الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الثورة الإنفعالية

جمال علي الحلاق

2011 / 2 / 8
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


أتحدّث عن أزمة مركّبة بمستويات عدّة تمسّ أطراف الصراع كلّها ، وربّما كان المستوى الأكثر وضوحاً هو إنتماء الجماهير لإنفعالها الأعزل الذي يسبق عمليّة تشكّل إتّخاذ القرار الحاسم من قِبَل الأحزاب السياسية المعارضة عند محاولة الإطاحة بنظام دكتاتوري مدعوم بالأجهزة البوليسية وبقوى رأس المال سواء أكانت في الداخل أو في الخارج .

بديهية : تعمل الأنظمة الدكتاتورية على إقصاء وتفريغ الأحزاب السياسية المعارضة عن ومن أدوارها الفعلية ، تجعلها مصابة بشلل كلّي أو بكساح يعيق حركتها بين صفوف الجماهير ، وبالتالي يجعل حضورها الإجتماعي شبه معدوم ، وعدم قدرتها على التغيير يجعلها فاقدة للأهمية ، وغير موثوق بها جماهيريّاً.

فجوة زمنية قاتلة

عندما تتحوّل الأحزاب المعارضة تحت ضربات القمع الدكتاتوري الى صور شاحبة ، تحتضر لكنّها لا تموت ، ولا يُسمح لها بتدارك بنيتها ، سواء الإدارية وعلاقتها بالمجتمع ، أو بفتح نوافذ للحوار مع الأحزاب والتكتّلات السياسية الأخرى ، تزداد الهوّة بينها وبين الجماهير ، ولا تعود مرجعاً يمثّل الشارع في حالة الغليان .

من هذه النقطة تحديداً ، من غياب التمثيل السياسي ، ومن وجود الدافع الى الخروج على السلطة ، يجد الفرد نفسه واقفاً الى جوار آخرين لهم نفس ما له من الدوافع ، ويفتقد بنفس القدر ما يفتقدون من تمثيل سياسي يمكن أن يجعل إنفعالهم الجماعي مدبّباً الى أقصاه .

عادة ما تكون هناك فجوة زمنية قاتلة تفصل ما بين لحظة نزول الجماهير الى الشارع وبين تبلور الوعي السياسي وسرعة بديهيته في إتّخاذ قرار حاسم يقود إنفعال الجماهير الى نهاية واضحة ومدبّبة .

وأقول فجوة زمنية قاتلة لأنّها في حالة إتّساعها قد تقود الى الإجهاز على الثورة ذاتها ، كما حدث في العراق على يد صدام حسين عام 1991.

والخلل هنا لا ينحسر في سرعة إنتشار الإنفعال الجماهيري ، ولا في بطء حركة الأحزاب السياسية المقموعة والمغيّبة عن الوعي وعن الحضور الفعلي بين صفوف هذه الجماهير ، بل يمتدّ ليطال آليات إشتغال السلطة الدكتاتورية ذاتها ، لأنّ الوظيفة الأساسية للقمع هي جعل الرؤية السياسية مضبّبة الى درجة أن يعتقد المواطن بأن ليس هناك طريق آخر سوى الدكتاتورية ، وأنّ سقوط الدكتاتور سيؤدي الى فوضى ومتاهة لا أحد يعرف منتهاها .

أتحدّث هنا عن قمع إستمر لأكثر من ثلاثين عاما ، أي أنّ جيلاً جديداً ولد ونمى دون أن يرتبط عضويّاً بتاريخ حزب ما ، وبالتالي يصبح من العسير على حزب معارض أن يتكئ على عمقه التاريخي في الإنتشار ، سيكون لكلّ لحظة تاريخية شروطها الإجتماعية ، وهنا يكون على أيّ حزب أن يبدأ بين صفوف الجيل الجديد ، وبرؤى جديدة ، لكن بعد سقوط الدكتاتور .

أي أنّ عودة الحزب الى الحياة ستكون لاحقة للثورة ، ولعلّ الأحزاب الدينية هي الأكثر قدرة على دغدغة الإنفعال الجماهيري في حالة غياب الرؤية الواضحة .

أزمة البديل

في الثورات الإنفعالية غالباً ما يكون هناك هدف واضح ، لأنّها لا تحدث إلا في المجتمعات التي تعاني حكماً دكتاتورياً ، وعليه فإنّ الرغبة في إسقاط الدكتاتورية ستكون طافحة على سطح الشعور الجمعي ، لكن ، وبنفس الوضوح ، لا يكون هناك بديل واضح ، وهذا ما يتكرّر الآن في ميدان التحرير في مصر .

هذا الأمر يجعل كفّة السلطة الحاكمة هي الأرجح لأنّها تدير دفّة الأجهزة البوليسية إضافة إدارة دفّة رأس المال ، خصوصاً ، عندما تتصادم لأحزاب والكتل السياسية المعارضة فيما بينها في اللحظة التي تكون الجماهير فيها قد قطعت شوطاً طويلاً من الصراع في الشارع .

إنفعال الجمهور شرر يتطاير ، ينتقل من بيت الى بيت ، ومن مدينة الى أخرى ، بينما قرار الأحزاب السياسية مثل زلنطح ( باشو ) الذي " يتسلّق ببطء جبل فوجي " ، بطء يقوده إنعدام الثقة المتبادلة .

أزمتان متقابلتان

في الثورة الإنفعالية ، تجد الجماهير نفسها واقفة لوحدها إزاء القمع الدكتاتوري ، جمهور يحاول إزاحة الدكتاتور ، ودكتاتور يحاول إزاحة الجمهور بالقمع .
الدكتاتورية في مصر - الآن - لا تواجه الأحزاب السياسية ، بل تواجه الجماهير ذاتها . أزمة الدكتاتورية هنا تقترب من أزمة الجماهير ، كلاهما يفتقد الوسيط الذي يمكن أن يقود الصراع الى مستوى آخر .

في اللحظة الحرجة يقف الطرفان متقابلين على عتبتين متضادّتين ، الدكتاتورية تحتاج الى من تتحاور معه ، والجمهور لا يستطيع إتّخاذ قرارٍ حاسمٍ ، لأنّه أعزل إلا من سلطة الإنفعال .

أي أنّ الدكتاتورية القائمة على القمع تقود الى قمع ذاتها في النهاية ، لأنّها ، كآلية إشتغال قائمة على الحذف ، وعليها ، من أجل ديمومة بقائها ، أن تلجأ الى استخدام آلية ( الضدّ النوعي ) ، وهي آليّة لا يمكن أن تكون قراراً يتمّ إتّخاذه قرب الحافة ، آليّة الضدّ النوعي تبدأ مع البداية الأولى للدكتاتورية .

ما يحدث الآن في مصر أنّ السلطة القامعة إستخدمت ( الضدّ النوعي ) بفتح أبواب السجون ودسّ البلطجية بين التظاهرات السلمية لمنح الإحتجاج السلمي صفةً تخريبية ، كما جعلت الشرطة بثياب مدنية تهتف كإتّجاه معاكس للجماهير ، بل تجاوزت ذلك بإطلاق النار على المعتصمين ، وبالتأكيد فإنّ أكثر ما يؤلم الشعوب ويخلخل وجدانها هو العبث بعمقها التاريخي ، وأقصد المتاحف ، لذا تمّ الترويج لنهب المتحف المصري محاولة في دغدغة الإنتماء الوجداني الإنفعالي للماضي عند الجماهير ، وتصعيد الإحساس بفقدان الهويّة أو مسخها .

في المقابل ، التجربة الحقيقية تجعل الوعي السياسي الجماهيري ينمو بسرعة عالية ، خصوصاً في منطقة الحقوق ، يمكن رؤية ذلك من التغييرات التي تحدث على الشعار المرفوع .

بدأت ثورة ميدان التحرير بشعار : " الشعب يريد إسقاط النظام " ، وهو شعار سلمي لا يتضمّن المحاسبة ، يكتفي فقط بإزالة النظام القمعي ، غير أنّ الجمهور ، بعد تعرّضه لعمليات القتل العشوائية ، وأساليب العنف البدائية كاستخدام الخيول والبعران في تفريق المتظاهرين ، وجرائم أخرى مثل رمي الكتل النارية من سطوح البنايات على المعتصمين ، تسبّبت في عدد كبير من الضحايا ومئات أو آلاف من الجرحى ، كلّ ذلك ساهم في تصعيد الإنفعال الجماهيري ومنحه عمقاً آخر جعلها تقوم بتغيير مضمون الشعار حتى أصبح بصيغة أخرى مختلفة : " الشعب يريد محاكمة النظام " ، القضيّة الآن ليس في رحيل النظام ، بل في محاكمته ومقاضاته ، إكتفى التوانسة بهروب ( بن علي ) ، أما المصريّون فلم يعد ذلك كافياً ، وهذا يعني أنّ الشارع بلغ حدّاً من الإنفعال لن يتوقّف عند إجراء تغييرات سطحية ، أو عمليات تجميل لوجه السلطة ، لقد بلغت التجاعيد من الكثرة بحيث لا يمكن إلا إزالة الوجه بأكمله ، لكن بعد محاكمته .

تصعيد لغة الشعار يقابلها إصرار الحكومة على الإبقاء على دكتاتورها ، لكن بطريقة تكاد أن تكون توسّلاً حفاظاً على كرامته ، لقد وضع الدكتاتور نفسه في زاوية ضيّقة جداً حين أعلن أنّه لا يتخلّى عن مسؤولياته ، فلم يعد أمامه إلا البقاء على رأس السلطة ، حتى ولو كان هُزأةً ، وهذا أمر مرفوض جماهيرياً ، أو أن ينتحر ، وهو أجبن من ذلك .

الجيش أو الجهة الرابعة

نزول الجماهير الإنفعالي الى الشارع هو نوع من النزيف الجماعي ينبغي إيقافه على عجل بنهايات واضحة ومدبّبة ، لأنّ النزف المستمر سيجعل الثورة الإنفعالية أمام واحدٍ من ثلاثة إحتمالات :-
- أن يتمّ تذويبها تدريجياً بالتمديد والمراوغة واللعب على ورقة تعب الجمهور ، المراهنة على طول النفس ، ومحاولة كسب الأحزاب المعارضة على حساب الشارع ، وهو ما يجري الآن .
- أو أن يتمّ ركوب موجتها من قبل جهة ثالثة كما فعل الخميني مع ثورة الشارع الإيراني عام 1978 ، وكما يحاول الأخوان المسلمون في مصر .
- أو أن يبادر الجيش بانقلاب عسكري يؤسّس من خلاله لحكومة انتقالية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخوان المسلمين يحاولون سرقت الثورة او نصفه
محمود الفرج ( 2011 / 2 / 9 - 02:27 )
النظام الدكتاتوري الفاشي لا يتخلى عن السلطة بسهولة خصوصا وبعد ان تحررت الشعوب المتحضرة والواعية ومطالبته حكوماتها باحترام حقوق الانسان في كل مكان وتكوين المحاكم الجنائية الشعوب تثور ولكنها تجد من يحاول افشال الثورة او سرقتها وكما اشرت استاذي العزيز ان اخوان المسلمين يحاولون سرقت الثورة او نصفها على الاقل وليذهب الثوار الى حيث يشاؤن الجماهير لن تتنازل واستخدام العنف جريمة ابادة جماعية يرفضها ويحاسب عليها المجتمع الدولي حسني مبارك يفهم القانون الدولي وسيطارده فما عليه الا الانتحار ولكنه جبان
مع احترامي سيد جمال


2 - من أجل تحقيق أهداف الثورة
زروال المغربي ( 2011 / 2 / 9 - 10:35 )
لا بد لأي ثورة من مجابهة الثورة المضادة حتى تحقق أهدافها بهذا :
ـ لا يجب التساهل مع رموز النظام القديم في تونس ومصر و التشبث بإسقاط النظام.
ـ لا يجب التقة في حكومات الإمبريالية .
ـ لا بد من تنظيم العمال و الفلاحين في اللجان الشعبية و الشروع في الإضرابات الجماهيرية .
ـ لا بد لوضع العنف الثوري ضمن أولويات الثورة لحسم الصراع لصالح الجماهير الشعبية.
ـ لا بد من إعلان انحياز الجيش إلى جانب الشعب ة إلا وجب خلق أنصار الثورة من داخله.
ـ لا بد من إعلان حكومة ثورية داخل ميدان التحرير تعبر عن مصالح الثوار و إعلان سفرائها في الخارج للدفاع عن الثورة.


3 - جمال
محيي المسعودي ( 2011 / 2 / 10 - 08:34 )
ماذا يا يجمال . يبدوا وكأنك تكتب نصا ادبيا صريحا

اخر الافلام

.. المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي-نجاحات وتهاني-2


.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة




.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا


.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة




.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-