الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك افق للتغيير الديمقراطي في العراق؟

ثائر كريم

2004 / 10 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كان تغيير نظام الاستبداد العشائري في العراق حاجة شعبية عميقة وضرورة انسانية ملحة لكل القوى السياسية والاجتماعية القائمة. لكن هذا التغيير جاء بفعل خارجي بحت. فقد اخفقت القوى السياسية العراقيية في تعبئة العراقيين في انتاج فعل سياسي مشترك وهادف. ولم تستطع تقديم أي بديل سياسي فعال يسحب البساط من الشمولية الطائفية. من هنا لبث الفعل السياسي لاغلبية الناس يتسم اما بالاتكالية واللاأبالية او بطابع عفوي، انتقامي وراديكالي. وغدت عملية التغيير السياسي في البلاد مفتوحة على خيارات مختلفة لعل خيار الديمقراطية هو اصعبها.
وبالتأكيد ان سياسة العنف والترغيب والارهاب المنظم الذي مارسته الاجهزة الامنية والايديولوجية لنظام صدام حسين لعبت دورا اساسيا في تهميش فكر المعارضة وممارستها. وهذا ما افقدها امكانية التأثير السياسي داخل العراق. كما غرس التدخل المفرط للحكومات المتعاقبة و لاسيما بعد عام 1958 في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد شعورا عميقا لدى كثيرين بانهم مجرد رعايا "دولة" ابوية تعتني بهم في كل الجوانب. وثمة حكام كثيرون في تاريخ العراق المعاصر وابرزهم، بلا شك، صدام حسين من كان ينمي هذا الشعورا الابوي لدى الناس تنمية واعية ومخططة. فضلا على ذلك، فان نخب المعارضة العراقية لم تكن متوحدة، توحيدا فعالا، حول خيار الديمقراطية. لكل ذلك جاء اسقاط نظام الشمولية الطائفي في وقت لم تكن فيه النخب الثقافية ولا القيادات السياسية متهيأة لتعبئة العراقيين حول مشروع الديمقراطية.
شىء عن الداخلي والخارجي في نمو الديمقراطية
ان اسقاط نظام سياسي استبدادي طائفي وبطريقة نخبوية فوقية او بوسيلة الحرب بل حتى عن طريق ثورة اجتماعية تقودها قوى غير ديمقراطية لا يعني، بالضرورة، ان تغييرا اجتماعيا قد تحقق. أي تغيير سيفضي، حتما، الى نظام سياسي ديمقراطي. ثمة مسافة خطيرة الاهمية يفصل ما بين تغيير نظام الاستبداد واقامة نظام ديمقراطي. بون يفتح سيرورة الحياة على آفاق مختلفة. الديمقراطية ليست سوى خيار واحد بين خيارات كثيرة. الديمقراطية تعني في هذا السياق كيفية معينة لوجود ألدولة وللمجتمع. هي، اساسا، اشراف الشعب على سلطة صنع القرارات العامة. وهي مساواة سياسية.وحريات سياسية وحقوق مدنية ودستورية مصانة من قبل قضاء مستقل. وهي انتخابات حرة وعادلة ومباشرة وحكومة مسؤولة وشفافة. قد تتحقق الديمقراطية ضمن هذه المسافة. وقد تختطف العملية السياسية من قبل قوى سلطوية جديدة ترمي به بعيدا عن الديمقراطية.
ثمة طرق مختلفة ولدت عبرها الانظمة الديمقراطية المعاصرة في مختلف البلدان. ففي اوربا الغربية كبريطانيا والسويد نشات الديمقراطية عن طريق تطورات تاريخية طويلة الامد، اقتصادية وسياسية واجتماعية وفكرية. وفي بلدان اشتراكية سابقا مثل بولندا والجيك والمجر انبثقت الانظمة الديمقراطية عن طريق ضغط نخب سياسية معارضة راحت تستند اكثر فاكثر على قاعدة شعبية عريضة ومتنامية. ارادت ووعت النخب والقواعد الاجتماعية اهمية التغيير الاجتماعي السياسي وادركت آفاقه الاقتصادية والسياسية. وثمة طريق ثالث مرت به بعض بلدان امريكا اللاتينية وايضا البرتغال واسبانيا واليونان تميز بان النخب الحاكمة ذاتها اخذت من داخل ثنايا النظام القائم تعلن التزامها بتحويل النظام السياسي ديمقراطيا .ان المعنى العميق المستمد من هذه الحالات هو ان التطور الديمقراطي تجسيد لصدى مباشرا لتحولات تنبثق من قاع المجتمع، بصورة او باخرى. وتنطبق هذه الخلاصة حتى على تلك البلدان التي سلكت طريقا خاصا في تطورها الديمقراطي مثل اليابان والمانيا. ففي هذين البلدين انبثقفت الديمقراطية فيها بفعل قوى خارجية (دور امريكا في كلتي الحالتين) فرضت البديل الدستوري والبرلماني على الطبقة السياسية الحاكمة. أي حتى في حالة هذين البلدين فان المجتمع كان يحمل في جنباته شروطا اقتصادية واجتماعية وسياسية مناسبة لقيام الديمقراطية.
معطيات نمو الديمقراطية
اما في العراق فان شروط التغيير الديمقراطي معقدة ايما تعقيد. فليس هناك مستوى مناسبا من التطور الاقتصادي ينعكس في مستويات معقولة من الدخل الفردي بل فقر شعبي واسع. ذلك ما يجعل الناس يهتمون بتدابير المعيشة المباشرة فقط ويصارعون، وجدانيا وعمليا، في الدائرة المعيسية في المرتبة الاولى. وتفتقد البلاد، ارتباطا بذلك ايضا، لطبقة وسطى عريضة، كبقة قد تهتم، حيويا، بتحديث البنى السياسية والاجتماعية والثقافية. اما الثقافة السياسية فهي مثقلة بطبقات كلسية من الانكفاء الاناني على الذات والماضي والاوهام والقدرية والاتكالية والنظرة الغيبية والجمود. وتعاني سياقات عمل وفكر النخب السياسية والثقافية من اسقاطات نرجسية حادة ونزوعات لتفخيم الذات على حساب الموضوع. وتسود انفعالات عاطفية تشوه المعرفة التحليلية الموضوعية. لذلك وغيره من الاسباب فان النخب السياسية والثقافية المهتمة، حياتيا, بدفع العراق في آفاق رحبة من الديقمراطية والانفتاح والتعدد قليلة، عدديا، وضعيفة، بنيويا.
قد يكون للعامل الخارجي كالحرب وسواها دور ضروري مهم، تاريخيا، في ازاحة سلطة سياسية شديدة الاستبداد والبأس، امنيا وبوليسيا واقتصاديا. سلطة ما كان يمكن تخيل ان القوى الداخلية المعارضة ان تطيح بها. بيد انني لا اعتقد بامكانية فرض الديمقراطية بالقوة المجردة على بلد لم يخلق شروط تنميته اليدمقراطية داخليا، بعد. من الصعوبة بمكان تصورحصول تطورات ايجابية جدية على عملية زرع الديمقراطية في بلاد لم تنتج بعد حاضنات سياسية اجتماعية فاعلة ومتنامية لجعل القيم الديمقراطية تترعرع بسرعة. وبدون وعي اجتماعي عميق بضرورة الديمقراطية وبدون تطور اطرها الداخلية الثقافية والسياسية. وربما سيكون الاخفاق الذريع مآل هذا الفرض القسري. ويمكن للعامل الخارجي- بل من الضروري ايضا- ان يلعب دور العامل المساعد، كاشفا الطريق للوليد الجديد وحارسا اياه ودافعا لنموه للامام ولكن فقط في حالة تنمية مثل هذه الحاضنات والاطر والارتباطات الداخلية.
وما دامت اقسام اساسية من المجتمع لم تطرح بعد وتتبنى بوضوح مطلب التغيير الديمقراطي الاقتصادي او السياسي فان الديمقراطية تبقى املا نخبويا اكثر منه مطلبا جماهيريا. وفضلا على ذلك، فثمة اختلافات ثقافية وحضارية وفي مستوى التطور الاقتصادي وفي طابع الهوية والتعدد الاجتماعي للبلدان المذكروة آنفا عن بلد مثل العراق. لعل طبيعة وآفاق التطور الديمقراطي في العراق ستكون مشابهة لما يحدث في افغانستان او في نيجريا او ماليزيا وهي بلدان تحمل تشابهات بنيوية رئيسية مع العراق كتشظي البنية الاجتماعية وتعدد الهويات والاثنيات والقوميات ووجود ثروات معدنية مهمة وتخلف الثقافة السياسية الديمقراطية ودور الاسلام.
بعض شروط ترعرع الديمقراطية في العراق
فعلى أي من المعطيات والثوابت يراهن انصار ودعاة العملية الديمقراطية- بعيدا عن التمنيات بحسن نية النخب السياسية السائدة وصدق القصد وسلامة الممارسة السياسية النخبوية؟ ليس هناك، للاسف، الكثير من المعطيات الايجابية.
بقناعتي ان الديمقراطية كنظام سياسي تنمو اول ما تنمو في ضمائر النخب السياسية والثقافية حتى تصبح مكونا عضويا من مكونات تشكيلة مصالحها الحياتية وقيمها وانماط سلوكها. و يمكن للديمقراطية ان تتجذر في ضمائر وعقول الناس فقط بعد ان تقوم هذه النخب عبر تنظيماتها السياسية ونشاطاتها الثقافية والفكرية في تعبئة قطاعات واسعة من الناس في سياقات سياسية ومدنية شعبية. وفوق ذلك، فان تحويل الديمقراطية الى مرجعية قيمية، اجتماعيا، لتشمل ليس النظام السياسي فحسب بل وتمتد ايضا الى البيت والعائلة والمصنع والشارع فان ذلك يتطلب عملا اصلاحيا، ثقافيا، تعليميا، تربويا وقانونيا صبورا وطويل الامد. واذ ينطبق هذا القول على كل الديمقراطيات قاطبة فان مفعوله اوضح وأخطر في بلد مثل العراق اذ ان التحول باتجاه الديمقراطية فيه لم يأت نتاجا لثورة سياسية او اصلاح سلمي طويل الامد من داخل النظام او عبر عمليات اقتصادية اجتماعية ممتدة في الزمن.
ثمة، اذن، اهمية كبيرة لدور النخب السياسية والثقافية في العراق في قيادة عملية التغيير الديمقراطي. يأتي ذلك، قبل كل شىء، عبر قنوات المؤسسات التمثيلية والدستورية والانتخابية ونشر الثقافة والممارسة الديمقراطية. وهذا يفترض-اصلا- ان تتقبل هذه النخب ذاتها مبدأ الخضوع الى منطق التفاعل والصراع الديمقراطي. وهو منطق قد يكون ثقيل الوطأة بنتائجه غير المرغوبة للبعض، احيانا. بيد انه من المستبعد تماما ان نتوقع ان بمقدور النخب العراقية ان تحمي العملية الديمقراطية الوليدة من اعداءها الكثيرين المتربصين بها ومنهم من هو موجود بين النخب ذاتها. فمن المعلوم ان النخب السياسية العراقية المنخرطة الان في سياقات بناء المؤسسات قد وجد اغلبها نفسه اما مرغما او منجرفا- بضغط العامل الخارجي المطالب باقامة هذه المؤسسات وبضغط الشارع العراقي الكاره لنظام ألاستبداد والشمولية الطائفية الصدامي- في خوض غمار عملية ديمقراطية مشرعة الابواب على احتمالات السقوط والانهيار او الصمود والنمو. كما ان اغلب هذه النخب السياسية والعديد من النخب الثقافية قد برزت في سياقات تنظيمية وفكرية وسياسية لا تمت بكبير صلة للعملية الديمقراطية، مضمونا وممارسة. ولم يشكل المشروع الديمقراطي بالنسبة لها إلا ضرورة خارجية غامضة الملامح.
وبدون تزايد مشاركة قطاعات عريضة من المواطنين العراقيين في عملية صنع القرار السياسي والخضوع له فان العملية الديمقراطية ستبقى رهينة سياسات نخبوية معلقة على اعمدة هشة ومعرضة للانهيار السريع. ان تحويل المزيد من صلاحيات الحكم والادارة الى خارج المركز السياسي، الى المناطق المحلية على مستوى المحافظات والنواحي والاقضية يمثل احد الوسائل الفعالة في تسهيل انخراط عدد اكبر من الناس في سياقات العمل السياسي الوطني الديمقراطي. ذلك لان تحويل صلاحيات اتخاذ القرارات المتعلقة بالقضايا المحلية لاهالي هذه المناطق ونزع سطوة السلطة المركزية سيجعل الممارسة الوطنية الديمقراطية قريبة التناول وملموسة وذات معنى بالنسبة للمواطن.
الامل بنمو دولة القانون
يبقى هناك امل ان تترسخ عملية تكوين مؤسسات دولة القانون الوطنية. والامل بان تلتزم كل المكونات الاجتماعية في العراق بالولاء الثابت لروح العدل والمساواة والشرعية السياسية التي تجسدها دولة القانون. بخلاف ذلك فان الصراع على موارد الكيان المركزي الاقتصادية والسياسية والمعنوية سيدمر العملية الديمقراطية في مهدها. لا يمكن للعملية الديمقراطية ان تنمو وتترعرع في العراق بدون حكم القانون. ولاحكم للقانون بدون اقامة مؤسسات الدولة اللاشخصانية الفاعلة والعاملة بعدل وشفافية. ان شلل قدرة مؤسسات الدولة في تطبيق القانون وفرض احكامه وتفعيل الدستور هو احد المعرقلات الكبرى لتنمية العملية الديمقراطية، كا تشير تجارب كل البلدان التي ارادت بناء الديمقراطية. لذا فان النخب السياسية والثقافية وعبر تعبئة اعداد متزايدة من الجماعات الاجتماعية المختلفة للانخراط في سياق الحركة المدنية الجديدة لترسيخ مؤسسات الدولة الوطنية الديمقراطية الوليدة هو الضمانة الوحيدة للتغيير الديمقراطي في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكثر من 50.000 لاجئ قاصر في عداد المفقودين في أوروبا | الأخب


.. مدينة أسترالية يعيش سكانها تحت الأرض!! • فرانس 24 / FRANCE 2




.. نتنياهو يهدد باجتياح رفح حتى لو جرى اتفاق بشأن الرهائن والهد


.. رفعوا لافتة باسم الشهيدة هند.. الطلاب المعتصمون يقتحمون القا




.. لماذا علقت بوركينا فاسو عمل عدة وسائل أجنبية في البلاد؟