الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن.. والتغيير

محمد السهلي

2011 / 2 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لا يفتقد الفلسطينيون إلى أسباب المطالبة بالإصلاح والتغيير. وربما لديهم منها ما يفوق تلك التي لدى أشقائهم الذين ضاقت بهم الشوارع والساحات سعيا وراء إصلاح حقيقي يفتح الأبواب أمام مستقبل أفضل لهم.. ولبلادهم.
وفيما يطلق المتظاهرون في عواصم ومدن عربية مختلفة هتافات تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية وإنهاء الفساد ومحاسبة مرتكبيه واعتماد الشراكة في إدارة الشأن العام، فإن الفلسطينيين يجدون أنفسهم في غمار أزمة مركبة، يمثل الاحتلال وسياساته العدوانية ضلعها الأول، فيما يمثل سوء الإدارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسلطة ومنظمة التحرير ضلعها الآخر.
هذا الواقع وضع الفلسطينيين أمام معادلة صعبة ودقيقة تطرح عليهم مهام التحرر الوطني جنبا إلى جنب مع مهام ترتيب أوضاعهم الداخلية وإصلاحها بما يكفل تخفيف أكلاف مهام التحرر على الشعب الفلسطيني ويزيد من القدرة على التقدم باتجاه تحقيق الأهداف الوطنية.
والإشكالية الأبرز في سياق السعي لتحقيق هذه المعادلة الصعبة إنما تتعلق بمستوى القدرة لدى أطراف الحركة الوطنية على معالجة التباين الظاهري في التعامل مع استحقاق كل من طرفي هذه المعادلة. فبينما يشترط التقدم في مهام التحرر الوطني تحقيق أوسع قدر ممكن من الوحدة الوطنية، يتطلب إصلاح الوضع الداخلي ممارسة أوسع قدر من النقد ومواجهة الأخطاء من زاوية تعرية السياسات التي تنتجها. ولأن المعادلة التي ذكرناها تربط بين طرفيها - مهام التحرر والإصلاح - فإن الأخطاء التي ترتكب على صعيد الأوضاع الداخلية لا يمكن تصنيفها في خانة الأخطاء الإدارية والمسلكية فقط بل هي - بالنتيجة - أخطاء وطنية من الدرجة الأولى على اعتبار أنها تؤدي مع تراكمها إلى إضعاف الحالة الفلسطينية بمستوييها السياسي والشعبي.
وتحتاج الممارسة العملية في إطار معادلة - الوحدة والنقد - إلى «بارومتر» وطني موحد وإلى حساسية سياسية عالية، تمنع في سياق التطبيق تغليب أي من طرفي المعادلة على الآخر، مع أن هذا حصل ويحصل كثيرا في مسيرة العمل الوطني الفلسطيني وأدى ذلك في محطات كثيرة إلى بروز وجهيها المتعاكسين (والمتكاملين وظيفة) ونقصد السياسيتين، الانقسامية من جهة، والذيلية من جهة أخرى.. يأتي هنا دور «البارومتر» الذي نقصد به البرنامج الوطني الموحد و يشكل مقياسا للأداء السياسي السليم الذي يغني مسيرة العمل الوطني ويراكم الانجازات.
وإذا كان هذا البرنامج بعناوينه السياسية قد تبلور في مرحلة مبكرة نسبيا إلا أن جانبه الاجتماعي والاقتصادي بقي إلى الآن متخلفا عن مواكبة استحقاقات النضال الوطني. وقد خلق قيام السلطة الفلسطينية واقعا «جديدا» على المستويين السياسي والاقتصادي / الاجتماعي، ونمت بشكل متدرج مظاهر الفساد الإداري والمالي لدى الشريحة العليا من الموظفين ومنتسبي الأجهزة وتفاقمت صراعات على خلفية الاستئثار بمغانم السلطة وجاء كل ذلك على حساب الالتفات للأوضاع المعيشية لغالبية الفلسطينيين في الضفة والقطاع.
ومنذ نحو عقدين، تراجع دور منظمة التحرير كهيئة وطنية ائتلافية وهمشت برامجها الاجتماعية تجاه شرائح واسعة من الفلسطينيين وفي المقدمة أسر الشهداء والجرحى والأسرى. كما تراجع حضورها العملي في أوساط اللاجئين الفلسطينيين على اختلاف أماكن لجوئهم وشتاتهم.
ومع أهمية صيانة دور المنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، إلا أنها بدت في كثير من المحطات كملحق للسلطة ومؤسساتها، وضعف دور اللجنة التنفيذية كهيئة ائتلافية وكمرجعية مفترضة للحركة السياسية الفلسطينية إن كان في ملف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وتحديد أسسها ربطا بالشرعية الدولية، أو في مجال إدارة شؤون الشعب الفلسطيني أينما تواجد.
وفي الجانب السياسي جاءت مقدمات أوسلو والاتفاقات التي وقعت بعد ذلك لتعبر عن أخطر أشكال الانفراد بالقرار الوطني الفلسطيني، وكانت تلك المحطة بمثابة العتبة التي نقلت الحالة الفلسطينية إلى واقع الانقسام السياسي وما نجم عن ذلك من تداعيات انسحبت على برنامج العمل الوطني الموحد الذي نحيَّ جانبا واعتمد بدلا منه سياسات ارتجالية تنطلق من الرهان على إيجاد تسوية سياسية بالاعتماد على وعود زائفة أطلقتها الإدارات الأميركية المتعاقبة.
وعلى الرغم من أن المجال لا يتسع هنا للاسهاب في تفاصيل أكثر لجوانب الضعف والتراجع في الحالة الفلسطينية بفعل السياسات الخاطئة من قبل السلطة وقيادة منظمة التحرير إلا أننا نعتقد أنه ومن الضروري أن يعاد الاعتبار للعمل الوطني وتعزيز الوضع الفلسطيني من خلال:
* إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني من خلال تنفيذ ما اتفق عليه في وثيقة الوفاق الوطني وإعلان القاهرة، وإصلاح المنظمة بإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني عبر الانتخاب وفق قانون التمثيل النسبي الكامل، كما ينبغي إعادة الاعتبار لجميع مؤسسات المنظمة بما فيها المجلس المركزي واللجنة التنفيذية واحترام قراراتها، وإلى جانب ذلك تفعيل المنظمات والنقابات المهنية وتجديد هيئاتها بالانتخاب المباشر بالتمثيل النسبي الكامل.
* اصلاح أوضاع السلطة الفلسطينية بدءا من المجلس التشريعي الذي تحول للأسف إلى «ظاهرة إنقسامية» وإعادة انتخابه وفق التمثيل النسبي الكامل.
* إجراء الانتخابات البلدية التي تم إلغاؤها بما يكفل إعادة الاعتبار للمجتمع المحلي ودوره في إدارة الشأن العام على أسس ديمقراطية وعلى قاعدة الشراكة السياسية.
*اعتماد سياسة اقتصادية تنموية تأخذ بنظر الاعتبار أوضاع الشرائح الفقيرة بما يكفل تعزيز الاقتصاد الفلسطيني وفك تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي وانعتاقه من الاتفاقات المجحفة وفي المقدمة بروتوكول باريس.
* تسييد القانون واعتماد مبدأ المحاسبة القضائية لكل من تورط في ملفات الفساد وإهدار المال العام واعتماد الشفافية في أداء هيئات ومؤسسات المنظمة والسلطة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها.
* وقبل ذلك، وفي المجال السياسي القطع مع المفاوضات بشروطها المطروحة وعدم الرهان على حلول وسط يتم تقديمها من أجل تسويغ العودة إلى دوامة المفاوضات، واعتماد استراتيجية وطنية بديلة تقوم على أساس مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل المتاحة.
وندرك أن إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية والتقدم في إنجازها إنما يحتاج إلى إرادة سياسية موحدة يمكن أن يوفرها إطلاق الحوار الوطني الشامل ونعتقد أن هذا الهدف يمكن أن يشكل مناخا صالحا لإنجاح الحوار الوطني بحيث يأتي إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وفق تصور وطني موحد لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني بكافة مكوناته، وقد تحققت على هذا الصعيد خطوات لا يجب الاستهانة بها ويمكن أن تشكل منطلقا مناسبا لإنجاح هذه الجهود وخاصة وثيقة الوفاق الوطني وقرارات حوار القاهرة (2005) والبناء على ما توصلت إليه لجان الحوار الشامل في القاهرة قبل نحو عامين.
الاصلاح الديمقراطي ضرورة وطنية ومن خلاله يمكن فقط تعزيز الوضع الفلسطيني الداخلي وزيادة تماسكه في مواجهة تصاعد العدوانية والتوسعية الإسرائيلية. ومن غير ذلك فإن الحالة الفلسطينية بأسرها ستكون دريئة هشة أمام الاستهدافات الكبرى التي تسعى لتصفية قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه.
الصورة:
القطع مع المفاوضات وصيانة الحريات في مقدمة مهام الإصلاح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا