الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجليات اقتصاد السوق الاجتماعي في سوريا

معتز حيسو

2011 / 2 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يُعبّر خط الفقر الأعلى عن قيمة الإنفاق اللازم على أمور مثل السكن والمعيشة، فيما الخط الأدنى يُعرّف بأنه قيمة الإنفاق اللازم لحصول الفرد على احتياجاته الأساسية الغذائية.
يشكّل استقرار مستوى المعيشة مطلباً حيوياً لكافة الفئات الاجتماعية، وهو بالقدر ذاته مسؤولية أصحاب القرار، ولضمان الاستقرار الاجتماعي يجب الحفاظ على توازن الأمن الغذائي المهدد بالانهيار نتيجة للسياسات الاقتصادية المتحررة من الضوابط القيمية والمعيارية، المتعيِّنة في تحرير الأسواق والأسعار والتجارتين الداخلية والخارجية وإطلاق حرية القطاع الخاص في استثمار وتوظيف رساميله في القطاعات الخدمية والمالية والمضاربات..مبتعداً عن أي مشروع تنموي اجتماعي لتطوير البنى القاعدية،لأن غايته تحصيل أعلى معدل ربح بأقصر فترة زمنية، دون الاهتمام بمصالح الفئات الشعبية التي يقع منها بموقع النقيض،ويأتي هذا في سياق خصخصة مؤسسات قطاع الدولة الإستراتيجية الإنتاجية والخدمية وتحديداً الرابحة، وتؤسس هذه التوجهات لانسحاب الدولة من وظائفها الاجتماعية لتترك الاقتصاد والمجتمع ساحة مفتوحة لأصحاب الرساميل،ليصبح المواطن وجهاً لوجه أمام عدوه الطبقي مقيداً بفعل الضبط السياسي الرسمي للمؤسسات المدنية والأحزاب السياسية والنشاطات السياسة المستقلة.
إن تراجع مستوى المعيشة وانعكاس آثاره السلبية على المستويات الاجتماعية يفرض على كافة القوى الوطنية العمل لإيجاد مخارج من أجل الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي الذي يزداد توتراًً بفعل ازدياد معدلات الفقر، وتراجع الأمن الغذائي نتيجة لانخفاض المساحات المزروعة بسبب ارتفاع التكاليف الإنتاجية نتيجة لرفع أسعار الطاقة والأسمدة وسوء العوامل المناخية مما أدى لزيادة الهجرة الريفية،وهذا مرتبط بارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي والخدمي ومعدلات التضخم..هذا العوامل وغيرها انعكست سلباً على معدلات النمو الفعلية التي تراجعت من 5،5% إلى 3%، ويتقاطع هذا التحول مع تراجع دور النفط كمصدر أساسي للتمويل،استمرار العجز في ميزان التجارة الخارجية،ارتفاع أسعار الوقود والمشتقات النفطية في الأسواق الدولية..
أن الزيادة في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية فاقت زيادة الأجور في المؤشر العام للأسعار،مما زاد شعور المواطنين بالتضخم الذي وصل إلى 20%.في وقت تقدر فيه نسبة الفقر وفق الخط الوطني الأعلى بـ 33،2% وتشير التقديرات أن 7,6 ملايين من السوريين يقعون بين خطي الفقر الأعلى والأدنى. وتشير بعض التقارير بأن مليون عامل سوري من أصل قوة العمل البالغة نحو /6/ مليون شخص يعملون بأجر لا يزيد عن الحد الأدنى للأجر أي ستة آلاف ليرة سورية شهرياً،ويقدر عدد العاملين في الدولة بحدود /1.2/ مليون عامل و نسبة الإعالة بحدود /4/ أشخاص، أي أن نحو /5/ مليون شخص يعيشون على دخل محدود لا يغطي إلا جزء من تكاليف الحياة المعيشية.إضافة إلى أن /18/ مليون مواطن ودون إضافة العاطلين عن العمل البالغة نسبتهم أكثر من /12،3%/ من قوة العمل يحصلون على /25%/ من الدخل الوطني،بينما نسبة ضئيلة من السكان وشريحة محدودة اجتماعياً تتحكم بنسبة75% من الدخل الوطني.وقد أوضح د.عماد الدين المصبّح أن معدل التضخم التراكمي حتى2009وصل إلى 36%، مما يعني أن 36% من الزيادات على الأجور في الفترة الماضية التهمها التضخم، ونؤكد أيضاً بأن هذه الزيادات كانت اسمية.وإذا حذفنا ما أكله التضخم سيبقى من الزيادات خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة نظرياً 29%.إضافة إلى إن زيادة أسعار حوامل الطاقة بنسبة 300%انعكست آثارها بشكل مباشر على معدلات التضخم و قطاعات الاقتصاد السوري الصناعي والإنتاج الزراعي والنقل والشحن..مما يعني بداهة انعكاسها على مستوى معيشة المواطن.. وتشير بعض المصادر بأن تكاليف المواد الغذائية للفرد يومياً بلغت في عام/2008/48 ليرة سورية.(و بالاستناد إلى مكتب الإحصاء,فإن 59.8% من الإنفاق موجه للمواد الغذائية, وتشكل المواد غير الغذائية 40.2% أي / 4800/ من احتياجات الأسرة المكونة من /5 / أشخاص، ولكون الفرد في اليوم الواحد بحاجة إلى48 ليرة مواد غذائية مضروبة بـ5عدد أفراد الأسرة = 240 ليرة سورية في اليوم أي في الشهر 7200 ليرة سوريا.بذلك يكون متوسط احتياجات الأسرة المكونة من 5 أفراد 7200 + 4800 = 12000 ليرة سورية. واستناداً لما ذكرناه وربطاً بارتفاع الأسعار المتتالي للمواد الأساسية وتحديداً الغذائية،إضافة إلى ثبات الأجور ساهم في زيادة من هم على خط الفقر أو دونه لتشكل نسبتهم غالبية المجتمع السوري،لذا فإن الحد الأدنى للأجور يجب أن لا يقل عن 15000ليرة سورية. وأكد المكتب المركزي للإحصاء، أن متوسط إنفاق الأسرة السورية يبلغ نحو 30.9 ألف ليرة بزيادة تصل لنحو 20% مقارنة بمتوسط إنفاق الأسرة السورية عام 2007، و الذي بلغ آنذاك نحو 25.9 ألف ليرة . ومن جانب آخر أظهرت نتائج المسح أن متوسط إجمالي إنفاق الأسر السورية على المازوت يبلغ نحو 1021 ليرة شهرياً، بينما متوسط الدخل يتراوح بين 10000 و12000 ليرة سورية. وتشير بعض الدراسات بأن الفرد يحتاج يومياً إلى مواد غذائية فقط بقيمة (90 ليرة سورية ) وبما أن متوسط التعداد الأسري في سوريا خمسة أشخاص ، فإنها تحتاج يومياً إلى (450 ليرة ) و(13950 ليرة ) شهرياً ؟؟؟. فمن أين يغطي المواطن الفرق بين معدل الاستهلاك ؟؟؟ سؤال نطرحه على المعنيين في الحكومة؟؟؟
إن استعراض واقع الفقر وانخفاض معدلات الأجور يستوجب منا التوقف على قضية البطالة بكونها أحد أهم تناقضات الاقتصاد السوري،فقد حددت الخطة الخمسية العاشرة هدفاً لها بتأمين مليون ومئتين وخمسين ألف فرصة عمل خلال سنواتها الخمس لتخفيض معدل البطالة من 12،3%إلى نحو 8 %، وهذا معناه تحقيق 250 ألف فرصة عمل، إلا أن مسوحات قوة العمل السنوية التي يجريها المكتب المركزي للإحصاء كشفت أنه في عام 2006 لم يتم تأمين إلا 180 ألف فرصة عمل،وفي عام 2007 حوالي 98 ألف،ليبقى972ألف شخص بحاجة لعمل، أي بمعدل 324 ألف شخص في العام الواحد وهذا من الصعوبة بمكان.
إن زيادة حجم اقتصاد الظل الذي تجاوز حسب تقديرات تقرير المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال المقدم للمجلس العام بدورته السابعة 40% يساهم في تشويه بنية الاقتصاد السوري وزيادة تناقضاته،ولفت التقرير إلى أن انتشار هذا القطاع سبّب العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها عدم إمكانية تقدير حجم الثروة السورية الحقيقية وحجم الناتج المحلي الإجمالي،بالتالي عدم القدرة على ضبط الخطط التنموية المختلفة مع الحاجات والإمكانيات الفعلية،وتفويت مبالغ كبيرة على الدولة،ومن أبرز النتائج السلبية لاستمرار وجود هذا القطاع هو تهميش جزء مهم من قوة العمل السورية التي تُشغّل12ساعة يومياً في وقت يحرمون من حقوقهم في التأمين والصحة والعمل النقابي..و يعانون من تدني مرعب في مستوى الأجور،ويعيشون حياة قلقة بسبب التسريح التعسفي المسلط على رؤوسهم. ومن الواضح بأن ازدياد حصة القطاع الخاص بالناتج المحلي الإجمالي إلى 66% منه لا يقابلها ازدياد بحجم مساهمته في الضرائب والرسوم،ويساهم بـ 83 % من الإنتاج الصناعي ويوظف بين 1.2 و1.5 مليون شخص مقارنة مع 75 ألفاً في المصانع المملوكة للدولة.. وتقدر نسبة العمالة في القطاع الخاص بخمسة ملايين عامل يعيشون وأسرهم على خط الفقر الأدنى ومحرومون من معظم حقوقهم.وتحتل الأجور 25% من الفائض الاقتصادي، والأرباح 75% منه،ويقدر التهرب الضريبي بنحو 200 مليار ليرة سورية.؟؟. وبناءً على ما عرضناه فإن المدخل الفعلي لإنقاذ المستوى المعاشي من الانهيار يفترض: تمكين دور الدولة الديمقراطي في إدارة القطاعات الاقتصادية الأساسية،وإعادة دراسة دورها السياسي والاجتماعي في ظل المتغيرات الراهنة.إلغاء سقف الأجور واعتماد سلم أجور متحرك يتناسب مع حركة الأسعار المنفلتة من عقالها في ظل غياب الرقابة التموينية،معالجة التضخم والبطالة ومكافحة الفساد بكافة أشكاله ومستوياته بشكل منهجي ووفق منظور استراتيجي،وضع إستراتيجية تنموية اقتصادية وبشرية مستدامة على أسس ديمقراطية وطنية....معالجة ارتفاع تكاليف العملية الإنتاجية،تخلف وسائل الإنتاج،انخفاض الإنتاجية..والتركيز على الصناعات التي تستخدم المواد الخام أو الزراعية،أو المواد الوسيطة المنتجة محلياً، وكذلك دعم القطاع الصناعي الوطني، وضبط الواردات التي تهدد أمن واستقرار الصناعة الوطنية،إلزام القطاع الخاص بتشغيل عماله ثماني ساعات مما يوفر قُرابة مليون فرصة عمل..وقد بات واضحاً بأن السياسات الاقتصادية الراهنة تناقض مصالح الفئات الشعبية،لذا فإن مشروعاً اقتصادياً وسياسياً يعبّر من مصالح المضطهدين والمستغلين يتموضع في الحقل السياسي اليساري الديمقراطي.وبما أن رأس المال يمتلك عوامل القوة المادية السياسية والاقتصادية المتعيّنة على الأرض، بذات الوقت الذي يعبّر فيه عن علاقات اقتصادية واجتماعية عامة، لذا فإن على القوى الوطنية القطع مع السياسات الراهنة و تركيز جهودها السياسية لتحويل مشروعها السياسي لقوة مادية تتعين حوامله الطبقية بالفئات الاجتماعية المتضررة من تناقضات الممارسة السياسية الرسمية،ومن انعكاس السياسات الاقتصادية ذات طابع رأسمالي مشوه ومتخلف (إن آليات حركة رأس المال وأشكال توظيفاته، وبالتالي شكل تجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتحدد بالتركيبة البنيوية للفئة السياسية المسيطرة بشكل أساسي، وبالبنية الاقتصادية والاجتماعية العامة بدرجة ثانية، لذا فإن شكل حركة رأس المال وتجلياته تتخذ أشكال متعددة: ربوي ريعي عائلي جهوي طائفي مافيوي.. وجميع هذه التجليات تؤسس للفساد وتساهم في ترويجه ونشره على المستوى العام بكونه يشكل التربة الخصبة لنموها. وهذا بطبيعة الحال يعبّر عن البنية السياسية المسيطرة وعن بنية التخلف السائدة) وهذا لا يعني بالمطلق بأن بنية رأس المال وأشكال تجلياته في الدول الرأسمالية الغربية لا تقوم على التناقض، بل نؤكد بأن رأس المال العالمي والمحلي يشتغلان في إطار الوحدة والتناقض بذات اللحظة. وفي هذا السياق نستطيع أن نجزم بأن أحد إشكاليات الوعي السائد هو عدم تحوّل الوعي الاجتماعي إلى وعي طبقي في سياق مشروع وطني ديمقراطي. ونتساءل هنا عن دور وإمكانية المعارضات السياسية في تحويل الوعي الاجتماعي السائد إلى وعي طبقي للذات الاجتماعية،ونؤكد على ضرورة إدراك الفئات الاجتماعية المهمّشة سياسياً ومضطهدة اقتصادياً لدورها المحوري في عملية التغيير الاجتماعي.و نتساءل في سياق التحولات الاجتماعية المتوقعة عن أشكال تجلياتها الاجتماعية في لحظة غياب القوى السياسية عن ممارسة دورها السياسي في القاع الاجتماعي، مما يعني إن لحظة التحول الاجتماعي الثوري لأسباب من المؤكد أنها ستكون اجتماعية ذات عمق اقتصادي/ معاشي، وسياسي، لا يمكن التكهن بأشكالها ومستوياتها وآثار انعكاساتها الاجتماعية والسياسية، ومن المؤكد أيضاً أنها ستقود في حالة تعيّنها واقعياً،إلى أشكال من التحولات والتغييرات متعددة تجليات، لكن جوهرها ومضمونها سيكون اجتماعياً وعلى أسس طبقية.لذا يجب على كافة القوى الوطنية دراسة الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وأشكال التغيّرات المحتملة والعمل على إيجاد مخارج سياسية. لكن تبقى قدرة المواطن على تمثّل مصالحه والدفاع عنها بأشكال ديمقراطية وطنية سلمية المخرج الوحيد من الأزمة الراهنة . ****************************************************************************************








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ممتاز
monsef ma ( 2011 / 2 / 10 - 08:58 )
ارجو من اصحاب الابراج العاجية في سوريا قرائته

اخر الافلام

.. نتنياهو: فكرة وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة غير مطروحة ق


.. استقبال حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة




.. أسرى غزة يقتلون في سجون الاحتلال وانتهاكات غير مسبوقة بحقهم


.. سرايا القدس تبث مشاهد لإعداد وتجهيز قذائف صاروخية




.. الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يترشح لانتخابات الرئ