الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مساهمة في نقد مفهوم الثورة

محمد أبوزينة

2011 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


مساهمة في نقد مفهوم الثورة: *بقلم الدكتور محمد أبوزينة

إهداء
إلى من رسم الثورة الشهيد ناجي العلي،
إلى من أنشدها الشيخ إمام
الى من عولمها أرنستو تشي غيفارا،
الى من أشعل نارها الشهيد محمد بوعزيزي،
والى جموع الشباب العربي في كل ميادين التحرير ،،،

وكأن جرحي موجوداً قبلي، فأنا ولدت لأجسده « جيل دولوز»


ولولج:

لا يندرج هذا المقال في إطارٍ ولا يسعى من حيث منطوقه ومصفوفة كلماته إلى أي شكل من أشكال التنظير أو التناظر سواء كان ذلك أكاديمي سكولائي أو أيديولوجي سياسي أو أي من مشتقاته، علماً أنّ التنظير للثورات أو التبشير بها من حيث هي قابلة لولادة التاريخ البشري وانبعاثه لا يستقيم فقط من خلال الكتابة عنها أو الإنشاد لها، لا سيما حين قيامها، بل وفي أزمنة انتظارها أيضاً، بل عبر الفعل الحي الملتحم بها والمنبثق عنها. فالكتابة الورقية الحبرية والإلكترونية الرقمية، وإن نطقت، بقيت فعل ميت ـ والفعل الميت هو فعل اغتيال الثورة أن لم نقل خيانتها. و الأقلام، وإن سال مدادها، سرعان ما جف حبرها، والصحف، وأن قُرٍأًت، سرعان ما رفعت. من نافل القول أن شمائل فعل كهذا لا تشبه بأي حال أي من أفعال الثورة ذاتها، فهذه الأخيرة إن قامت بانت، حبرها لا يجف لأنه يكتب بدماء وصُحفها تتسع على امتداد الأفق كشعاع لا نهاية له يسبر كل الأغوار و لا يرتد إلا بأسفار انبعاث جديد.


ولكن هناك أسباب أخرى عديدة تجعل من فعل الكتابة عن الثورات ـ مفهومها وأسباب قيامها وقعودها ـ سواء كان ذلك من باب انتظارها في أزمنة القعود أو التنظير لها في أزمنة النهوض، فعل دوني أو لنقل مغامرة محفوفة المخاطر لا تقل خطورة عن الخوض في غمار الثورة ذاتها، ذلك أن الثورات هي فعل خلق وانبثاق من بعد موت وانتفاء، انفجارات جديدة في السديم تعيد تشكيل الكينونة عبر صيرورة لا منتهية، ترسم خرائط بلا حدود وأشكال أخرى للبحار والمحيطات.


الكتابة عن الثورة فعل اغتيال الثورة: أما المفاهيم ومسطحاتها وان تباينت واتسعت رقعتها لدى علماء السياسة والاجتماع والاقتصاد وغيرهم من المهتمين بدراسة واستنطاق ما بات يعرف بعلم الثورة (revolutionology ) أو ما كان يعرف بالاقتصاد السياسي للثورة (The Political Economy of revolution) فهي متضايقة دوماً أمام تعاظم الفعل ـ الثورة ـ فماهيم على شاكلة التفسير النقدي الارتقائي والتفسير البنائي الوظيفي والتفسير الوضعي الاجتماعي وغيرها من المفاهيم السكولائية تبقى مفاهيم قاعدة، كلما أبحرت فيها خلصت إلى القول المفيد: ما أصغر الفكرة ، ما أكبر الثورة.

ففرادة الثورة ــ من حيث هي حالة صيرورة وليس كينونة ـ أو مجرد حدث تاريخي كما تراها الرؤية المتضايقة بها والمنفعلة لها ـ يكمن في خلقها وإبداعها الأصيل للمفاهيم. هذه الأخيرة، من حيث هي منتوج الثورة بامتياز، تتبلور على شكل كثافات معينةتنشأ على أسطح متحركة متحايثة تارة ومتباعدة تارة أخرى، لا تقوم على التمثيل التناظري الخطي وإنما تنبثق من اقترانات مركبات لا متناهية من التقاء المتناقضات وتنافرها ضمن صيرورة تحرر التاريخ من كينونته، وتعيد له صيرورته، وتمنحه حياة من بعد موته.

فالثورة - أية ثورة - كما ساجل الفيلسوف الفرنسي المعاصر جيل دولوز (Gilles Deleuze1926-1995) تنقلب إلى نقيضها إذا ما انفصلت عن صيرورتها، أو إذا ما تجاوزتها صيرورتها، صائرة مادة للكينونة، فالثورة تبطل إذا ما تحولت إلى مادة للكينونة بدل كونها مادة للصيرورة (الانتقال من الثورة إلى كينونة السلطة نموذجاً). أما جوهرها فلا يكمن - وفق فيلسوف السلام الأبدي عمانوئيل كانط (1724 - 1804) في الطرق التي تنجز بها في حقل اجتماعي ما أو في حقبة زمنية ما، بل في الحماس الذي يرافقها، ينبثق عنها، ويرافق الانشغال بها والتفكير لها.


ولكن ذلك الحماس، إذا ما أريد له أن لا يغتال الثورة ويخونها، يتوجب عليه أن يميّز بين الثورة كمادة وبين الثورة كمادة ، يتوجب عليه أن يميّز بين و <الغمامة اللاتاريخية الحاجبة>، وذلك ممكن فقط من خلال الممارسة الواعية والمشتقة من مادة الصيرورة وليس من مادة الكينونة ـ وبخلاف ذلك يبقى الحماس أبغض أشكال الممارسة الثورية - الإيمان الطقسي اللاهوتي بالثورة، أقصر الطرق لوأد الثورة ـ من حيث هي مشروع صيرورة وتحول تاريخي ـ في مشروع الكينونة - السلطة.


بيدَ أن عوامل نجاح الثورة – أي ثورة – واندحارها لا يكمن إلاّ في ذاتها من حيث هي صيرورة مزدوجة، وهذه الصيرورة المزدوجة، تحمل في جوفها أجنّة هزائم كما تحمل أجنة لانتصارات محتملة في آن، ففي أسباب الهزائم تكمن أسباب الانتصار، تماما كما يكمن في الموت حياة، والعكس صحيح. نجاح الثورة – أي ثورة – يكمن في الاهتزازات والانفتاحات الجديدة التي تعطيها للناس، فعلى الثورة أن تصير شعباً، أن تصير فكراً، ويصير الفكر صيرورة شعب، فالفكر لا يخلق الشعب، ولا الشعب يخلق الفكر، ولكن كل منهما يملك إمكانية مناداة الآخر ليحضر بكل قواه.
------------------------

* استاذ جامعي وباحث زائر في الاقتصاد والسياسة ، جامعة بحر المتوسط، مرسيليا ـ فرنسا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية


.. فاغنر تتكاثر في ليبيا وتربط بين مناطق انتشارها من السودان إل




.. الاستئناف يؤكد سَجن الغنوشي 3 سنوات • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تتقدم في خاركيف وتكشف عن خطة لإنشاء -منطقة عازلة- |#غر




.. تصعيد غير مسبوق بين حزب الله وإسرائيل...أسلحة جديدة تدخل الم