الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشارع العربي : عودة الروح

عبد الرحمن دارا سليمان

2011 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لقد كان من أخطر الأدوار السياسية الموكلة بالنّظم العربية السائدة منذ أربعة عقود، هو إستبعاد الجمهور الواسع وقواه الوطنية الحقيقية، من ساحة السياسة، ومن التدّخل في الشأن العام والمشاركة فيه، والعمل على تركيعه لإرادة الحاكمين بقوّة الأجهزة الأمنية، بعد ما كانت العقود التي سبقت تلك الفترة، تشهد بصورة مستمرة ودورية حركات وإنتفاضات شعبية ضاغطة على السلطات الحاكمة، وتطالبها بالتصحيح والتعديل في رسم السياسة العامّة، بما يخدم المصلحة الوطنية في بلدان المنطقة عموما . وممّا لا شكّ فيه إطلاقا، فقد نجحت النّظم المستبدة الحاكمة، بالقيام بالدورالمنوط بها طيلة تلك السنوات الى حدّ كبير، وأوصلت القطاعات الشعبية الواسعة الى درجة اليأس من الإصلاح والتغيير، وعملت على تشكيكها في قدراتها الذاتية على النهوض ثانية من أوضاعها الإجتماعية المفروضة قسرا عليها، والخروج من أزماتها العديدة،التي باتت تتفاقم يوما بعد يوم، والخضوع لها والقبول بها، كقدر مرسوم لا مفرّ ولا فكاك منه .

وكما كانت إتفاقيات "كامب ديفيد" الشهيرة، هي بداية التحوّل الإستراتيجي في موازين القوى في المنطقة العربية، والإلتفاف التدريجي على إرادة القوى والحركات الشعبية وأحزابها الوطنية، والإستعاضة عن تأييدها وشرعيتها، بقوى الأمن والمخابرات والأجهزة القمعية التي شهدت نمّوا وإتساعا لم يسبق له مثيل من قبل، من أجل حماية الأوضاع السياسية المستجّدة، وتثبيت أركان نظام النخب السياسية المدعومة علنا من قبل السياسة الغربية والذي إستمرّ قرابة الأربعين عاما في خدمة المصالح الخارجية مباشرة أو بصورة غير مباشرة، كان أيضا صعود النخب العسكرية والمغامرة في تلك الفترة التاريخية، هو بداية النهاية للمرحلة الوطنية التي دشنتها فترة الإستقلال وإستثمرت فيها القوى الشعبية الكثير من جهودها وأحلامها وطموحاتها في إستكمال الإستقلال الوطني والمضيّ في طريق التحرر والعدالة والمساواة الذي ناضلت من أجله عقودا طوال .

وفي غضون المرحلة الجديدة، مرحلة تجيير وتصفية وتفكيك الإنجازات الوطنية السابقة، والتي بدأت في عقد السبعينات من القرن الماضي وإستمرت طوال عقود الإستبداد المحليّ والأحكام الفردية الجائرة، وما تخللها من مصادرة للآراء المخالفة، والحريات العامّة، وملاحقة الخصوم السياسيين والإستفراد بالسلطة السياسية ومن ثمّ توريثها لصالح النخب الصاعدة، تمّ الإنتقال التدريجي من الإستقلال الوطني الحقيقي وما كان يصاحبه من طموحات وتطلعات جماهيرية واسعة، الى الحروب والنزاعات والفوضى والتخبّط وإنعدام الرؤى السياسية الواضحة والمتوازنة في إدارة الدولة والسياسة والمجتمع على حدّ سواء ،وبالتالي أدّت بمجملها، الى التبعية الكاملة للمصالح الغربية وسياساتها الموجّهة نحو المنطقة والخضوع التّام لإراداتها وأجنداتها المعروفة تاريخيا، وعلى رأسها ضمان الأمن الإسرائيلي وتأمين مصالحها الإستراتيجية الحيوية في منطقة كانت ولا زالت تحظى بأهمية قصوى من حيث مصادر الطاقة العالمية ومن حيث الموقع الجيوسياسي الإستثنائي .

هكذا حصدت الشعوب العربية، الثمار المرّة لسياسات المعتوهين ومجانين العظمة من أنصاف الرجال، ومن كان ولا يزال يلتحق بركبهم البائس من المحازبين والوصوليين والمنتفعين والحواشي، حتى غدت المنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة المستثناة من موجات التغيير والإصلاح الداخلي التي إجتاحت العالم خلال العقود الأخيرة، وباتت فيها معدلات الفقر والبطالة والأميّة والفساد والجريمة وإنتهاك حقوق الإنسان هي الأعلى وأمست من أكبر المناطق الطاردة لأبناءها على المستوى العالمي، حين ندرك أنّ أكثر من نصف اللاجئين في العالم هم من مواطني الدول العربية .

واليوم، وحيث وصلت الأوضاع الى نتيجتها المنطقية التي تتجلىّ بوضوح في الإنفجارات الإجتماعية في أكثر من بلد عربي بعد إنسداد الآفاق أمام الأجيال الشابّة على الأخص في تأمين المستقبل وضمان العيش الكريم والحفاظ على الكرامة الوطنية، فإنّ أشكال التنظيم العفوية والإستعدادات الميدانية البطولية، للتصدّي والمواصلة في سبيل تحقيق مطالبها العادلة والمشروعة، ليست مقطوعة الصلة بالمعنى العميق عن نضالات الأجيال التي سبقتها على درب التحرر والإنعتاق الذي دام طويلا ودفعت أثمانه الباهضة، سجونا وتعذيبا وتنكيلا وتشريدا، مناضلين وأحرار، هم من أشرف أبناء هذه المنطقة على الإطلاق .

ليست إنتفاضات اليوم من أجل الخبز والحرّية ومحاربة الرشوة والفساد الإداري والمالي والسياسي ووضع حدّ نهائي للنهب المنظمّ للمال العام والموارد الإجتماعية، وليست ضدّ التفاهة الثقافية والفنيّة التي أصبحنا نبحر فيها كلّ يوم، بعد تفريغ الثقافة من محتواها الإنساني وتجويف الفنون من معناها ومغزاها الحقيقي، وليست في سيطرة الجهلة والإمعات والزعران على العارفين والأكفاء والمخلصين، ّوليست إستنكارا لثوّار الأمس والمتاجرين بالسياسة والدين تحت شعارات سيادة القانون وضمان الحرّيات والذين حين عادوا من غيبتهم الطويلة، عادوا مباشرة الى طوائفهم وعشائرهم ومذاهبهم التي زادت وأمعنت في جراح الوطن، وليست أيضا، إحتجاجا ورفضا، على مراقبة خيرة الكوادر السياسية والإقتصادية والثقافية والفنية لهذه البلاد، وهي تتساقط في الغربة كأوراق الخريف بعد عمر كرّسوه للنضال من أجل الإنسان وحرية الإنسان ، وإنّما هي كلّ ذلك معا ، والأهمّ منه، هو من أجل عودة الروح المفتقدة التي طال غيابها أربعين عاما، في علاقة الإنسان بالإنسان في هذه المنطقة التي شهدت طوال تاريخها تعايش الحضارات وتآخيها المستمر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا


.. رغم التضييق.. اعتصامات مفتوحة مستمرة في كبرى الجامعات الأمري




.. خلال زيارة ماكرون.. طلاب جامعة السوربون الفرنسية يدعمون غزة