الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيعة والحكومة السعودية: من يحتاج لصك غفران من الآخر

علي فردان

2004 / 10 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


فجأة تَذّكرت صحفنا ومجلاتنا وتلفزيوننا وإذاعتنا، فجأة تذكّروا أن هناك شيعة في السعودية، هؤلاء الشيعة يقطن معظمهم شرق البلاد، كذلك في غربها، في جنوبها، ووسطها وفي كل منطقة تقريباً؛ إضافةً إلى كونهم من الشيعة، فهم أيضاً مسلمون، مثل بقية المواطنين من الأخوة السُنّة. يبدو أيضاً أن هؤلاء الشيعة يحتاجون لصكوك غفران من الحكومة السعودية ومن مؤسسات الدولة المختلفة قبل أن يتم الاعتراف بهم، فهم لازالوا "عملاء وخونة" ولا تنطبق عليهم صفة المواطنة.
بدون مقدّمات، ظهر العديد من الشخصيات الشيعية على الصحافة المحلية تتبرأ من تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص الحريات الدينية في السعودية، البعض كّذب التقرير جملةً وتفصيلاً، والبعض الآخر أشاد بالحكومة السعودية، والبعض انتقد استغلال الوضع الشيعي وطالب بتنفيذ توصيات مؤتمرات الحوار الوطني حتى لا يتم استغلالها من قبل الأعداء. وبدون مقدّمات أيضاً، ظهرت وكالة الأنباء السعودية كمصدر لبيان الشيخ حسن الصفّار، وهي أول مرة تقوم فيها الوكالة بنقل خبر من مصدر شيعي. لكن يبدو أن كل ما يحصل للشيعة من اضطهاد تم ذِكره في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، وكل ما يعيشه الشيعة من واقع مؤلم، كل ذلك لم يُغيّر في سياسة الحكومة السعودية.
في المقابلات الصحفية للشخصيات الشيعية خلال الفترة الزمنية القصيرة السابقة، وهنا أذكر مثالاً، الشيخ حسن الصفّار، كانت الأسئلة تنصب حول ممارسة التقية، الموقف من الصحابة، الولاء للمذهب وليس للوطن، الانغلاق الشيعي، العلاقة مع إيران، وكأن هذه المقابلات ليست مع قناة العربية، أو صحيفة عكاظ أو المدينة، بل في مكاتب وزارة الداخلية، قسم المباحث بالتعاون مع مشايخ المجلس الأعلى للإفتاء الذين لا زالوا يكفّرون الشيعة ويعتبرونهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى،. من هذه اللقاءات والمقابلات، يبرز لنا الوجه القبيح ليس للإعلام المحلي فقط، بل للحكومة السعودية أيضاً التي تمارس التمييز والاضطهاد ولا زالت مستمرة فيه، وتريد من الشيعة، وهم الضحايا، صكوك غفران وشهادة حسن سيرة وسلوك حتى "لربما" في المستقبل يمكن أن "تفكر" الحكومة في اعتبار الشيعة مواطنين. هذا يحدث وآبار نفط القطيف تضخ ملايين البراميل يومياً لتسقي اقتصاديات العالم المتعطشة له، وإيرادات بالبلايين من الدولارات تصب في جيوب آل سعود، كل ذلك لم يشفع للشيعة بأن يكونوا مواطنين، ولا حتى اعتبارهم من المسلمين.
الشيعة عانوا الاضطهاد على مدى عقود منذ نشأت الدولة السعودية، ولكن الحكومة السعودية وتحت ضغوط الإرهابيين وهم ليسوا شيعة، وتقارير أمريكية عن نوايا مستقبلية لتقسيم المملكة وفصل المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، أصبحت الحكومة في حالة خوف، فبدت بالحديث عن الشيعة وأنهم مواطنون مخلصون مثل غيرهم. هل كان الشيعة غير ذلك قبل تفجيرات سبتمبر؟ هل كان الشيعة غير ذلك خلال تحرير الكويت؟ هل كان الشيعة غير ذلك عندما قبلوا بحكم عبدالعزيز على أن يتعاونوا مع البريطانيين ليحصلوا على دولة باسمهم؟ ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي شاخصة أمامنا، وهي أننا إلى الآن لم نحصل على شهادة حسن سيرة وسلوك بعد، ولربما نحتاج عقوداً ليتم ذلك.
زيارات مسؤولين للمنطقة وتصريحات مسؤولين آخرين عن التسامح والمواطنة لم يغيّر من الواقع المعيشي للشيعة. مطالب الشيعة تضمّنتها مذكرة شركاء في الوطن، وقبلها معاريض منذ زمن الملك عبدالعزيز، مروراً بالملك سعود وفيصل وخالد والملك فهد، وأخيراً إلى الأمير عبدالله. لماذا يحتاج الشيعة لإعادة كتابة كل ما سبق المطالبة به؟ الإجابة هي أن الحكومة السعودية لا تعتبرهم جزءاً من الوطن، بل عملاء إذا ما حان الوقت المناسب سيتم تصفيتهم أو على أقل تقدير تحجيمهم وإجبارهم على الصمت؛ الصمت عن طريق الدبابات والمدرّعات والرشاشات ذات العيار الكبير، كما حدث في انتفاضة 1400 هجرية. أصبحت تلك الانتفاضة مثل مسمار جحا، فالشيعة كما قال العديد من المسؤولين هم من تسبب في ما حصل لهم من اضطهاد وتهميش لأنهم تظاهروا عام 1400 هجرية؛ أمّا لماذا تظاهروا، فهذا السؤال لا تُريد الحكومة الإجابة عليه. إصرار الحكومة على تهميش المناطق الشيعية في مجال التنمية انعكس على حياة أفرادها وجعل تلك المناطق تعيش في عالم من التخلف والفقر مقارنةً بباقي مناطق المملكة التي نمت بفضل نفط منطقة القطيف، هذا هو محور الخلاف.
تتحدث الحكومة عن الشيعة بطريقة تُفهَم على أنهم متّهمون إلى أن تثبت براءتهم، وأن الشيعة هم من يُلامون؛ لأنهم "غير منفتحين" وما حصل لهم من اضطهاد وتهميش وتمييز على كل المستويات لم يكن بمباركة الحكومة ولا بدعمها ولا بفتاويها ولا بكتبها التي تطبعها وتوزعها في كل مكان. لذلك على الشيعة الآن أن يطلبوا الصفح والغفران من الحكومة، كما تطلب الحكومة من الإرهابيين الذين نبتوا تحت قبب مساجدها وعلى ألحان أناشيد الكراهية في الكتب المدرسية والفتاوى والإذاعة والتلفزيون.
بدل أن تطلب الحكومة صك غفران من الشيعة لما تسبّبت لهم من ضرر خلال السبعين عاماً الماضية ولا تزال مستمرة في غّيها، بدل أن تتحدث الحكومة عن الماضي وتعتذر لما لطّخته أيديها بدماء الشيعة، بدل أن تطلب الحكومة صك غفران والصفح من الشيعة لأنها قائمة على نفط منطقتهم، بدل أن تُعلنها على الملأ بأن الشيعة قد عانوا من التمييز في الماضي وأنه يجب تعويضهم عنها وبشكل فوري الآن، تطلب الحكومة من الشيعة أن يمارسوا دور التائب والعائد للطريق القويم.
المطلوب اليوم من الشيعة أن يعترفوا أمام الحكومة بأنهم كانوا مخطئين لأنهم طالبوا بحقوقهم، أن يطلبوا الصفح والغفران لأن قضيتهم سمع عنها القاصي والداني، وأن يركعوا تحت أقدام المسؤولين لأنهم السبب في ظهور تقارير دولية تبين الاضطهاد الحكومي المنظم ضدّهم؛ بل المطلوب منهم أن يدينوا أي جهة تتحدث عن مأساتهم في وطنهم، تتحدث عن التمييز ضدّهم في الأعمال والوظائف، في المقاعد الجامعية، في المناصب الحكومية، وفي مجال التنمية لمناطقهم. المطلوب من الشيعة هو الوقوف مع الحكومة السعودية بشكل يثبت ولاءهم الغير مشروط ضدّ كل من يتحرّك ويتحدّث عن مظلوميتهم لأنهم - كما كانوا من قبل - دائماً يقدّمون مصلحة الآخرين على مصالحهم. هم الشيعة فقط من يُلدَغ من جحره ألف مرة ولا زالوا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكي مدان بسوء السياقة ورخصته مسحوبة يشارك في جلسة محاكمته


.. ثوابيت مجهولة عند سفح برج إيفل في باريس • فرانس 24




.. جنوب أفريقيا: حزب المؤتمر الوطني ينوي إجراء مشاورات لتشكيل ح


.. ولي العهد الكويتي يؤدي اليمين الدستورية نائبا للأمير | #مراس




.. تواصل وتيرة المعارك المحتدمة بين إسرائيل وحزب الله