الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا ل -ثورة الغضب العراقي-

حسن الفرطوسي

2011 / 2 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


العراق لا يحتاج إلى ثورة غاضبة كما هو الحال في تونس ومصر، بقدر حاجته لثورة باردة وتغيير ناعم على المستوى المعرفي والتربوي والثقافي والعمراني والفني، ثورة ثقافية ليتخطى المرحلة الأصعب في طريق التحرر من العبودية والطغيان، بعد أن تخطى مرحلة تغيير النظام الدكتاتوري في العام 2003.
الشعب التونسي والشعب المصري بالإضافة إلى شعوب أخرى في المنطقة في حالة مواجهة جريئة وشجاعة لتغيير أنظمتها الدكتاتورية، وحين يكتب لها النجاح ستلتحق بمرحلة التغيير الثقافي، أي بالمرحلة التي فيها العراق الآن.
طبيعة المرحلة العراقية تجيز أو (تستوجب) التظاهر السلمي، بمطالب واضحة وموضوعية، كالمطالبة بتوفير الخدمات والعمل، لكن محاولة استنساخ ما يجري في مصر حالياً تعتبر مخاتلة وهروب من الشروع في إعداد وتنفيذ برامج إصلاحية لتغيير ثقافتنا الاستبدادية والفاسدة، فحكومة الحرامية الحالية في بغداد هي انعكاس لثقافة المجتمع ولم تأت من كوكب آخر.
ركوب موجة الثورة العنيفة يعني العودة إلى نقطة الصفر، وهو ما سيضحك العالم بأجمعه على سذاجتنا، كيف يفهم العالم ما نقوم به حين نثور على حكومة لم يمض عام واحد على انتخابنا لها.. نحن بحاجة إلى نخبة واعية، مدركة لقراءة المشهد بالشكل الصحيح، لا لثوار لا يجيدون حتى صياغة شعاراتهم، ذلك ما يمكن استنتاجه من خلال نظرة سريعة على الشعارات المقترحة لما يسمى بـ "يوم الغضب العراقي" والتي أعلنتها بعض المواقع الألكترونية، فهناك خمسة عشر شعاراً يقول "الموت لديمقراطية......" ثم يلحق بصفة سيئة، مثل:
* الموت لديمقراطية الموت وقطع الرؤوس!
* الموت لديمقراطية تلقي القبض على القتلة ثم تطلق سراحهم وتعلن هروبهم!
* الموت لديمقراطية الجهل والفقر والتخلف والقتل!
* الموت لديمقراطية تغتال القلم والكلمة الناطقة بالحق!
وإلى آخره من نداءات الموت للديمقراطية، ولا أدري ما إذا كان هذا الابتعاد عن حقيقة المشهد مقصوداً أم اعتباطياً، لكنني أدرك بأن الخراب الذي نعيشه ليس بسبب الديمقراطية كنظام حياتي وسياسي، وإنما العلة في ثقافتنا المعطوبة التي نخرتها عمليات عسكرة المجتمع التي دأب عليها نظام البعث واستثمرتها الأحزاب الدينية من بعده.. أدرك بأن سبب الخراب الذي نعيشه هو بنيتنا الأخلاقية الهزيلة وثقافتنا المعادية للقلم وللكلمة الحرة وللنقد.. ثقافة الموت والاستعراض في ارتداء الأكفان، ثقافة التباهي بالجهل والفقر والتخلف.
شعارات من هذا النوع تشير إلى ثورة ضد الديمقراطية، لا ضد الفساد وقطع الرؤوس واغتيال القلم والكلمة الحرة.. هل يدرك من قام بصياغة هذه الشعارات ذلك؟
نعم للدعوة لمظاهرات ضد الفساد والظلم واستعباد الناس وسرقة حياتهم.. لا للدعوة لثورة ضد الديمقراطية بعد كل تلك المعاناة التي تحملناها والدماء التي أريقت في شوارع العراق.
وهنا أتساءل: هل تهدف ثورة الغضب هذه إلى إسقاط الحكومة الحالية؟ إذا كان الجواب نعم، كيف يتم تنصيب الحكومة الجديدة؟ هل يتم ذلك عبر انتخابات؟ إذا كان الجواب "لا" فذلك يعني إنها دعوة للدكتاتورية وحكم العسكر، وإذا كان الجواب "نعم" فستعود نفس الوجوه إلى الحكم، لأن الجهل المتفشي في الشارع العراقي سينتخبهم مجدداً.. فما جدوى هذه الثورة إذن؟
لذا فإن الحديث عن ثورة عراقية، على غرار الثورة المصرية، ليس سوى انسياق عاطفي غير ناضج وقصور في فهم حركة الأحداث ومراحلها الموضوعية، ذلك لأن العراق تجاوز مرحلة التغيير السياسي من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ويعيش الآن مرحلة الثورة الثقافية للتخلص من مرحلة سطوة الأحزاب الدينية الحريصة على تغذية الجهل والتخلف والعنف والفقر، فأحداث التغيير لا تسير إلى الخلف يا معودين.
لنتعلم كيف نختار من يحكم البلد، بدل أن نتحامل على الديمقراطية وندعو لها بالموت.. الديمقراطية تمنحنا فرصة للاختيار، لكن ثقافتنا الرعناء تقودنا إلى انتخاب اللصوص والأفاقين والفاسدين.. فهل العيب بالديمقراطية؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم ..هذا صحيح ..
موسى فرج ( 2011 / 2 / 9 - 13:48 )
فرصه لن تعوض ربما لسنوات .. امام الشعب العراقي للتغيير .. والتغيير في العراق بالذات لا يعني بالضرورة اسقاط النظام السياسي القائم بل تعديل اعوجاجه ..يبدأ بمواجهة الفقر والبطالة والفساد خارج الأطر الترقيعية وينتهي بالغاء المحاصصة والطائفية السياسية وأقامة النظام الديمقراطي الحقيقي واسس المجتمع المدني .. ولكن ..ليس لعودة البعث ... 8 شباط 2011 ..)).. منذ 9 /4 1 ودعاة عودة الاستبداد يعملون باستماتة لاعادة المور الى ماكانت عليه قبل عام 2003 ويجب الأحتراس فليس الديمقراطي من تذبح وليست من تنهب وليست اليمقراطية من توصم بالجهل والخرافة وليست هي من تقطع الرؤوس ولا يجب ان توجه الحراب اليها بل تنظيفها من العوالق ..شكرا للاستاذ العزيز حسن الفرطوسي ..


2 - مصيبتنا......مصيبه
شمران الحيران ( 2011 / 2 / 9 - 19:13 )
الاخ الفاضل الفرطوسي .ما اسهل الكلام عندما يكون نظري بعيد عن الواقع حيث الموشرات الحقيقيه للتصورات التي استدل عليها المقال معكوسه ..واقصد هنا ان العراق الذي يحتاج حقا الى ثورة غاضبه تكتسح جذور القمامه ولنبدا من الصفر افضل لنا ان نكون تحت الصفر مقارنة بالواقع المصري الذي شهد انتفاضته
وكان اهم اسبابها هوالجوع وقد يكون هناك مايبرر اخفاقات الحكومه المصريه نظرا للاكتضاض السكاني ونقص موارد الدوله الاقتصاديه ناهيك عن هامش الحريات الذي يحضى به الشعب المصري اذ ما قورن بوضع العراقيين خلال سنين الجمر الثمان الذي بددت الثروات ونهبت الخيرات وافسدت كل مرافق الحياة العراقيه في مجالات التعليم والثقافه والمجالات الاجتماعيه الاخرى لتجعل من العراق ميدان للقتل والخطيئه وشرعنه للعماله تحت مسميات الدستور والقانون والقضاء وتخريب مقصود لكل مؤوسسات الدوله وبناها التحتيه وتقسيمها بين ملل وطوائف واحزاب.لذا احب ان اطمئن الاخ الكاتب بانه ليس هناك نيه لثورة غضب او ماشابه ذلك كون العراقيين انقسموا مابين دعوه وصدرا وبدر والكل منتفعين من الوضع القائم حتى الذين لم يتشرفوا بهذا الانتماء انحصرت مصالحهم في غياب القانون

اخر الافلام

.. تونس: ما مبرّرات تكوين ائتلاف لمناهضة التعذيب؟


.. ليبيا: ما سبب إجلاء 119 طالب لجوء إلى إيطاليا؟ • فرانس 24




.. بريطانيا: ما حقيقة احتمال ترحيل مهاجرين جزائريين إلى رواندا؟


.. تونس: ما سبب توقيف شريفة الرياحي رئيسة جمعية -تونس أرض اللجو




.. هل استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي لفض اعتصامات الطلاب الداعمة