الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتفاضة مصر ونبوءة بوبوس

محمد عثمان ابراهيم

2011 / 2 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تأملات في تباينات المواقف مصر الرسمية و مصر الأخرى:
منذ سنوات أحاول ألا أغفل عن متابعة الأوضاع في مصر بشكل كامل. أمر عادة على عدد من الصحف المصرية كل يوم بما فيها أخبار الأدب وأخبار الحوادث. الصحف الرسمية (الأهرام، الأخبار، الجمهورية) لا تقدم سوى صورة باهتة للحياة في أرض الكنانة لكن لا مناص من قراءتها للتعرف على الذهن الرسمي، وكيف ترى الحكومة الأمور هذا الصباح. لدي صديق كان يشتري أهرام الجمعة وأخبار اليوم وحين تم تعيين ممتاز القط رئيساً لتحرير أخبار اليوم توقف عن قراءتها تماماً. لا بد أنه توقف عن قراءة الأهرام بعد أن تولى رئاسة مجلس إدارتها عبدالمنعم سعيد! لكن عجلة الحياة التي لا تكف عن الدوران في مصر الكبيرة، أنتجت صحفاً أخرى شكلت بديلاً حقيقياً للصحف القومية الرئيسية. صدرت الشروق واليوم السابع والمصري اليوم وقبلهما صوت الأمة والفجر. توقف أحمد رجب عن عموده الأسبوعي في أخبار اليوم وإن لم يتوقف (نص كلمة) في الأخبار وما يزال هناك أحمد بهجت وجلال عامر وبلال فضل وغيرهم.
***
بدأ ممتاز القط مسيرته بمنع الكاتب العظيم أحمد رجب من الكتابة في الصحيفة، واختفى الكاريكاتير الشهير الذي كان طابع الصحيفة المميز (فكرة أحمد رجب ورسم مصطفى حسين ثم عمرو فهمي لاحقاً) عقاباً على رسم الرئيس مبارك. بعدها احتل القط بنفسه الصفحة الأولى كلها ليكتب مقالاً مطوّلاً مملاً بعنوان (كلام يبقى) يكيل فيه المديح للرئيس مبارك بمناسبة ومن دون مناسبة. لا يمكن مجاراة الطريقة التي يكتب بها القط. كتب مرة أن الرئيس مبارك مظلوم لأنه محروم من أكل الملوخية بسبب مشغولياته الرئاسية، وقال إنه محروم من التجول في الأسواق وشراء الملابس التي تعجبه والمفاصلة مع الباعة في السعر! كتب مرة أن 88 مليون مصري يريدون تأشيرة دخول لألمانيا للإطمئنان على صحة الرئيس الذي كان يطلب العلاج في أحد مشافيها. ورسخ القط عادة كتابة مقالات في مناسبة عيد ميلاد الرئيس يضمنها عبارات من نوع " فنحن سيدي الرئيس قدرك، وانت قدرنا. لمن غيرك نشكو؟ من مين غيرك نطلب؟ لمن غيرك نروي احلامنا وآمالنا في مستقبل نملك فيه القدرة علي ان نحقق طموحاتنا، ونترك لاولادنا وأحفادنا وطنا عزيزا وقادراً علي ان يحقق لنا كل ما نتمناه؟". كان سمير رجب رئيس تحرير الجمهورية الأسبق ينشر تهنئة سنوية على لوحات الإعلانات الضخمة المملوكة لدار التحرير التي تصدر عنها صحيفته لكنه لم يصل إلى مرحلة ممتاز القط (ينحدر القط من محافظة النوفية مسقط رأس مبارك). وفرت عناوين مقالات القط مثل (ليه بنحبك يا ريس) و (من غيرك يحمينا) وكاريكاتيراته التي يعاتب فيها الحكومة على المساحات الزائدة للحرية (!) مادة خصبة لتندر الوسط الصحفي والثقافي المصري. أبشع ما في عهد ممتاز القط وهو عهد سينتهي قريباً أنه ما يزال يكتب وللمفارقة فقد كان مقاله الجمعة الماضية بعنوان: أين أنت يا حمرة الخجل (تليها علامة تعجب بدلاً عن علامة الإستفهام في صحيفة تصدر في مصر المستنيرة). لا يحفل القط بأسئلة القراء الذين ما انفكوا يستفسرونه هو عن أين ذهبت حمرة خجله هو قبل أن يحمل موساه ويسأل الناس.
***
عبدالمنعم سعيد في الأهرام أكثر حياء من ممتاز القط وبالرغم من مقالاته التي تصلح في أغلبها ضمن حملات العلاقات العامة، إلا أنه معتد بنفسه أكثر من زميله. لم يجد الدكتور سعيد شيئاً يعلق عليه في انتفاضة ميدان التحرير الأخير سوى الإعتراض على قطع خدمات الإنترنت! لم ينتقد جرائم القتل والترويع والإرهاب التي حدثت وانتقد السلطات فقط بسبب ما أسماه (الحظر الإنترنتي) مشيراً إلى أن حياة الناس باتت مرتبطة بالإنترنت من التعامل مع البنوك "وإرسال الرسائل العاطفية" وما لا حصر له من الاستخدامات! (الأهرام 2/2/2011). يتعامى كاتب الشرق الأوسط ورئيس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عن حق الشعب في الكرامة، والأمن، والسلامة، والخبز ويدافع عن حقه في إرسال الرسائل العاطفية فتأمل كما يقول صديقنا على أخيرة (السوداني) الأستاذ حسين ملاسي.
***
مبارك يرفض الإستقالة ليس لأنه ممسك بمفاصل السلطة ومتشبث بها ولكن لأن أركان الحكم وحلفاءهم في الخارج يريدون ان يتم كل شيء وفق النظام السائد. كما بنى مبارك سلطانه مدماكاً سيتعين عليه هدم كل ما بناه بيديه، وهذا درس في تصاريف القدر وتجلٍ بالغ للحقيقة الأزلية أن الله ، تجلّت قدرته، يعز من يشاء ويذل من يشاء. ستشهد الشهور المقبلة عملاً دؤوباً من مبارك لتفكيك الشبكة التي بناها خلال 30 عاماً مضت وستشهد مصارف مصر عودة الكثير من الأموال وإن جرى ذلك دون إعلان دفاعاً عن مكانة مصر في التاريخ والجغرافيا.
من جهتهما يتشبث ممتاز القط وعبدالمنعم سعيد بقيادة الصحيفتين الكبيرتين (تضم مؤسسة الأهرام حوالي 3000 صحفي) أملاً في العودة اليائسة للماضي وتثبيت الحاضر وسعياً وراء التسلل المستحيل نحو المستقبل. لقد قضى ميدان التحرير على الماضي كله وأنشأ حاضراً مختلفاً وحجب عن الماضي المستقبل. سيزاح الرجلان قريباً فلكل عهد رموزه.
***
أكثر المواضيع بحثاً على موقع صحيفة الأهرام على شبكة الإنترنت هو أحمد عز يليه حديد عز. لا عجب فبعد انكسار هيبة الرجل الذي حدثته نفسه ببناء ستار حديدي حول مصر بدأت إجراءات المحاسبة بالفعل. صعد أحمد عز (مولود سنة 1959 وخريج هندسة مدنية عام 1982) بسرعة كبيرة في دنيا المال والأعمال والسياسة. كان الضحية الأولى لثورة ميدان التحرير فقد بدأ منه سيل الإستقالات التي طالت جميع أعضاء المكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم. ولم يستغرق النبش في أضابير امبراطوريته المالية كثيراً فقد صدر قرار منعه من السفر والحجز على أمواله فيما يشاع أنه فشل في الخروج أسوة بآخرين تمكنوا من قراءة المستقبل أسرع منه فأفلتوا من اللحظة الراهنة على الأقل.
***
شخصية احمد عز شخصية مثيرة فهو أحد الأصدقاء المقربين لجمال مبارك، وهو مسئول التنظيم في الحزب الوطني الحاكم قبل التطورات الأخيرة، وإليه تنسب فضيحة الإنتخابات البرلمانية الأخيرة والتي حاول فيها استبعاد الإخوان المسلمين والمعارضة فانهد الهيكل على رأسه. ستتناول الكثير من الكتب والصحف والأفلام والمسلسلات التلفزيونية سيرة هذا الرجل الخطير، فلننتظر قليلاً.
لقد تناولت السينما المصرية سيرة أحمد عز وجمال مبارك ووالده من طرف خفي لكن فيلم (بوبوس) للنجم الكبير عادل إمام، والذي كتب قصته يوسف معاطي، وأخرجه وائل إحسان، هو الفيلم الذي تناول قصة الصعود والهبوط كلها فيما يشبه النبوءة.
تحكي قصة الفيلم حكاية رجل الأعمال المتعسر (محسن هنداوي) الذي يظهر في الفيلم وهو يفاوض رجال المصارف المقرضين " أنا سددت القرضين الأولانيين واتعسرت في الستاشر قرض التانيين" طالباً إعادة جدولة القروض له. يقيم هنداوي مؤسسات صناعية وهمية للحصول على تمويل لها مثل مصنع (هنداوي للحديد والصلب) الذي لا توجد به حديدة واحدة. يقال إن بداية أحمد عز في امبراطورية الحديد (40 مليار جنيه مصري وفق بعض التقديرات) كانت بأقل من 250 ألف جنيه مصري في منتصف التسعينات (جريدة الفجر 5/11/2008). حسناً فعل السيد عز بتركه للوسط الموسيقي، حيث كان يعمل عازفاً في إحدى الفرق الفنية في أوائل الثمانينات، واتجاهه لعالم المال.
تفشل محاولات محسن هنداوي (في الفيلم) فيلجأ إلى آخر الخيارات وهو مقابلة السيد نظام بيه عبدالدائم (لاحظ دلالة الإسم) والذي يوحي بأنه يمثل الرئيس مبارك وفق صورة القصر الحكومي والمكتب وطريقة الدخول إلى السيد نظام. لم يكن لدى السيد نظام، كما يبدو، وقت طويل للمقابلات كما إنه كان يعلم بكل القضايا التي ينوي الزوار مناقشتها معهم مقدماً. حين دخل محسن هنداوي إلى مكتبه الواسع بدأ السيد نظام (أدى دور عزت أبوعوف) في الحديث فوراً قائلاً ما معناه : لديك مشاكل مع المصارف بخصوص القروض وترغب في جدولة ذلك، أليس كذلك؟ يجيب هنداوي " نظام بيه يعرف كل حاجة !". يخرج هنداوي ملفاً بمشروع لإنشاء مدينة ملاهي بمبلغ 40 مليون جنيه ويسأل في هذه اللحظة عن إبن نظام الصغير (بوبوس) الذي يأتي للمكتب ويعانق الضيف. يرفض نظام بيه المشروع لكن إبنه يصرخ "بابا أنا عايز مدينة ملاهي" فيقسم (هنداوي) على إهداء المشروع للإبن المدلل. هكذا في كل مرة يطلب هنداوي شيئاً من نظام بيه كان بالمقابل يعيد النصف له عبر ابنه المدلل (بوبوس) حتى يختلف رجل الأعمال مع الزعيم بسبب رغبة الأول في الزواج من سيدة الأعمال المتعسرة هي الأخرى مهجة النشار (أدت دورها الفنانة يسرا). يرفض هنداوي الإنصياع لرغبة الدولة في ترك الأرملة العروس لرجل أعمال آخر وحين يخرج من القصر تداهمه سيارة مسرعة تكاد تصدمه لكنها تتفاداه ببراعة فيفهم هنداوي الرسالة. حين نشرت جريدة الفجر خبراً عن رفض بعض جيوب الحزب الوطني لزواج أحمد عز من النائبة والطبيبة الشابة شاهيناز النجار (المليونيرة المعطاءة وصاحبة فندق النبيلة) أقامت العروس دعوى على الصحيفة تم رفضها لاحقاً، لكن لا أحد يعرف على وجه الدقة إلى اين صارت حكاية هذا الزواج.
***
يدخل هنداوي إلى السجن مع رجال أعمال آخرين لكن سراحهم يطلق فجأة بعد أعوام وتتم دعوتهم على عجل للقاء في القصر لكن حين يكشف لهم الرجل الذي كان يجلس على المكتب في صدر الإجتماع وجهه، يتعرفون على ملامح جديدة وإن هذا ليس نظام بيه عبدالدائم. يصور الفيلم الرجل الجديد على كرسي نظام بيه على هيئة رجل صارم المحيا، جاد القسمات، مختصر الكلام وهو ما يتماهى مع شخصية جمال مبارك الجادة والمفارقة لطبيعة المصريين الميالة إلى التبسط واللطف والفكاهة. يسأل هنداوي الرجل الجالس على الكرسي " ومال فين نظام بيه؟؟" يرد الرجل " نظام إتغير". هل تعني هذه أن النظام قد تغير؟ نعم هذه واضحة. يرد هنداوي بسؤال آخر عن إسم الزعيم الجديد فيجيبه بكلمتين " فكري.. فكري جديد" وهو نفس شعار جمال مبارك الذي استخدمه ضمن حملة سيطرته على مفاصل الحزب الحاكم (فكر جديد). حينئذ يضحك هنداوي ضحكة كبرى ويشير باصبعه صارخاً (بوبوس) معلناً عن إكتشافه أن الرجل الذي يجلس الآن على مقعد نظام بيه عبدالدائم باسم فكري جديد ليس إلا ذلك الطفل المدلل الذي شاركه في كافة مشاريعه التجارية الفاشلة منذ مدينة الملاهي وإلى الآن. لا يمكن ليوسف معاطي وعادل إمام أن يكونا أكثر وضوحاً وسفوراً من هذا. صدق يوسف معاطي حين قال "سيعرفون قيمة فيلم بوبوس فيما بعد" ولم يقل حين تتحقق أو تفشل النبوءة.
***
على كل ليست الأمثلة التي سقناها عن مصر الرسمية ومصر الأخرى نهائية أو حصرية ففي كل من الجانبين كانت وجوه أخرى. في مصر الرسمية كانت هناك قطاعات كثيرة مغيبة مخدرة وهي متيقنة بأن الحاضر باقٍ إلى الأبد، وفي مصر غير الرسمية كانت هناك قطاعات أخرى تستبشر كل يوم بأن الحاضر ذاهب إلى الماضي وإن المستشقبل يحمل البشارات الكبيرة. لا يتسع هذا المقال لأكثر من هذا لكنها تحية من الخرطوم لفيلم (بوبوس) الذي ظلمه النقاد وانصفه المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس