الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجارة النظام القديم

محمد سيد رصاص

2004 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


تولى سبعة من أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي، بعد انهيار موسكو، الرئاسة في الجمهوريات الجديدة التي تولدت عن ذلك الانهيار السوفياتي.
قديماً، قال لينين:" نبني النظام الجديد بأحجار القديم"، وقد طبّق ذلك، رغماً عن معارضة اليساريين المتطرفين في الحزب البلشفي، لما استعان بضباط الجيش القيصري القديم في ظرف الحرب الأهلية عندما كان الجيش الأحمر غضاً وحديث التكوين، ولم يتحرّج عن ذلك أيضاً على صعيد إدارة الدولة السوفياتية الجديدة.
يعني تعيين الدكتور إياد علاوي رئيساً لوزراء العراق الجديد، وهو المنصب الأقوى في الدولة، هزيمة لمدرسة "صُنع الأمم"، التي ظهرت في بعض الأوساط الأكاديمية الأميركية ثم تبناها تيار "المحافظون الجدد" في الإدارة الأميركية الحالية، والذين أتى بعضهم (ريتشارد بيرل، بول وولفوفيتز، وليام كريستول) من التيار التروتسكي، ليتبنوا الآن نوعاً من "الراديكالية اليمنية" التي تذكر جذريتها "التغييرية" ونزعتها إلى "تصدير النماذج" بالكثير من الذي كان موجوداً في نظرية "الثورة الدائمة" عند تروتسكي.
كان من الطبيعي أن يتلاقى أصحاب هذا الاتجاه، المعششين في البنتاغون وفي مكتب ديك تشيني، مع الدكتور أحمد الجلبي، رئيس "لجنة اجتثاث البعث"، ومع الأحزاب الدينية الشيعية والأحزاب القومية الكردية، وهي التي كانت من أكثر المتعرضين لاضطهاد حزب البعث وصدام حسين، إضافة إلى أن ميل هذه الأحزاب لبسط نفوذها على العراق الجديد (وهي التي تمثل قاعدتين اجتماعيتين كانتا إما ضعيفة التمثيل أو معدومته في السلطة السابقة) قد جعلها في موقع التلاقي الطبيعي مع اتجاه "الاجتثاث"، كما أن علاقات المحافظين الجدد الوثيقة مع (الليكود) قد تلاقت مع اتجاهات مثّلها الجلبي، والأحزاب الكردية، لقطع روابط العراق العربية وجعله "عراقوياً" وهو أمر لن يلاقي الانزعاج في طهران.
أتى الدكتور علاوي من حزب البعث، وكان قد أسس حركته، (الوفاق الوطني العراقي)، من خلال كوادر السلطة العراقية البعثية، في الحزب والإدارة والجيش، ليتبنى نظرية "الانقلاب من الداخل" على صدام حسين، بدلاً من "المعارضة الخارجية" عند الجلبي وباقر حكيم وفي الشمال مع البرزاني والطالباني، متلاقياً في ذلك مع "المدرسة الواقعية" في الخارجية الأميركية وفي (C.I.A)، لتجري محاولة أولى لتطبيقها مع (حسين كامل) في صيف 1995، لما أعطت الإدارة الأميركية تصريحات علنية- لجذب أفراد النظام، وتطمين بعض دول المنطقة- بأن التغيير يمكن أن يعتمد على "أفراد النظام" وعلى "الوسط" الذي كان قاعدة النظام، وليس على الجنوب الشيعي والشمال الكردي اللذان تركتهما قوات التحالف لمصيرهما أمام قوات صدام في الشهر التالي لانتهاء حرب 1991.
ما جرى في (9نيسان)، وفي الأشهر الأربعة عشر اللاحقة قبل تعيين علاوي رئيساً للوزراء، كان يمثل انتصاراً للبنتاغون على الاتجاه الآخر في الإدارة الأميركية: لم يستطع الرباعي (الجلبي- حكيم – البرزاني- الطالباني)، الذين كانوا الأقوى في مجلس الحكم العراقي، بالتعاون مع "إدارة الائتلاف" والجيش الأميركي، أن يحكموا ويضبطوا العراق، بعد حل الجيش والأمن العراقيين وبعد اجتثاث البعثيين من الإدارة، وخاصة مع ظهور مقاومة عراقية كان من الواضح مناطقيتها وفئويتها عند الأماكن والفئة (= الطائفة) التي كانت قاعدة النظام العراقي السابق متركزة أساساً فيها، إلا أنها نجحت رغم هذا في جعل العراق مضطرباً ومهتزاً، وخاصة مع بداية تفكك "البيت الشيعي" عبر دخول التيار الصدري في مواجهة الأميركان ولو أن مطالبه من واشنطن لا تتجاوز حدود "النضال المطلبي" الهادف إلى خربطة عملية حصر حصص التيار الشيعي الديني في "المجلس الأعلى" و "الدعوة".
أتى تعيين وزيرٍ للداخلية من السنّة، اتهمه الجلبي بعد ذلك بعزل الضباط الشيعة، ثم تسوية أحداث الفلوجة عبر "لواء الفلوجة"، وصولاً إلى تقليم أميركي لأظافر الجلبي، وانتهاءً بتعيين علاوي- ليعطي مؤشرات على اتجاه أميركي جديد يتجاوز ما قدمه رامسفيلد ومعاونه وولفوفيتز من "سياسات عراقية".
ربما كان ذلك، إذا عزلنا "العوامل العراقية"، آتياً من اتجاه أميركي لتطمين دول الجوار في أنقرة ودمشق وعمان والرياض ومن اتجاهٍ أميركي مستمر للصدام مع طهران وعزلها عن الداخل العراقي الذي يبدو أن امتداداتها إليه لم تقتصر على الأحزاب الدينية الشيعية بل وصلت إلى ليبراليين وعلمانيين مثل الجلبي، إلا أن ذلك يصل بدلالاته ومعانيه ليشير إلى فشل "السياسة التغييرية" للمحافظين الجدد التي أريد من خلالها جعل العراق نموذجاً للمنطقة، أو جعله بوابة لتنفيذها وفقاً لأطر ربما كان "مشروع الشرق الأوسط الكبير" أحد عناوينها الرئيسية.
كان انتصار ستالين (ونظريته عن "الاشتراكية في بلد واحد") على تروتسكي و "ثورته الدائمة"، في عام 1927، مصدراً لارتياح دول الغرب الرأسمالي: ربما كان انتصار الثنائي (باول –تينيت) على رامسفيلد مصدراً لارتياح مماثل في أغلب دول الشرق الأوسط، بما يعنيه ذلك من انزياح هواجس ظلّلت علاقات عرب الجوار العراقي (ومعهم مصر) بواشنطن، ثم لتأتي عملية هزيمة الجلبي أمام الدكتور علاوي كتجسيد عراقي لذلك الانتصار، بكل ما يعنيه الأخير، وهو الآتي من عائلة شيعية مدينية قديمة (بخلاف مناصري الصدر في ضواحي بغداد والنجف الآتين من الريف، ومناصري "الدعوة" "والمجلس الأعلى" الريفيين أو المتوطنين في المدن الصغرى) توزعت انتماءاتها بين البعث والشيوعيين وقبل ذلك أعطت سياسيين ليبراليين في العهد الملكي، والحامل لخلفية علاقات داخلية ربما تجسد "وفاقاً عراقياً"، مع أخرى خارجية تمتد من واشنطن من دون أن تستفز –كما عند الجلبي- الرياض وعمان أو تغضب "بعث دمشق"، ليترافق ذلك مع إدارة ظهرٍ لطهران، وإشارات على نكوص أحلام ربما داعبت تل أبيب، عبر علاقات الجلبي مع منظمة (إيباك) الصهيونية في واشنطن، بإمكانية حدوث (كامب دافيد) جديدة مع بغداد، شبيهة بتلك التي عقدت مع السادات في أيلول من عام 1978.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس