الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة البرونيتاريا

بودريس درهمان

2011 / 2 / 10
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ثورة البرونيتاريا التي تقع حاليا في مصر تقع تحت عنوان فقدان الثقة في كل ما هو مكتوب و مسموع تديره السلطة و يدور بواسطة السلطة من اجل تدوير المواطنين و جعلهم يدورون بعيدين عن مصالحهم و عن شؤونهم الخاصة. مصطلح البرونيتاريا هو مصطلح مقتبس من كتاب جويل دي روسناي المعنون ب "ثورة البرونيتاريا". سبق لي أن عرفت بهذا المفكر و العالم الفرنسي على صفحات موقع الحوار المتمدن أنظر بهذا الصدد الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=205907
مصطلح البرونيتاريا هو مصطلح مركب من كلمتين كلمة البرولتاريا التي يعرفها لويس التوسير في كتابه "من اجل ماركس" بالشريحة الاجتماعية التي لا تتوفر على ملكية خاصة و التي لا تعيش إلا على قوة عملها الذهني و العضالي؛ و كلمة النيت التي تعني الانترنيت. البرونيتاريون الذين يقودون المعارك اليوم بساحة التحرير بالقاهرة هم شريحة اجتماعية جديدة تناضل من اجل تثبيت نظامها التواصلي الجديد الذي بواسطته تستطيع التعبير عن أرائها و مكنوناتها الداخلية. لقد استطاع الرئيس الأمريكي الزنجي اوباما توظيف هذا النظام التواصلي الجديد في حربه الانتخابية ضد الجمهوريين و نجح في ذلك فلماذا لا يقوم كل العبيد في الدنيا بتوظيف نفس النظام التواصلي الجديد من اجل تحريرهم.
التعبيريون Les expressionistes الذين يراهنون على الخطابات المنظمة المبثوثة على صفحات جرائدهم من اجل توضيح البرامج الثورية الجديدة أصبحوا متجاوزين بل حتى الجرائد المكتوبة التي تدار لهم بالوساطة أصبحت لا تتمتع بالثقة و بالإجماع. سنة 2004قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتقويم وسائل الاتصال الجديدة التي على رأسها نظام الانترنيت فتوصلت إلى أن 49% من الأمريكيين فقط يعتبرون وسائل الاتصال القديمة التي ضمنها الجرائد المكتوبة تحترم قيم المهنية في حين كانت هذه النسبة سنة 1985 تتجاوز 72%. بل أكثر من ذلك عدد الصحافيين الذين يتسترون على اختياراتهم التمويهية الغير صحيحة انتقل من نسبة 13% إلى نسبة .67%في نفس الفترة فقط 59% من الأشخاص الذين تم استجوابهم عبروا عن ثقتهم في الجرائد المكتوبة مقابل 80% عشرون سنة قبل هذا التاريخ أي سنة 1984. هذا التحول في اتجاه نظام تواصلي جديد خلق شريحة اجتماعية جديدة اسمها البرونيتاريا و هذه الشريحة هي التي تقود حاليا المعارك من اجل نظام تداولي جديد ينبني على الصراحة و الشفافية
النظام التواصلي الجديد سنة عن سنة يربح مساحات جديدة و يقوم بتثبيت قيم جديدة تأتي على هدم النظام التواصلي القديم المجسد في النظام الهوياتي المتهاوي الذي تعمل بعض الصحف المدارة بالوساطة على الدفاع عنه.
حاليا بداخل المنطقة الجغرافية التي ننتمي إليها لم ننتج ثقافة بالمفهوم الصحيح للثقافة و الغربيون لا ينظرون إلينا إلا كحالة وجدانية لم ترقى بعد إلى مستوى إنتاج واقع يومي محلي خاص بنا نستطيع مواكبته و التحدث فيه بكل حرية و طمأنينة.
حاليا ليس هنالك مثقف غربي واحد ينتقد إنتاجاتنا التي نعتبرها نحن ثقافة لأنه بكل بساطة لا ننتج إلا الخطابات التي يرددها الغرب نفسه و التي هي على مقاسه و ليست على مقاسنا نحن.
إننا لا ننتج ثقافة خاصة بنا لأنه بكل بساطة السلطة عندنا أهول مما يتصور إنها تأتي على كل شيء و لا تسمح بأي شيء و الثقافة هي كل شيء في وجودنا. هي الأفكار التي تؤثث مخيالنا، هي اللغة اليومية التي نطوعها من اجل التعبير عن مكنوناتنا... هي النظريات هي الحرية هي كل شيء.
عبر التاريخ السلطة لم تنتج ثقافة لان الثقافة في الأصل هي الحرية ليست هنالك سلطة في العالم أنتجت مسرحا أو شعرا أو غناءا أو رسوما تعبيرية. السلطة لا تسمح إلا بما يخدم مصلحتها بما فيه حتى القضايا الإنسانية العامة. السلطة لا تنتج إلا الايدولوجيا و الخطابات الدعائية. حتى القضية الفلسطينية مثلا بداخل المملكة المغربية كان في الماضي غير مسموح التحدث عنها، أما اليوم فأصبح غير مسموح بتاتا عدم التحدث عنها. إن السلطة هي هكذا تحول كل شيء إلى خطاب و إلى إيديولوجيا.
الثقافة ليست هي "التجوال" و المشاركة في الملتقيات و المهرجانات . الثقافة هي بكل بساطة التعبير بحرية على اليومي المتناقض بعدة أشكال ووسائل. الثقافة هي كذلك الرقي بهذا اليومي إلى ما يجعله أكثر سموا و أكثر نبلا. بواسطة الثقافة تتغير السياسة العامة للبلاد و تتحسن الأذواق و تتطور العلاقات العامة في اتجاه الدفاع عن القاسم المشترك بيننا سواء كان هذا القاسم ماديا أو رمزيا.
عبر التاريخ هيمنت السلطة على الثقافة، لأن السلطة تستطيع احتكار و ضبط وسائل الاتصال الموجودة لكن بمجرد ما تتغير وسائل الاتصال تجد السلطة صعوبة في مواصلة هيمنتها.
قصة تخلص الفرد من السلطة بدأت مع ظهور الكتابة و ظهور استعمال الورق من اجل التواصل. بواسطة هذا النوع الجديد من التواصل الذي لم يكن موجودا من قبل استطاع الفرد إيصال صوته و أفكاره خارج أسوار السلطة التي كانت غالبا ما تمثلها تقاليد و أعراف العشيرة. هذه العشيرة التي كانت تستهزئ بأفكار الفرد و تصوراته، بفضل القرطاس و القلم أصبح الفرد سيد نفسه و أصبح خارج مبتغيات و قيود العشيرة...
بعد أن شاع القرطاس و القلم و بعد أن أصبح ملكا مشتركا بين جميع مكونات العشيرة استطاعت السلطة إيجاد وسائل جديدة لتسخير القرطاس و القلم لخدمة مصالحها و أصبح الفرد ثانية يرزح تحت رحمة السلطة. مرت قرون عدة على هذه الحالة التي تصارع فيها الفرد مع السلطة من اجل تحرير القرطاس و القلم إلى أن ظهرت وسائل جديدة كالمطبعة في القرن السادس عشر والهاتف و الفاكس و الرسائل القصيرة في ما بعد. بواسطة هذه الوسائل الجديدة استطاع الإنسان مرة أخرى التحرر من السلطة المتحكمة فيه. لكن بعد تعميم هذه الوسائل استطاعت السلطة مرة أخرى إيجاد وسائل تكنولوجية لمراقبتها و التنصت عليها مما جعلها بدون جدوى في ضمان حرية الأشخاص في التعبير و التواصل الحر و البناء. بعد عدة سنين على هذه الحالة ظهر نظام الانترنيت الذي مكن الفرد من معطيات جديدة و حريات شاسعة و رحبة هي بحجم مساحة الكون تقريبا. بواسطة هذا النظام التواصلي الجديد أصبح باستطاعة الفرد إيصال أفكاره و متمنياته إلى أي نقطة في الكون تتوفر على نفس الأدوات التكنولوجية. قبل نظام الانترنيت بقليل ظهرت الصحون المقعرة و القنوات الفضائية التي تقوم بتشبيك تمثلات و أذواق الأفراد و الجماعات على شكل شبكات دلالية تلعب فيها الصورة و الصوت نداء الملائكة و الشياطين. ترسخ هذا الوضع الجديد و ظهرت بداخله شريحة اجتماعية جديدة سماها الخبير الفرنسي بالبرونيتاريا. هذه البرونيتاريا هي شريحة جديدة تناضل من اجل فضح ألاعيب السلطة و وسطاء السلطة. هذه الشريحة الجديدة هي الأكثر ذكاء بداخل المجتمع و الأنكى من ذلك هي الأكثر انفلاتا من هيمنة الدوائر السلطوية الحامية للظلم.
مجال اشتغال هذه الفئة الاجتماعية الجديدة هو مجال افتراضي و ليس في ملك احد. البرونيتاريون هم عمال ذهنيون جدد في خدمة القضايا العادلة للمجتمعات ووضعهم الاعتباري لا يتحقق إلا بوجود عدالة اجتماعية و سياسة حقيقية تنصفهم. الحركات الاحتجاجية الحالية التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط تحركها شريحة البرونيتاريا لأن الروائح الكريهة تنبعث من برك التاريخ الأسنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكة “إن بي سي”: إدارة بايدن ناقشت إمكانية التفاوض على صفقة


.. 5 مرشحين محافظين وإصلاحي واحد يتنافسون في انتخابات الرئاسة ا




.. نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي توحي بصعود اليمين في معظم ا


.. اليمين الشعبوي يتقدم في الانتخابات الأوروبية




.. كتائب القسام تستهدف قوات إسرائيلية شرق مدينة خان يونس جنوب ق