضى بأن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تلعب على عامل الزمن، حيث تسعى جاهدة إلى ترسيخ البدائل التي تثق بها، وترسيخ أقدام هذه البدائل وبسط سيادتها وسطوتها ثم إجبار الرئيس حسني مبارك على نقل صلاحياته، أو التنحي أو إيجاد صيغة عقلانية ومنطقية ترضى كل الأطراف، وهو ما يتم حالياً في المطبخ الأمريكي – الإسرائيلي بدقة وتروي. وربما مخاطبة نائب الرئيس من قبل الشخصيات والمؤسسات الدولية، والدول ما هو سوى مؤشر على ذلك، ودليل قطعي بأن الرئيس حسني مبارك قد إنتهت صلاحياته الفعلية منذ خطابة الأخير الذي تعهد فيه بعدم الترشح لولاية جديدة، وتعديل بعض بنود الدستور، مما يعني تنحي رسمي عن السلطة، وانتهاء أي دور أساسي له، وإنما استكمال فترته الدستورية أمر شكلى رمزي، يستهدف الحفاظ على عملية نقل السلطة دون فوضى أو إرباكات تؤدي لنتائج غير متوقعة، وتفويت الفرصة على القوى التي تحاول الانقضاض على السلطة في مصر، إضافة للحفاظ على رمزية الرئيس حسني مبارك وعدم إهانته وبعثرة هيبته وتعريضه لملاحقات مستقبلية، وهو ما يتوافق مع رئيس بحجم حسني مبارك. وهو ما يتعارض مع مخطط الأخوان المسلمين الذين يريدون تسلسل المراحل وإخراج حسني مبارك عنوة وتحت ضغط جماهيري ليتسنى لهم تنفيذ المرحلة التالية وفق السيناريوهات المعدة والمخططة، وهو ما تدركة الولايات المتحدة الأمريكية والنظام المصري، وأدركته العديد من القوى المختلفة.
عليه فإن جميع هذه القوى استدركت وتستدرك هذه الحقيقة، وتحاول التدرج العقلاني في خطواتها بناءً على ذلك.
المشهد المصري الحالي غاية في التعقيد، تنسج خيوطة وملامحه من الغرف الخلفية سواء على مستوى القوى المحلية المصرية، أو الإقليمية التي علا صوتها وعبرت عن مواقفها علانية مثل إيران، أو القوى الدولية الممثلة بالولايات المتحدة، لإعتبارات ثقل مصر السياسي في المنطقة، ودورها الاستراتيجي سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. وهو ما يوحي بأن المشهد المصري لن ينتهي نهاية دراماتيكية كالتي حدثت في تونس، ولن ينتهي بفوضى بل سيخضع لترتيبات يتم إعدادها بدقة تتوافق مع سياسات المنطقة ومخططها يتم التوافق عليها بأطراف اللعبة السياسية الدولية، لن تجبر الرئيس حسني مبارك على الخروج الآني من السلطة لأن الدور الرمزي المناط به كبير جداً في المرحلة الحالية.
أمام هذه الحالة المتشابكة يبقى السؤال الأهم اين ثورة الشباب من هذه المعركة؟ هنا لابد من التوقف طويلاً واستيعاب سيناريوهات المشهد وقرائته قراءة متأنية ودقيقة وعميقة، لأن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد بأن الشباب المصري سيكون ضحية هذه القوى، وكبش الفداء للمخطط، فما يجري حالياً معركة سياسية تقودها العديد من القوى، حيث يحاول كلاً منها فرض إرادته ورؤيته بوسائله الخاصة وأدواته، وما طرح الشعارات الحالية إلا عملية خداع للرأي العام وللشباب الثائر، وهو ما يتضح بين السطور في العديد من التصريحات والممارسات التي شهدتها مصر بعد يوم" جمعة الغضب".
في كل الأحوال إن المشهد المصري اتضحت بعض معالمه، وأهم هذه المعالم أن الرئيس المصري حسني مبارك قد سقط عملياً، ورسمياً أصبح في عداد المحتضرين، ووجودة ما هو سوى لإعادة الترتيب بدون إرباكات أو مفاجآت غير متوقعة أو محسوبة، وللحفاظ على استقرار جارة إسرائيل الكبرى، حتى يتم تثبيت البدائل المعدة لقيادة مرحلة ما بعد مبارك، وهو ما يتم الإعداد له على قدم وساق وبسرعة متواترة، مع الحفاظ على سياسة الدعم للشباب المتحفز الثائر، وحمايتهم من أي قمع قادم لأن وجودهم في ميدان التحرير ضرورة حتمية لما يدور حالياً، يقابل هذه الدور دوراً آخر لبعض القوى الأخرى التي تحاول دفع قواها وأدواتها في المشهد من خلال الشباب وتسيير الأمور بميزان رؤيتها الهادف للمشاركة في مرحلة ما بعد مبارك.
الخلاصة العامة للمشهد هو الخشية من أن الضحية الكبرى أو القربان للمرحلة الذي يتم تقديمة هو الشباب المصري وثورته المقدسة وتمزيق جسد ومنجزات هذه الثورة في ساحة لاافتراس الاقليمي- الدولي- المحلي، التي تتصارع قواه حالياً فيما بينها لرسم ملامح المرحلة القادمة في مصر، خاصة وإنها فرصة ربما لن تتكرر مرة أخرى بهذا الزخم والحجم والإرادة.
سامي الأخرس
5- 2 -2011م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستيف بانون.. من أروقة البيت الأبيض إلى السجن • فرانس 24


.. فرنسا: حزب الرئيس ماكرون... ماذا سيقرر؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. أوربان يزور أوكرانيا ويقترح وقفا لإطلاق النار للتعجيل بإنهاء


.. فرنسا: التعايش السياسي.. مواجهة في هرم السلطة • فرانس 24 / F




.. كبار جنرالات إسرائيل يريدون وقف الحرب في غزة حتى لو بقيت حما