الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة اخرى ذكريات خاصة بمناسبة 8 شباط الاسود

جواد الديوان

2011 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يتراجع التاثير السلبي لذكرى 8 شباط الاسود 1963 على النفس مع الاعوام، ومنذ سردت الالام ظلم وجور الحركات القومية (البعث) وذراعه الحرس القومي، وتحالف القوى السياسية الدينية معهم. وسرد الذكريات والمها يخفف كرب الانسان، وهذا علاج نفسي حيث الاساليب المختلفة لكشف الذكريات المطمورة في الذاكرة، وبعدها يتخلص الانسان من توترات تلك الشدة. وقد حرم عبد الله المؤمن! صدام حسين العباد من هكذا علاج.
واذ تتلاشى اشباحهم رشيد مصلح وصالح مهدي عماش ومحسن الشيخ راضي والفكيكي وغيرهم، تتطاول قامات الوالد والوالدة والاجداد (ولاة النضال، حتوف الولاة). والوالد العزيز في نقرة السلمان عندما طلبت شركة نفط البصرو اخلاء الدار في المربد (الزبير- البصرة). وانتقلنا الى التنومة مع جدي لامي جبار سلطان رحمه الله، فقد شمله قرار قرقوش (رشيد مصلح) في الفصل من الوظيفة، لنسكن ارضا زراعية لنا في التنومة (شط العرب). وشيدنا دار من الطابوق والطين بدل الاسمنت او الجص، والسقف من الجندل (جذوع اشجار معينة مدهونة بالنفط الاسود) مع باريات (نسيج من القصب) يعلوها التراب ثم الطين (طين مع التبن ويخلط بالاقدام لايام متعددة). وبالمناسبة لازال الدار شاخصا رغم السنوات والمعارك التي دارت بالقرب منه (معارك المحمرة والنهر جاسم وغيرها) واضاف اخوالي له غرفا اخرى. وسكنته وحدة عسكرية ابان معارك النهر جاسم بعد مغادرة سكان التنومة، ووجدت الوحدة العسكرية من اثاث البيت اسلابا لها فحطموه، وسرقوا مسدسا قديما نوع ويبلي ابو البكرة اقتناه جدي جبار للطواريء والدفاع عن النفس في تلك السنوات.
تباع الابقار والاغنام في سوق الصفا مقابل المستشفى الجمهوري في البصرة كل جمعة. ومن هناك اشترى الجد جبار بقرة وحوليتها (طفلتها)، ذات ضرع ممتليء، اكتشفنا بعدها انهم لم يحلبوها ليومين او اكثر قبل البيع، ومع اليمين (الحلف بالله والعباس "ع") ان ضرعها ليوم واحد، يقتنع المشتري بذلك. رافقت واخي جمال رحمه الله (كان وقتها في الاول الابتدائي) البقرة، بمعية شخص ينقل الابقار سيرا على الاقدام، من سوق الصفا (باب الزبير) مرورا بالبصرة القديمة والجزائر والخورة ثم العشار حيث الشريعة (انتظار القوارب على شط العرب). ووجدنا الجد بالانتظار فلم يكن يقوى على المشي لمثل هذه المسافة. وفي قارب (بلم) يسير باليد وضعنا فيه البقرة والحولي لنعبر شط العرب. يرتفع القارب وينخفض ويتمايل مع الامواج التي تتخلف من حركة البواخر والقوارب البخارية (ذات مكائن). وبعد عبور الشط الى نهر الحوامد (اول فروع شط العرب بالتنومة) ثم الى الشاخة الكبيرة (نهير اصغر من الحوامد في الاراضي الزراعية). ولازالت صرخات جمال رحمه الله باذني تترافق مع حركات القارب المختلفة، ويغوص قلبي مع كل صرخة وحركة للقارب ترافقها قهقهات البلام والجد جبار.
لحلب البقرة ملاحم، نتجمع جميعنا حولها، وبعد عدة رضعات للحولي نضعه لتلعقه البقرة، فيما تعالج جدتي لامي جوري رحمها الله ضرع البقرة. وتغلبت الجدة بعد عدة محاولات على الصعوبات واصبحت البقرة مطيعة لها. وبعد وفاة الجدة عانت والدتي من حركات ذيل البقرة حيث تتساقط منه اشياء في سطل الحليب. البقرة كانت مدللة العائلة، زرعنا الجت لها تاكله طازجا، والتمر الزهدي كذلك.
سقي الزرع بالدلو عملية شاقة جدا، لكنها مسلية في بداياتها. والدلو يصنع من صفيح علب الدهن 16 كيلو، مفتوحا بالكامل من جهة واحدة. ويعلق بحبل باحد اطراف جذع شجرة قوي، واللطرف الاخر ثقل من الطين ليساعد في رفع الدلو الممتليء بالماء. وكنا نقف على منصة من الخشب على الطين قرب مستوى الماء في النهير (شاخة باللهجة الدارجة)، ونسحب الدلو لنغمره بالماء في النهر ثم نرفعه ونفرغه في ساقية. سحب الدلو بقوة للتغلب على مقاومة الثقل في طرف الجذع (ساق العتلة) وسحبه بقوة لتعادل الماء فيه بمساعدة الثقل في الطرف الاخر، والحركة تستمر بسرعة ليجري الماء في الساقية ويصل اطرافا بعيدة. الماء ينزل من الدلو عند الرفع وكذلك البقايا عن خفضه، وتبتل عندها الملابس، والمشكلة تتعاظم في الشتاء.
اشترى جدي جبار رحمه الله ماكنة سقي تعمل بالنفط الابيض، ووضعوها على منصة من الاسمنت مثبتة بالارض، وتشغيلها بالهندر اي تدوير يدوي وليس السلف. وتخلصنا عندها من اخطار الانزلاق والبلل عند السقي بالدلو. وبقى الدلو شامخا اثناء عطل ماكنة السقي، وللطرافة لم نعاني من ازمة النفط وقتها، ولكن سجلنا خسائر جسمية بسبب تشغيلها يدويا.
لا اتذكر اي رسالة منا في التنومة للوالد في نقرة السلمان، وسبق ان ارسلت الوالدة له صورة جمعت العائلة من المربد. وافرج عنه، وكلنا في التنومة، وربما استغرب من قدراتنا على التعامل مع الابقار والخراف وسقي الزرع (الترويس باللهجة الدارجة) والسقي بالدلو وجني الثمار والتعامل مع النخيل تلقيح الطلع وتشذيب الكرب (التكريب) وجني التمر (الكصاص) او جلب الرطب (حوي الرطب) وغيرها. وكان الوالد العزيز حاضرا عندما انزلقت قدمي اثناء تدلية اعذاق التمر من النخل وعلى السعف، فغرزت الاشواك قدمي!. وعالجوه بالكي. احضروا قطعة جريد نخيل اخضر بعد ان جردوا السعفة من اوراقها واشواكها الخضراء، وتسمى هذه كصمول (لهجة دارجة)، ووضعوه في النار وبعد ان نضج، استقر على قدمي، ومن يتذكر صرخات صبي في الرابع الابتدائي من ذلك العلاج (الكي). وبعدها عدت لعملي بكل صحة ورشاقة. ومن نقرة السلمان وحياة عائلة، يصدق من وصفهم
حماة النضال وجيل يفور
على محور من شموس يدور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم كوريا الشمالية: حان وقت الحرب! فهل يشعل صراع الكوريتين


.. لافروف: ما يهم روسيا هو عدم صدور أي تهديد غربي لأمنها| #الظه




.. الملف النووي الإيراني يستمر الشغــــل الشاغـــل لواشنطن وتل


.. أول مرة في العالم.. مسبار صيني يعود بعينات من الجانب البعيد




.. ابتكار جهاز لو كان موجودا بالجاهلية لما أصبح قيس مجنونا ولا