الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختفاء رباب ماردين1

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2011 / 2 / 6
الادب والفن


(جزء من رواية لم تنشر للكاتبة)

كانت أمسية دافئة، هادئة، والسماء خالية من القمر، منثورة النجوم. تنفست عميقا هواء الليل الذي هبّ من البحر محمّلا برائحة الأشجار العطرة. حاولت أن أنظّف رأسي من الأفكار.
وبعد دقائق، فوجئت بصوت من خلفي.
"لماذا أحسّ انك تتجنّبينني يا آنسة؟" كان ذلك حسام. إقترب مني وفي يده فنجان القهوة. "أتبغضينني الى هذا الحد؟" سأل بلهجة لا تخلو من السخرية.
حدّقت في عينيه وانا ابحث عن رد لائق. قلت بعد لحظة: "إعترف انك لم تكن لطيفا معي الى الآن."
رأيته يومئ برأسه موافقا. "فعلا. عليّ الإعتراف بذلك." قال. ثم أضاف: "ولكنني... بصراحة... لا أريدك ان تبغضينني."
"وماذا تريد اذن؟" سألته مستغربة.
فكّر قليلا قبل ان يرد. ثم قال: "أريد ان نكسر الحاجز بيننا."
"لماذا؟"
"لأننا نعيش في بيت واحد. ولأنني... أحسّ اننا سنتفاهم."
"على ماذا؟"
"على التعايش بسلم في بيت واحد. وربما... استطعنا ان نكون... أصدقاء."
قلت متعجّبة: "ببساطة؟؟"
" أليس ذلك أفضل من ان نتجنّب بعضنا؟"
فكّرت في كلامه وانا أدرس ملامحه. وبعد لحظات... أجبته وانا أبتسم له بشماتة: "لا أمانع ان نبقى كما كنا الى الآن!"
ارتفعت ابتسامة غريبة على شفتيه. "فهمت." قال. "معك حق. اعرف انني لا اشدّك، ولا أثير نطفة من اهتمامك... كما يفعل أخي."
ادهشني كلامه. أحسست في نبرته بغيرة مبطّنة. قلت: "انت غريب الأطوار."
"وهذا ليس بجديد." رد ببساطة.
تأمّلت وجهه للحظات وانا اقلب الأمر في رأسي. خالجني شعور بأن هذا الرجل، الذي نفرت منه منذ لقائنا الأول، ربما يملك وجها آخر غير الذي عرفته، وربما يكون متملّقا لسبب ما أجهله. ولكنني لن أخسر شيئا ان مالقته انا الأخرى.
قلت له: "حسنا. سأبدأ بكسر الحاجز اذا سمحت."
"افعلي من فضلك."
"انت ووسام... لا تتصرّفان كالإخوة. هناك شيء غريب بينكما. أليس ذلك صحيحا؟"
اضطربت ملامح وجهه قليلا وبدا عليها الإرتباك. بعد لحظة، نظر اليّ وقال بجدية بالغة: "سأقول لك شيئا، ولا أدري ان كنت تعلمين... ولكننا نصف إخوة فقط."
بهتُّ لكلامه. "لم أعرف ذلك." قلت.
"هذه هي الحقيقة. والد وسام كان الزوج الأول للسيدة ماردين، وكان مريضا. وبعد وفاته، تزوّجت من والدي وأنجبتني. حتى شادية... ولدت من زوجها الثالث."
"لم اعرف ان السيدة ماردين تزوّجت ثلاث مرات." قلت بدهشة.
"يعني اننا، نحن الثلاثة، نصف اخوة فقط، من ام واحدة. ربما لهذا نختلف كثيرا عن بعض، وكأننا لسنا اخوة. وسام كان دائما الإبن المفضّل والمحبّب الذي يغمر البيت بالفرح بلطافته ودماثته وخفّة ظله. هكذا كان دائما. لم يكن عليه ان يبذل اي جهد لكسب اعجاب الجميع، وخاصة في محيط النساء. كانت له دوما شعبية كبيرة منذ صغره. حتى النساء اللاتي كان ينفرهن كنّ يلاحقنه دون توقّف. لا أدري لماذا. ولكنني متأكّد ان بإمكانك انت ان تعرفي السبب افضل مني. انه يقضي أيامه في اللهو والمتعة. اما انا... فلست كذلك. كنت فظّا طوال حياتي. ولا أجيد كسب اعجاب احد. أقضي أيامي في أعمال الشركة ومتاعبها ولا اعرف الدبلوماسية واللطافة واللباقة. هكذا كنت دائما. وهكذا كان هو دائما. أترين الآن الفرق بيننا؟"
"ولكنك تزوّجت. ولا بد انك كسبت اعجاب زوجتك." قلت.
انسرحت عيناه بالتفكير ولم يرد.
زحف الصمت بيننا. فكّرت بما يكون قد أحسّ وهو يرى أخاه الأكبر محبّبا ومفضلا وهو الذي يمقته الجميع. انه لم يقل الكثير عن نفسه، ولكنني تخيّلت كم كان صعبا عليه هذا الأمر.
بعد لحظات... توجّه اليّ. "أريد ان أسألك شيئا." قال بجدية تامة. "لماذا أحسّ انك مهتمة برباب بشكل خاص؟"
ارتبكت قليلا. قلت بافتعال: "هل افعل ذلك؟"
"نعم. انت مهتمة بأمرها وتريدين بشدة ان تعرفي عنها كل شيء."
"الكل يريد ان يعرف." قلت. ثم نظرت الى وجهه، وسألت مستغربة: "هل تعرف انت ماذا حصل لها؟"
ردّ: "ربما."
صوّبت نحوه نظرة صلبة، وقلت: "أخبرني، ماذا تعرف؟"
ولكنه لم يقُل شيئا.
"أتظن أنها هربت؟" سألته من جديد.
"ربما."
"وربما... ماتت؟!"
زفر أنفاسه، وأجاب: "ان كانت قد ماتت لوُجدت جثة."
"وان كانت قد هربت، فما الدافع؟"
"انت تسألين أسئلة تحتاج اجاباتها الى معرفة شاملة للأحداث."
"أخبرني."
نظر اليّ نظرة حادة، لاذعة، ولم يقل شيئا.
فقلت برقة: "ألم نتّفق ان نكسر الحاجز؟"
"وقد كسرناه. فوجدت انك مهتمة برباب اكثر مما تصوّرت."
قلت وانا أحاول ان أخفي ارتباكي: "أعترف اني افعل ذلك. أريد ان أعرف ماذا حدث معها في هذا البيت."
"لماذا؟" سأل بتعجّب شديد.
"لأنني..." تمتمت. "لأنني... أحب ان اعرف. انه الفضول. انت كنت زوجها... أعني انك مازلت زوجها. لا بد انك تعرف شيئا."
"انت تفاجئينني يا آنسة مدنية."
"ألا تريد ان نكون... أصدقاء؟"
"أصدقاء؟"
"ألم تقترح ذلك قبل قليل؟"
"ماذا تعنين بالضبط... بأصدقاء؟" سأل بارتياب.
"أعني أصدقاء... يتبادلون الثقة."
"ولكنني أحسّ ان من وراء اهتمامك وفضولك سر لا تكشفين عنه. وكأنك... كأنك كنت تعرفين رباب!"
ارتعش قلبي لسماع ذلك، وأحسست ان وجهي قد امتقع. لم اتفوّه بكلمة.
ثم قال برقة لم أعهدها فيه: "لِم لا تخبرينني ما تخفينه؟"
تأمّلته بدقة. "ما زلت لا اعرفك." قلت له.
أومأ رأسه بتفهّم ولم يقل شيئا. وبعد لحظة من التفكير سأل بفضول: "هل يعرف وسام بالأمر؟"
"لا."
"لماذا؟"
وبعد شيء من التفكير... أجبت: "لسنا أصدقاء الى هذا الحد."
لمحت ابتسامة غامضة تعبر شفتيه، وكأنه كان سعيدا لسماع قولي. وفي الحقيقة، كنت سعيدة انا ايضا. اكتشفت في ذلك الرجل وجها آخر لم أكن أراه من قبل. وكنت سعيدة لما زوّدني به من معلومات جديدة. لمست فيه رقّة لم أعهدها من قبل، والرجل الفظّ، الشامت والمقيت اختفى كأنه لم يكن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماذا لو تمردت شخصية الرواية وقالت
لحسن وزين ( 2011 / 2 / 7 - 20:38 )
الافكار الجميلة مهما كانت رائعة وجذابة فهي لاتصنع واقعا جميلا بشكل تلقائي فلكي يكون الانسان جديرا بقيمتها والشعور بعمقها لابد ان يدفع جزء من حياته وهو في ذلك مع مرور الزمن يكتشف انه لم يخسر سوى ما هو اسوا فيه كالانانية والانغلاق النفسي والمعرفي والاجتماعي واتسعت دائرة اخوته وحبه وانسانيته بما يتجاوز الاقربين اليه من اطفاله وزوجته وعشيرته ...وكثيرا ما نخنق اصوات الاخرين لاننا لم نوسع الرؤية لنرى الوجوه والانوات الاخرى التي يحملونها في اعماقهم وكثيرا ايضا ما تحكم ضيقنا في سرعة احكامنا لاننا ببساطة كنا ننصت لانفسنا دون ان نمنح حق الكلام للاخرين والرواية الرائعة هي التي تميل الى تعدد الاصوات بعيدا عن تسلط السارد الخائف من شيءقد يضيع منه او ينكشف


2 - انتي عربية
ماجدي ماجد ( 2011 / 2 / 19 - 17:31 )
سيدة حواء

ما بعرف اذا بتذكري نقاشنا عموضوع جنسيتك

بتمنى تشوفي هذا الرابط
http://www.youtube.com/watch?v=r7AP7fFIa-k&feature=player_embedded#at=286





3 - يشرفني ان اكون عربية
حوا بطواش ( 2011 / 2 / 19 - 18:27 )
ما يقوله عزمي بشارة صحيح ولكنه ينطبق اكثر على الاقليات المسلمة في الدول العربية. الاختلاف عندنا اننا نعيش في دولة عبرية والعرب فيها اقلية لها مشاكلها الخاصة التي لا تنطبق علينا نحن الشركس لأن وضعنا مختلف ومشاكلنا اصغر وعددنا قليل جدا. هو يقول ان اساس الثقافة العربية قائمة على اللغة العربية، ولكن، من قال اننا نعرف العربية؟ انا اعرفها ولكن اغلبية الشركس في اسرائيل لا يعرفونها الا قليلا واللغة العبرية هي السائدة اكثر. ولكن انا شخصيا يسعدني ويشرفني ان اعتبر نفسي جزءا من الثقافة العربية التي احبها جدا، ويا سيدي لعيونك سأقول اني فلسطينية كمان ليش لأ؟! لا مشكلة عندي على العكس. انا قلت لك فقط ان جنسيتي على الهوية هي اسرائيلية وهذه الحقيقة. بس انا لحد الان ما فهمت انت معي ولا ضدي؟ ارجو ان تكون معي لأن الاختلاف بيننا بسيط جدا.
تحياتي لك


4 - معك بس كثير
ماجدي ماجد ( 2011 / 2 / 20 - 06:58 )
أشكرك على تفضلك بالرد.

أنا لست ضدك بالمطلق ولست معك على طول الخط ...

لكن أود أن أضيف أن الشركس مسلمين (لحد علمي)، ونزوحهم للمنطقة العربية وخصوصا بلاد الشام ومنها فلسطين كان قبل مجيئ بني صهيون وقبل قيام دولة -إسرائيل-، وهذا يعني لي وللعالم أن إختياركم للمنطقة العربية لم يكن عبثيا، وإنما لانتماءكم بشكل او باخر الى الدين الذي يؤمن به أهل تلك المناطق.

وكتطور طبيعي، ونتيجة لنزوحكم لتلك المناطق منذ مئات السنين فاصبحتم أهلا لتلك المناطق، لكم انتماء عربي حتى لو كانت الاصول مختلفة .. فانت فلسطينية قبل ان تكوني اسرائيلية .. ولا يعني ذلك إهمال حقيقة تاريخية ربما تزول مستقبلا إن شاء الله، وهي انك الان تحملين وثيقة -إسرائيلية-.

ولعيونك أيضا .... أهلا وسهلا فيكي.

اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا