الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-أسوأ ما في مصر يقتل أنبلَ ما فيها-... عندما يتواطأ الاعلام مع مؤسسة الأمن القمعية

كريم بياني

2011 / 2 / 8
الصحافة والاعلام


الثورة المتقدة في مصر أعادت الى الأذهان من جديد النقاش حول دور الاعلام وحياديته والتزامه، وأعتقد أن الاستاذ محمد حسنين هيكل أختصر ما يجري هناك بهذه الكلمات التي ضمنتها عنوان هذا المقال، والتي يمكن أعادة بناء العديد من التساؤلات عليها: ترى عندما تكون الحالة كما وصفها هيكل، السوء مقابل النبل. الهراوات والسلاح الحي والمولوتوف والقناص والدهس بالسيارات مقابل شباب راق ومتحضر، أعزل لايملك الا صوتا هادرا يطالب بغد كريم، وبرحيل من كتم انفاسه طوال ثلاثين سنة. ترى اين يمكن ان يقف الاعلام؟ في اية منطقة بين الكلمة والرصاصة يمكن أن يختار له مكانا؟ هل يتردد بين الوقوف الى جانب الشرطي ام المواطن الاعزل الذي لايملك الا صوته وفكره ورأيه؟ هل يحق للأعلام أن يعطي لأداة القمع المتمثل في رجل ألامن أو من يُسيّره بأن يعبر عن رأيه بذريعة الراي والرأي الاخر؛ أو شرف المهنة؟ مثلما فعلت الكثير من الفضائيات التي تدعي الاستقلالية؟. إن الحياد الاعلامي يكون بين فريقين يحترمان اسلوب الحوار والديمقراطية. لكن من يواجه الحوار والتظاهر السلمي والحضاري بكل اساليب القمع والترهيب والترويع من دهس وقتل و ضرب واعتقال. هنا لا يبقى للأعلام خيار إلا الوقوف الى جانب الانسان وآدميته المهدَرة.
الثورة القائمة في مصر، هو حدث شديد الخصوصية والاستثنائية، من حيث هذا الكم المليوني من الجماهير التي نزلت الى الشارع والذي تجاوز الخمسة ملايين حسب معظم وكالات الانباء؛ كلها هتاف واحد وهو أن الشعب يريد إسقاط الرئيس وإسقاط النظام. خصوصية واستثنائية الحدث تكمن في هذا المستوى العالي من الفهم والوعي الذي أظهره هؤلاء الشباب وهذا الانتظام والانضباط والسلوك السلمي الحضاري والراقي؛ الذي افقد أجهزة النظام القمعية والاعلامية المرتبطة بها والمتواطأة معها، ما تبقى لها من صواب فتحولت الى عصابة من الهمج والبلطجية البدائيين. ولم يكن مفاجئاً هذا الدور التحريضي المستفز للأعلام الرسمي، الذي كان باهتا ومرتبكا ومتهلهلا. وكان ذلك بطبيعة الحال انعكاسا لعقلية النظام المصري الذي حاول و بغباء شديد تغيير ايقاع العصر، ولشدة غبائه وبدائيته، خيل اليه انه يمكنه مواجهة الانترنيت والفيسبوك والتويتر واليوتوب بالجمال والبغال والبلطجية، فلجأ الى تعطيل شبكة الانترنيت والهاتف المحمول وغلق مكاتب صحفية والتشويش على قنوات فضائية، بل عمد الى قتل الصحفيين واعتقالهم، كل ذلك أظهر أن هذا النظام لايعيش في هذا الزمن بل لايزال يفكر بعقلية قرون خلت. ولكي يدلل على هذه البدائية لجأ الى الخيول والابل أمام أنظار كل العالم وكأن الزمن عاد بنا الى القرون الوسطى وزمن الغزوات، بعد ان فشل جهازه الامني في ممارسة كل أنواع القمع والوحشية بحق المواطنين في الايام الاولى ليتحول عناصره بعدها الى اشباح عاثوا في الشارع المصري فسادا واعتلوا الاسطح كي يغتالوا الصحفيين والمتظاهرين قنصا ومولوتوفا.
فعل كل ذلك بدافع الانتقام، لان الاعلام والصحافة والانترنيت حاولت إظهار هذا الوجه البدائي البشع للنظام واجهزته لكل العالم. لكن رد العصر عليه جاء سريعا وصاعقا.. فكل من في ميدان التحرير تحولوا الى صحفيين، وبدل أن يكون لفضائية مثل الجزيرة مراسلا واحدا في الساحة، بات المئات ومن مختلف ارجاء الميدان ومن جميع شوارع مصر يتصلون بها على مدار الساعة ينقلون أدق التفاصيل التي ماكان بأمكان مراسل واحد ألالمام بتفاصيلها، ومحرك البحث غوغل وفر مجموعة من خطوط ألهاتف لربط الناس مباشرة بموقع تويتر دون الحاجة الى استخدام الأنترنيت، وتدفقت عشرات الافلام واللقطات المأخوذة عن طريق الهواتف المحمولة والكاميرات الشخصية الى الفيسبوك واليوتوب تنقل الجرائم البشعة والتي يقشعر منها البدن؛ قام رجال الشرطة والامن بارتكابها في حق المواطنين الابرياء العزل، فقامت الفضائيات بالتقاط ونقل بعض هذه الافلام. تناسى ألنظام انه يعيش في عصر العولمة والتكنولوجيا الرقمية حيث كل من يمتلك هاتفا محمولا او جهاز كومبيوتر؛ هو صحفي يستطيع ان يوصل الحدث في ثواني الى حيث يطلع عليه الملايين في ارجاء العالم. وهذا ما حدث بالفعل حيث قامت القنوات الفضائية باستخدام ما متوفر على الفيسبوك من أفلام مرسلة من قبل المواطنين كانوا متواجدين بالصدفة في مكان الحدث.
وإزاء مجريات الأمور هذه، كان من البديهي والمنتظر أن يتصدى عدد كبير من المفكرين والادباء والفنانين المصريين لهذا المستوى الهزيل الذي ظهر به الاعلام المصري، ليعلنوا صراحة وقوفهم الى جانب شباب الثورة. وهنا أعود ثانية الى تعليق الاستاذ محمد حسنين هيكل على مشهد يوم الاربعاء حيث الخيول والابل عندما قال: "وكان اقتحام الخيول والجمال والحمير لميدان التحرير رمزا له ـ اي لأسوأ ما في مصر ـ ثم يتحدث عن الذين يقفون وراء هذا المشهد: "الذين فعلوها هم صورة طبق الاصل من الاداة التي استخدموها، حيث لا اتردد في القول انهم اناس لا يختلفون كثيرا عن الدواب التي استجلبوها واطلقوها" وكان للموسيقار عمار الشريعي مداخلة عاصفة مع الفضائية المصرية ومع قناة دريم، شن فيها هجوما لاذعا على اداء الاعلام ومحاولته الاستخفاف بعقول الناس عن طريق قلب الحقائق الموجودة على الارض وسرد الاكاذيب. بل ذهب الى ابعد من ذلك في لقائه مع قناة دريم، بعد أن أعاد شن هجومه الشرس على الاعلام ووزيره، معلنا تضامنه مع ثوار ميدان التحرير الى حد القول: "إن هؤلاء ألشباب حولنا من كلاب وبهائم و قطعان ماشية تُهَبهب؛ الى آدميين نتكلم" وهو نفسه الذي قال في مداخلة اخرى مع القناة نفسه: " عندما انقطع الأنترنيت احسست أننا بهائم" والمخرج السنمائي خالد يوسف لخص سلوك الاعلام الرسمي المصري بأنه مارس عهراً إعلامياً حاول الايقاع بين ابناء الشعب الواحد.
من جانب اخر حاول بعض الاقلام والحناجر الماجورة والمحسوبة على الكتاب والفنانين ـ كما هو الحال في جميع الدكتاتوريات والسلطات القمعية ـ تشويه هذه الصورة الراقية والمشرقة والمشَرّفة لشباب ميدان التحرير وانبروا للدفاع عن رأس النظام داعين الى عدم اهانة الرئيس متحدثين عن الكرم والشرف العسكري. طالبين من الشعب ان يكون كريما مع رئيسه، هذا الرئيس الذي لم يحترم شرفه العسكري ولم يكن في يوم من الايام كريما الا مع مقربيه والقطط السمان من حزبه، لقد جوع الشعب وحرمه من مستلزمات العيش الكريم واهدر اموال الدولة على حفنة من المفسدين، وعندما تناهت وقع احذية الجياع الى اسماعه التي كانت صمّاء طوال ثلاثين عاما بدأ يتباكى و يتسول و يستجدي هذه الاشهر المتبقية من ولايته بحجة الاشراف على التغيير الدستوري وكأن عجلة الزمن سوف تتوقف إن لم يكن هو مشرفا عليه، وأي تغيير دستوري وهو الذي كان يعبث بالدستور متى ما شاء و كيفما شاء؟ يحذف بنودا ويضيف بنودا حسب مقاسات مُخّه. وياتي الان ليقول أن هذه الاشهر الباقية تتطلب وجوده. وهنا ادعوا القراء الى دخول اليوتوب والفيسبوك كي يكتشف كم كان هذا الرئيس واجهزته القمعية كرماء مع الشباب المصري، كي يتيقن كم كان الاعلام المصري متواطئا مع اجهزة القمع وكيف التقت مصالح الاقلام والحناجر المدفوعة الاجر مع مصالح القامعين والفاسدين. كل ذلك كان يحدث بعلم الرئيس وتحت سمعة وبصره. والذي كان مهوساً بجمع المليارات في بلد يعيش اكثر من ثلث سكانه تحت حد الفقر. فكيف يُطلب من هذا الشعب أن يكون كريما مع هذا الرئيس. إن الرئيس الذي لم يحترم شرفه العسكري وشرف وكرامة شعبه لا يستحق الشرف وخير مكافأة له على نهاية خدمته هو الرجم بفردة حذاء مهترىء لمصري شريف جائع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا