الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكام العرب لا يحكمون بل ينفذون أوامر الخارج لأنهم حكام متخارجون

محمود جلبوط

2011 / 2 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لم يكن مبارك على مدار فترة حكمه سوى خادما أمينا لمصالح الامبريالية الغربية وبشكل خاص الصهيونية منها , تماما كزميله المخلوع بن علي , وهذا ينطبق على جل الحكام العرب مشرقا ومغربا , بعكس ما يدعي المنافحون عنه من رجال الأعمال والعسكريين من أعوانه تبجحا كشريحة ساهمت إلى جانب عائلته في نهب مصر والمصريين , وتحاول جاهدة لخدمة مصالحها الدفاع عن وجوده ولو أصبح خيال مؤاتة , وكونه مشروعا استثماريا أكثر من جيد سيبذلون كل جهودهم لديمومته , لذلك جندوا بلطجيي المجتمع المصري والكثير من الانتهازيين السياسيين الذين وصل بهم الأمر هذه الأيام على سبيل النكتة ومهزلة للتاريخ باتهام انتفاضة الشباب بالعمالة ل"إسرائيل" وأمريكا والدفاع عن النظام كونه حام حمى مصر ومصالحها , لقد هزلت .
إن جميع الحكام العرب ليسوا إلاّ دمى في مسرح عرائس يحرك حبالها الخارج , أصابع الاحتكار الغربي , يحركها وفقا لهوى مصالحه ومن أولى هذه المصالح حماية أمن الكيان الصهيوني ودعم ديمومته لجعله القوة المهيمنة في المنطقة العربية كقاعدة عسكرية استيطانية قوية لهم , وقد التزم النظام المصري بهذه السياسة على مدار فترة حكمه بامتياز ورهن أمن مصر وأمن الشعب المصري بل العربي كله في سبيل ذلك , على عكس ما يدعي المدافعين عنه اليوم باعتباره قائدا فذا ومقاتلا شرسا قد دافع عن أرض مصر وحرر سيناء وحمى المصالح المصرية , ليس هذا وحسب بل ذهبوا بأن بقاءه صمام أمان لأمنها وبقاءه , وفي الحقيقة أن بقاءه صمام أمان لأمن الكيان الصهيوني .
واليوم عندما يتدافع زعماء الغرب للمطالبة السريعة لاستبدال مبارك ليس سوى محاولة حثيثة لتبديل هذه الدمية من مسرح عرائسهم لأنها بالت وأصبحت عاجزة عن أداء مهماتها بعد أن كسرتها وهشمت هيبتها الانتفاضة المصرية الأخيرة هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى خشية من تحول الانتفاضة المصرية لو تجذرت إلى ثورة حقيقية من أجل استقلال مصر وإعادة هيبتها الحقيقية إن طورت شعارها الحالي من " الشعب يريد إسقاط النظام " إلى شعار " الشعب يريد إسقاط التبعية وإنهاء الاستعمار" فتكون سابقة يخشى الامبريالي الغربي أن تؤسس لمصر دورا طليعيا إن انتصرت , دورا ثوريا حقيقيا هذه المرة , يسعى لتحرير الأرض العربية المغتصبة وقيادة حركة تحرر عربية في مواجهة الأطماع الاستعمارية الغربية الصهيونية في المنطقة العربية فتصبح قاطرة نهضة عربية جديدة ولكنها مكتملة هذه المرة .
لهذا فإن ما يحاوله الغرب وعلى رأسه أمريكا , صاحب مسرح العرائس , بكل ما أوتي من خداع , لتوظيف كل الأطراف التي تدور في فلكه في مصر بأسرع ما يمكن لفرملة مسيرة الانتفاضة فيها وشد شعارها المتقدم " إسقاط النظام " إلى الخلف ليصبح " إسقاط الرئيس " فتجهض الانتفاضة بمعية عناصر قوى الثورة المضادة .
ومن هنا يمكن تفسير التبدل السريع في الموقف الأمريكي الملحق بالأوربي وموقف الأمين العام "للأمم المتحدة" وطلبهم الملح من العسكر الاستعجال ( الآن!!) للبحث عن دمية أخرى بديلة لمبارك بعد أن هشمتها الانتفاضة وهذا ما يفسر أيضا النشاط المحموم الذي تقوم به السفارة الأمريكية في مصر من إجراء مفاوضات مع البرادعي وسواه من الأشخاص واللجان واتصالاتها المكثفة مع قيادة الجيش المصري لإدارة الأزمة والبحث عن حلول تحافظ على الهيكلية الأساسية للنظام في مصر التي أسستها في عهد السادات ثم بنت عليها بعد ذلك من خلال حرب الخليج الأولى التي شارك النظام المصري إلى جانب أخواته من النظم العربية فيها بتحطيم العراق والقضاء على أي إمكانية لبناء جبهة عربية شرقية تعوض الخلل الذي أحدثه خروج مصر من معادلة الصراع العربي الصهيوني إثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد .
إن النظام المصري يمثل بالنسبة لها دعامة أساسية في خطة سيطرتها على المنطقة العربية لما يتمتع موقعه الجغرافي من أهمية استراتيجية بين آسيا وأفريقيا : ملاصقته لابنها المدلل الكيان الاستيطاني الصهيوني في فلسطين الذي كيّف كل سياساته بناء على "سلامه " مع هذا النظام , ولدوره الأساسي في حماية أمنه وضرب المقاومة الفلسطينية وحصارها وقربه من حقول النفط وقربه من السودان وما له من تأثير على عملية تقسيمه ودوره الهام في شبكة نظامها الإمبراطوري ككل بعد أن جربته بنجاح من خلال التزامه الذي لا يفل عبر مشاركتها بتحطيم العراق وتقسيم السودان وحصار المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لحماية أمن الكيان الصهيوني وقيادة مسيرة التطبيع معه والصهينة لصالحه عربيا .
قايضت أمريكا مساهمة النظام المصري العسكرية إلى جانبها في تحطيم العراق أثناء حرب 1991 بشطب بعض ديونه المترتبة عليه لها وللبنك الدولي من خلال "وصفة طبية" يتعهد النظام بموجبها إتباع سياسة تقشف يتم خلالها رفع دعم "الدولة" المصرية لأسعار السلع الضرورية وخصخصة الاقتصاد وبيع مؤسسات قطاع الدولة وإلغاء برنامج الإصلاح الزراعي والارتهان لاقتصاد السوق مما أدى إلى فوضى عارمة في الاقتصاد المصري , جاع بموجب هذه "الوصفة" الشعب المصري بينما اغتنت ثلة قليلة من المرابين والمقامرين والبلطجية يستميتون اليوم كما نراهم للدفاع عن النظام لدرجة دهس المواطنين المحتجين الذين يتظاهرون في شوارع مصر بسياراتهم . وفي هذا الصدد ينبغي التنويه أن النسبة العظمى من هذه الديون قد ذهبت في الواقع للتسلح العسكري لجيش النظام وأجهزته الأمنية الذين وظفا دائما لحماية مصالح أمريكا في المنطقة وأمن الكيان الصهيوني لا حماية أمن مصر كما يدعي المتباكون على هذا النظام من أزلامه وبعض المضللون من الشعب , في حين كان ما يقارب المليوني مصري يعملون في العراق في مجال الفلاحة وغيرها قبل تحطيمه .
هذه "الوصفة السحرية" للبنك الدولي هي نفس الوصفة التي لعبت الدور الأساسي في إفقار الشعب التونسي ودفعته للانتفاض ضد نظامه وإسقاط رئيسه .
ينبغي الإقرار إن قرار تعيين هؤلاء الطغاة في بلادهم صادر عن واشنطن : من طاغية تشيلي الراحل بينوشيه , وطاغية الأرجنتين فيديلا , وطاغية هاييتي بيبي دوك , إلى طغاتنا العرب , وأن ما يجمع بين أنظمة هؤلاء الطغاة ومصالح رأس المال الاستعماري علاقة بنيوية , ولكي تتحقق الحرية الحقيقية في بلادنا ينبغي الهجوم على هذه العلاقة وكسرها كخطوة تالية لإسقاط الدمى , وفي أثناء ذلك ينبغي على الحركات الاحتجاجية والانتفاضية ألاّ تنسى سيد مسرح الدمى , وأن تكون متنبهة لما يدور من حولها , وأن تحيط بما يجري وما يدور في أروقة السفارة الأمريكية في بلادها والبعثات الأوربية والتبشيرية , ولبرامج البنك الدولي والبنك العالمي , لإنهم أصحاب السلطة الحقيقيين والدكتاتورية الفعلية التي ينبغي إسقاطها إن أرادت الانتفاضة أن تكتمل إلى ثورة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو