الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيس بوك، انتفاضة

سلامة كيلة

2011 / 2 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لم يكن متوقعاً أن تفضي دعوة على الفيس بوك من مجموعة شبابية الى كل ما حدث في مصر. فقد حدثت دعوات سابقة دون أن تؤدي الى أي تجاوب، بعد أن دعمت مجموعة شبابية اصبح اسمها فيما بعد مجموعة 6 إبريل دعوة عمال المحلة الى الإضراب من خلال دعوتها لإضراب عام تضامناً معهم. لكنها كررت الدعوة بعد ذلك الى الحدّ الذي أوجد مناخاً بأن المسألة باتت "مهزلة"، رغم أن هؤلاء الشباب ظلوا مصممين على التواصل والتحريض على الاحتجاج.
هذه المرة تحولت الدعوة الى انتفاضة شاملة عمّت كل مصر، ولازالت متصاعدة ومتماسكة، رغم كل القمع الذي ووجهت به، والإصرار السلطوي على خنقها. ولا أظن أنها ستخنق.
طبيعي أن المسألة ليست بهذه البساطة، وأن كل هذه الجموع لم تخرج فقط لأن هناك دعوة على الفيس بوك، وأعتقد بأن معظمها لم يسمع بالفيس بوك أو بالدعوة عبره، ولقد سمعها من الصحف والفضائيات التي هي في متناوله. ولم تتجاوب معها من منطلق التضامن أو "الحشرية". لكنها كانت تعيش في أزمة عميقة توضحت من خلال آلاف حركات الاحتجاج التي عمت مصر خلال السنوات السبع السابقة، والتي كانت تعبّر عن أزمات معيشية مستفحلة، طالت الفلاحين بعد إعادة الأرض للملاك الذين صادر الإصلاح الزراعي أراضيهم، وطالت العمال الذي أفضت الخصخصة الى انهيار وضعهم المعيشي، والى تسريح أعداد كبيرة منهم. كما طالت المناطق التي جرى تهميشها أو جرى الاستيلاء على أراضيها لمصلحة مافيات، أو التي جرى تدمير البيئة في محيطها ليتسبب ذلك في تفشي أمراض قاتلة. أو الموظفين الذين لا يكفي أجرهم معيشة أيام من الشهر. أو..أو...
أو الفئات الوسطى التي تركز خطابها، ونشاطها، خلال العقد السالف على الدمقرطة، فأصبحت منذ سنة 2004 تطرح شعار "لا للتمديد" لرئيس لازال يحكم منذ ربع قرن حينها، و"لا للتوريث" لإبنه الذي كان يتحضر لكي يكون "الرئيس المقبل". وبالتالي بات هم هذه الفئات تغيير النظام، وتأسيس جمهورية ديمقراطية.
كل هذا الشتات كان قائماً، وكان يعبّر عن أزمة يعيشها المجتمع. أزمة العجز عن العيش بالأساس لدى كل الطبقات الشعبية، وأزمة شرعية تعيشها الدولة نتيجة الشكل "الديمقراطي" المشوّه الذي يلفها فيقصي كل هذه الفئات. ولقد كانت الصراعات الاجتماعية تتصاعد، وتتوسع، من الفئات الوسطى الى العمال والفلاحين، ومن العاصمة وباقي المدن الى الأرياف. لكنها ظلت مشتتة، ولا تتوافق على هدف واضح، حيث تحلم الفئات الوسطى بالديمقراطية بينما تبحث باقي الطبقات الشعبية عما يساعدها على العيش.
وإذا كان النشاط من خلال الفيس بوك ينحصر في "نخب شبابية" بالأساس، وأن الدعوة الأولى في 6إبريل سنة 2009 جاءت تابعة لإضراب عمالي محدَّد مسبقاً فنجحت لهذا السبب بالذات، حيث تناولته مختلف الصحف، فإن هذه اللحظة لم تتوفر في كل الدعوات التالية، رغم أن النجاح الأول أغرى بالتسرع في الدعوة المتكررة لإضرابات لم تكن أكثر من تجمعات محدودة للنخب ذاتها، مع بدء تسرّب مجموعات شبابية هي المتفاعلة عبر الفيس بوك.
لكن لاشك في أن هذه الدعوات الشبابية، والتي بدت أحياناً كدعوات بهلوانية أو ناتجة عن غرور نتج عن النجاح الأول، لم تكن بمعزل عن الاحتقان الذي تعيشه الطبقات الشعبية. حيث يجري تناسي بأن هؤلاء الشباب هم ليسوا منعزلين عن المجتمع، وإذا كان هناك من يعتقد بأنهم من الفئات الوسطى نتيجة تعليمهم ومقدرتهم الوصول الى النت، وبالتالي يميل الى القول بقطيعتهم مع المفقرين من كل الطبقات الشعبية، فإن الملاحظ هنا بأن هؤلاء هم من المفقرين وليسوا طبقة وسطى، فليس التعليم هو المحدِّد للموقع الطبقي. قيمة هذه الملاحظة تتمثل في أنها تعطي مؤشراً على أن الدعوات المتتالية الى الإضراب والانتفاض من قبل هؤلاء كانت نتاج احساس عميق بالاحتقان الذي باتت تعانيه هذه الطبقات، ولم تكن نتيجة هوس "فيس بوكي"، أو تعالي برجوازي صغير. وبالتالي كانت الصوت الذي يدعو الى نقل الاحتجاج من طابعه الضيق والجزئي والمحدود الى أبعاده الواسعة. أي تحويل أشكال الاحتجاج المتفرقة والمتعددة المطالب، التي تعبّر عن كل من هذه المجموعات المحتجة، الى مطلب شامل تمثل في الشعار العام الذي حكم الانتفاضة منذ البدء: الشعب يريد اسقاط النظام. رغم كل المطالب التي ترافقت معه من هذه الفئة أو تلك، من شكل الدولة الى رغيف الخبز الى العدالة الاجتماعية.
يبقى أن نشير الى أن اللحظة التونسية التي تمثلت في قيام الانتفاضة وانتصارها في طرد زين العابدين بن علي أشعلت كل مكنون الاحتقان المتراكم لدى كل الطبقات الشعبية، وهذا ربما ما جعل هذه الفئة الشبابية تتحسس بأن الانتفاضة هذه المرة ممكنة. وهذا ما حدث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للكاتب سلامة كيلة
مكارم ابراهيم ( 2011 / 2 / 9 - 19:51 )
تحية لك سيدي الفاضل سلامة كيلة وشكرا لك على تسليط الضوء حول الفئة الناشطة في الفيس بوك التي لعبت دورا كبيرا في تعبئة كل الفئات وكل الطبقات وفي الواقع ان المناضلين انفسهم الذين كانوا يتحركون ميدانيا طوال عقود مضت هم انفسهم من خلال كتاباتهم كان لهم تاثير كبير على نشر الوعي السياسي والفكري وتسليط الضوء على القمع الذي يتعرض له سجناء الراي
ومن خلال الفيس بوك يتم نقل مايحدث في العالم العربي للعالم الغربي والاعلام الغربي ونقل الاراء والافكار لهم التي لاتصلهم عن طريق اجهزة اعلامه وبهذه الطريقة يتم تصحيح النظرة الغربية للشعوب العربية واعطائهم الصورة الحقيقية وتوسيع ابعاد التآزر للانتفاضات في العالم العربي
فائق الاحترام والتقدير
مكارم


2 - مقال مهم
عذري مازغ ( 2011 / 2 / 9 - 20:17 )
وجدتني بالفعل اتقاسم معك الفكرة التي حددت شباب الفايسبوك على انه من البرجوازية المتوسطة استنادا إلى مستواهم الدراسي والحقيقة ان من لا عمل له لا يمكن إقحامه في هذه الطبفة، لكن يبدوا ان تلهف البعض لتبني الثورة كما لو كانت ثورة الطبفة المتوسطة يدخل ضمنيا في سياق الحرب الإيديولوجية التي اشعلتها ساحة التحرير حيث شكلت وحدة صراع طبقي بامتياز وضحت تماما تجلياته السياسية في تمشكلاته السياسية المعبرة في الساحة لاحتواء الثورة، ساعد على ذلك غياب الأحزاب الماركسية والنقابات العمالية وغياب قيادة شبابية تحكم لعبة الصراع السياسي.
تحياتي الصادقة الأستاذ سلامة كيلة


3 - ماهي اسباب وافق الثورة التونسية والمصرية؟
حسن ابراهيمي المغرب ( 2011 / 2 / 11 - 01:32 )
تحية الى الكاتب سلامة كلية .
يسبب الطول سقط التعليف بالخانة رفم 3,لدلك ارتايت ان اعيد بعضا منه قبل طرح السؤال .
وعليه ارى ان اسباب الثورة في تونس ,ومصر وغيرها من الدول العربية لاترتبط فقط بما ورد ضمن مقالكم رغم اهميته .وبالانتقال الى التحليل يتضح ان الشروط الموضوعية التي تحكم التناقضات باغلب الدول العربية تتشابه في جوهرها بسبب تبعية هده الانظمة للنظام الرأسمالي . وما نجم عن دلك من نتائج الرأسمالية المتوحشة التي ادت الى تفقير عموم المواطنين.
كما لعب استبداد انظمة الحكم بها دورا اساسيا فيما يتعلق بالحريات ,والحقوق الغردية والجماعية حيث تم الزج بالعديد من المعارضين في السجون .
اداكان الامر كدلك ,فما هو التطور الدي عرفه الرأسمال العالمي ,في اطار تبعية هده الانظمة له ؟ وماهي الازمة التي يعرفها النظام الرأسمالي بعد انتقاله الى اعلى مرحلة ,وهي الامبريالية ؟وكيف اثر دلك على الصراع الطبقي بهده الدول ؟

اخر الافلام

.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين


.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع




.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف


.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا




.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟