الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطن الذي يسأل أبناءه رأيهم

نارت اسماعيل

2011 / 2 / 7
الادب والفن


رأيت حلمآ، رأيت نفسي وقد ارتديت أجمل ملابسي وذهبت إلى أحد المراكز التي أقامها وطني، وجدت الناس هناك فرحين مبتسمين، تقدّمت من الموظفة وسلمتها هويتي، رحبت بي وسجلت إسمي ثم أعطتني ورقة صغيرة، شرحت لي ماذا علي أن أفعل، وضعت علامة على المربع الذي يعجبني ثم تقدمت من الصندوق
لأن هذه هي أول مرة يسألني فيها وطني عن رأيي، فإنني لم أرغب أن أفقد تلك اللحظة الجميلة بسرعة، رغبت بإطالة الزمن قدر المستطاع، أدخلت قسمآ من الورقة في الفتحة ثم توقفت كما يفعل الرؤساء والمشهورون وتلفت يمينآ وشمالآ متأملآ الناس المبتسمين ثم تركت الورقة تتهاوى في الصندوق
انتهى حلمي ولكني ما زلت أسترجع من وقت لآخر لحظاته الجميلة
ما أجمل الوطن الذي يسأل أبناءه رأيهم، وما أروع المدرّس الذي يسأل الطلاب رأيهم
في الصف العاشر جاءنا مدرس جديد لمادة الرسم وكان شابآ مايزال هو الآخر طالبآ في معهد الفنون، دخل علينا مبتسمآ وكان يحمل كتابآ صغيرآ بيده، وبدلآ من أن يجلس على الكرسي، جلس على الطاولة ووضع رجله على الكرسي وقال لنا: اليوم هو أول يوم لي معكم، سنتعرف على بعضنا البعض ونقوم ببعض الدردشة الخفيفة
عرّفنا على نفسه ثم بدأ يسألنا الواحد تلو الآخر عن إسمه ومن حين لآخر كان يبدي بعض التعليقات والمزاح اللطيف
بعد ذلك قرأ لنا فقرة صغيرة من الكتاب الذي كان يحمله وكانت تدور حول سؤال محدّد:
هل الفن لخدمة المجتمع، أم الفن للفن؟
بعد ذلك بدأ يسألنا الواحد بعد الآخر عن رأينا بالموضوع، وكان كلما سأل واحدآ منّا بقي هذا الطالب فاغرآ فمه من الدهشة، فهذه هي أول مرة يسألنا أستاذ عن رأينا، بعد قليل صار نصف الطلاب فاغرين فمهم!
صرنا نتساءل: من أين جاء هذا المدرس الذي يسأل طلابه عن رأيهم؟
هل أرسلنا أهلنا للمدرسة لكي نشرح للمدرس ما خفي عليه؟ أليس من المفترض أنه يعرف كل شيء ونحن لا نعرف أي شيء؟
أليس من المفترض أن يلقي هذا المدرس درسه علينا ثم ينصرف مثلما يفعل بقية المدرسين؟
بعد درسين أو ثلاثة مع هذا المدرس أصبحنا نبدي رأينا بدون أن نبقي فمنا مفتوحآ من الدهشة
أذكرأنني قرأت منذ مدة طويلة عن مدينة سويسرية كانت مرشحة لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية، انهمك مجلس المدينة بإعداد ملف الترشيح الذي سيقدموه للحكومة المركزية حول جاهزية المدينة لإقامة الدورة، وكانت هناك عقبة لا يعرفون كيف يتغلبون عليها متمثلة بوجود شجرة كبيرة أثرية في إحدى الساحات وعليهم إزالتها لكي يتمكنوا من إنشاء منشآت جديدة ضرورية لإقامة الدورة
أدرك المسؤولون أن إزالة الشجرة بدون أخذ رأي الناس سوف يجلب لهم متاعب جمّة فقرروا إجراء استفتاء لأخذ رأي الناس وشرحوا لهم فوائد استضافة الدورة والعائد المادي الذي سيدخل ميزانية المقاطعة، بالإضافة للسمعة والشهرة التي ستحظى بها المدينة، ولكن الاستفتاء أظهر تفضيل الناس وبفارق كبير إبقاء الشجرة ولتذهب دورة الألعاب الأولمبية للجحيم
يا ترى هل سيأتي يوم على وطني يصل فيه وعي الناس إلى هذا المستوى؟ وهل سيأتي يوم يسألنا وطننا عن رأينا؟
هل كانت تمت إزالة بساتين دمشق وغوطتها الرائعة وإلى الأبد لو كان وطننا يسألنا عن رأينا؟
هل كان بردى، ذلك النهر الخالد ليجف ويصبح ترعة لو كان الوطن يسألنا من حين لآخر عن رأينا؟
أعود إلى حلمي وأحلم الآن أن عزرائيل جاء إلي قائلآ:
- كفى يا نارت أوجعت رأسنا، حان وقتك وستذهب معي الآن
- إلى أين؟
- إلى الرفيق الأعلى
- حسنآ يا عزرائيل، وأنا أيضآ عندي شوق كبير لملاقاة هذا الرفيق الأعلى فأنا أعرفه منذ مدة طويلة وهو يتذلل للناس لكي يصدقوه ويعبدوه وحده دون غيره
سأخبره عن الجرائم التي ارتكبها الناس بإسمه، وعن المآسي التي سببها الناس لغيرهم بسبب تعاليمه
ولكن أرجوك يا عزرائيل ونحن في طريقنا إلى السماء أن تدعني ألقي نظرة أخيرة على وطني لأقول له:
يا حسرتي عليك يا وطني، كم كنت ستصبح أجمل لو كنت تسألنا عن رأينا، لماذا لم تدعنا نلقي تلك الأوراق الصغيرة في الصندوق؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال ذكي يستحق القراءة .. شكراً نارت
الحكيم البابلي ( 2011 / 2 / 7 - 16:38 )
الأخ العزيز نارت
موضوع كبير جداً في معانيه النبيلة السامية ، وكم كنتُ أتمنى أن يلتفت له عددٌ أكبر من القراء والمعلقين ، بدلاً من إشتراك الجميع في مواضيع الثورة التي لن تأتي لنا بأي تجديد جذري مهما كانت نوعيتها ، لأننا لم نتربى على أسس الديمقراطية والنزاهة والعدالة الإجتماعية التي نُطالب بها ، وكان الحري بنا أن نُصلح أنفسنا وبيتنا قبل أن نُصلح حكامنا ورجال ديننا لأنهم بصورة مُباشرة من صلبنا و نتاج مجتمعاتنا ولم يكذب من قال : كما أنتم يولَّ عليكم
في مقالك معاني جذرية قد لا يُدركها البعض ، لأنهم تعلموا الأخذ ونسوا العطاء ، وهل ينكرون أنهم أول من يغمط حقوق الأخرين ؟
ثم ألم ينصحهم دينهم الذي يعبدون بالوصايا الصالحة رغم قلتها ؟ الم يقل لهم : لا يُغير الله ما بقوم إن لم يُغيروا ما بأنفسهم ؟ فهل غيروا ما بأنفسهم قبل أن يثوروا ؟
صدقني لو وضع العالم المتمدن كل الخيرات والحريات والطيبات في أيدينا وتحت تصرفنا ومسؤوليتنا لما دامت لأكثر من أسبوع
العيب فينا أخي نارت ، ولو كانت تلك الشجرة في أحيائنا لما عاشت وصارت بهذا الحجم ، لأننا أمة تقتلع وتستأصلُ البشر !!! فكيف بالشجر ؟
تحياتي وشكراً


2 - أخي العزيز الحكيم البابلي
نارت اسماعيل ( 2011 / 2 / 7 - 22:31 )
أولآ أود توجيه شكري وتقديري لإدارة الموقع لسرعة استجابتها لطلبي بتصحيح الخطأ الذي حدث باسمي
أخي الحكيم : أشكرك كثيرآ على ردك القيم وعلى دعمك المتواصل لي ولكن اسمح لي بالاختلاف قليلآ معك بتقييمي للأحداث الجارية
أولآ أنا أدعو من خلال هذا المقال لاحلال الديموقراطية وتمكين الناس من اختيار
حكامهم وممثليهم وهذا حق وليس صدقة ولا منية ثانيآ
بالنسبة لي أنا سعيد لهذه التطورات التي نشهدها، كنا نعيش في السابق أسوأ سيناريو ممكن
وهو حاكم يسرق البلاد وشيوخ متخلفون
يبثون سمومهم مستفيدين من حالة الاحباط والفقر وانعدام الأمل
برأيي إن ما يحدث اليوم هو ثورات شعبية حقيقية، لم نرى مصاحف ترفع ولا شعارات الاسلام هو الحل، ثورات لم تحركها قوى خارجية ولا تنظيمات مشبوهة لن يكون الوضع أسوأ مما كان حتى لو استلم الأخوان المسلمون الحكم
العالم تنبه لهم ولخطورتهم وحتى الناس العاديون بدؤوا يضيقون ذرعآ بهم، التغيرات الكبيرة في التاريخ تحتاج لوقت طويل وليس أيامآ أو أسابيع ولكن الفجر انبثق وربما لا نعيشه أنا وأنت ولكن حتمآ سيعيشه أبناؤنا
تحياتي لك

اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته