الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة 8 شباط لا يمحيها الزمان

جاسم المطير

2011 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يجري الحديث ، في مثل هذه الأيام ، كل عام، عن الذكرى السنوية لحدثين عراقيين مترابطين هما سقوط نظام عبد الكريم قاسم بانقلاب عسكري – دموي ومقتله بدون عدل ولا محاكمة ، ونجاح انقلاب 8 شباط وسقوطه بعد تسعة شهور. بمعنى آخر فقد ولدت الذكرى وانتهت بأسمين وصوتين وقائدين لكل منهما صراعاته مع الأنا والضمير .

عبد الكريم قاسم (ذات وضمير ) أرتهن نفسه وحياته بثورة 14 تموز لإثبات حقيقة ما ، حقيقة وطنيين أرادوا خدمة أبناء الشعب العراقي.

عبد السلام عارف (ذات بلا ضمير) حاول أن يحدد مسار ثورة 14 تموز خارج نطاق العلاقة الثورية داخل صفوف الشعب العراقي تحت احتمال سمي في حينه بـ(الوحدة العربية) كـ(هدف قومي) منعزل عن الواقع .

وُجد مستويان من النجاح والسقوط في آن واحد والمسافة بينهما قصيرة لا تتعدى تسعة شهور .

نجح عبد الكريم قاسم في أثبات القدرة على واقعية نجاح الثورة يوم 14 تموز ، بينما نجح عبد السلام عارف في نقل انطباع النجاح إلى سقوط الثورة يوم 8 شباط الأسود، بينهما مسافة طويلة في مجابهات عبد السلام لعبد الكريم قاسم حتى وصل الجدل بين القاسمية والعارفية، منذ الأيام الأولى، إلى طريق مسدود فتدخلت اختيارات تآمرية خارج نطاق الوعي والإدراك. سيطرت أثقال المشاكل على ثورة 14 تموز فسقطت كقطع أحجار الدومينو الواقفة عند بدء ضربة عبد السلام عارف التآمرية الغادرة بالتحالف مع حزب البعث والرئيس المصري جمال عبد الناصر وبعض صفوف القوى القومية .

سألت نفسي من أين آخذ مدخل هذه الواقعة العملية الكبرى في تاريخ العراق الحديث وقد أشبعت بحثاً منذ ذلك اليوم وحتى الآن ..؟ من أين أتصدى لها .. كمشكلة سياسية .. أم كمشكلة أخلاقية .. أم كمشكلة من مشاكل الحكم وطبيعته في العراق ..؟

وجدتُ نفسي أمام ضرورة تقليد ما يفعله رجال الاقتصاد عند بحثهم قضية اقتصادية معينة فنجدهم يسألون أنفسهم : هل أميز بين القضية الجزئية والشاملة أو أن أربط بين القضيتين ..؟

قررتُ أن أبتعد عن الجزئيات ولا أروح لأوليات الواقعة أو المسببة لها لسبب واحد بسيط هو أن الكثيرين كتبوا عن ذلك ، ولأن الشروط الخاصة بالبحث والكتابة غير متوفرة فأنا أعيش في مكان و بلد بلا مصادر متوفرة عندي والأسباب معروفة .

ثمة طريقة وجدتها للدخول إلى الواقعة .

لماذا وقع الانقلاب ..؟

لا يمكن لأي أحد أن يقول أن ثورة 14 تموز عندما قام لهيبها الجماهيري في الشارع وفي المؤسسات الحزبية معاً لم تكن تملك حصانة تاريخية ولا حتى وقتية لتصونها وتصون انجازاتها ومسيرتها . كان الواضح منذ البداية أنها فاقدة للصفة الأبدية ، أي أنها لم تكن وجدت كي تبقى .

لم تكن الثورة موحدة الهدف والقوة . لم تتوفر لديها الرؤية القادرة على إحداث التغيير الاجتماعي ، لم تكن قادرة على صياغة العدالة لا في المجتمع ولا في أخلاق عدد غير قليل من الحكام الذين جاءت بهم الثورة نفسها . كما أنها لم تدخل المجالات الإصلاحية الموضوعية بوعي عميق . لا بد من الاعتراف أن الهياكل البنائية لجسم الثورة ، سياسياً ومادياً ، كان في غاية الهشاشة وكان معظمه قاصراً على أن تتحول (أفكار) الثورة إلى (أداة) قابلة للتجديد والحركة داخل صفوف المجتمع والجماهير . فأنقلب المعنى من عملية (تغيير اجتماعي) إلى عملية (صدام سياسي) بعيد عن الأخلاق والفضيلة والحق والواجب ، أعني إلى أساليب المناورة والخداع والكذب والتآمر والغدر بين جميع الضباط و قوى الثورة المعادين لقيادة عبد الكريم قاسم الوطنية ولبعض توجهاته نحو الجماهير .

لهذا نشأت ضغوط بائسة متبادلة بين القوى .

مشاكل ثقافية ونقابية .

لم يكن كارل ماركس حاضراً مع الشيوعيين .

ولم يكن غاندي حاضراً مع الوطنيين .

لم يكن لا يسوع المسيح ولا النبي محمد حاضراً مع المتعبدين والمؤمنين .

لذلك ظهرت اتجاهات أخلاقية لم تتخلص من التبعية السياسية . لم تستطع الثورة أن تعبر عن احتياجات شاملة وبالتالي عجزت من خلق عناصر البقاء والتطور والديمومة. لم يساعدها أحد على بناء أخلاق سياسية معاصرة تتخلص فيها من ثأر التاريخ العراقي العنيف طيلة عدة قرون . كان لكل واحد ولكل مجموعة نظريته غير المتوافقة مع واقع العصر والتاريخ والتغيير .

قامت الثورة يوم 14 تموز لكن ردتها الثقافية حدثت بعد أربع وعشرين ساعة .

اهتزت الثورة من أساسها عن الخير المتوقع حين وضعت العنف بدل المحبة ، وحين وضعت المصلحة الأنانية مكان الضمير . كانت الثورة تتعجل نفسها وتتعجل النجاح في المدى القصير بسبب خلافية أحد قادتها وبسبب عدم وجود عمق ثوري في رؤية القائد الآخر .

ما بقيت ثورة 14 تموز طليقة السراح غير أربع من السنين وبضعة أشهر وما بقي منها الآن غير ظمأنا إلى نبع ذكراها وغير آلام شعبنا حين هبط الظلام عليه وعليها في الثامن من شباط عام 1963 إذ قطـّع الانقلابيون الفاشست بيد الجرائم الوحشية كل جذور الثورة البراقة وثمارها ،كلها، أيضا، فظلت مسيرة الشعب العراقي منذ ذلك اليوم حتى الآن كيانا منفصلا عن أشجار الديمقراطية المنشودة وغلالها التي يسعى الآن شعب العراق متحركا نحوها بصعوبة بالغة لكن بثقة انتصاراته القادمة على صهوة عالم جديد بحركة الشباب الجديد الذي انطلقت عربته الحرة من قلب بلد الشاعر ابي القاسم الشابي الذي ظل يحيا مع إرادة الشعوب المحبة للحياة والسلم والديمقراطية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بصرة لاهاي في 8 شباط 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي الكاتب
سرحان الركابي ( 2011 / 2 / 8 - 20:19 )
تحياتي لك عزيزي الكاتب
اعتقد ان الثورة انقسمت الى فريقين متناحرين فريق وطني يقوده الزعيم عبد الكريم
وفريق قومي شوفيني يقوده عبد السلام
وهذا يعني ان الصراع كان يجري حول هوية العراق
اما ان يكون العراق عراقيا واما ان يكون عربيا
اما ان تنتمي الى ذاتك واما ان تنتمي الى الاخر وتكون تابعا ذليلا
لدجال الامة الاكبر جمال عبد الناصر
وفي النهاية انتصر الاخر بوسائل غير نزيهة من التامر والتحايل والخداع وفقد العراق هويته الوطنية منذ ذلك اليوم رغم ان هويته هي ضعيفة اساسا ومازالت في طور التكوين
تحياتي لك في ذكرى هذا الزعيم الخالد

اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي