الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هؤلاء مختلفون

خالد صبيح

2011 / 2 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



لايزال النظام المصري يتعامل مع ثوار ميدان التحرير بطريقة مرتبكة رغم مرور وقت كاف له لان يلملم نفسه من وقع المفاجأة ويستعيد زمام المبادرة للسيطرة على الموقف. وها قد أوشكت ترسانة النظام على النضوب بعدما أفلست كل وسائله ولم يحقق بعد مطمحه في وأد الثورة أو احتوائها والالتفاف عليها.

والسؤال هو: لماذا هذا الفشل لنظام تمرس في ألعاب الخداع والقمع ومدعوم من قوى دولية مؤثرة ولها باع كبير في تحديد مصائر شعوب وبلدان بل وقارات؟.
المشكلة كلها تكمن في طريقة الفهم.

لقد اتبع النظام وسائله التقليدية رغم ما قدمته له التجربة التونسية التي مهدت لما حدث في مصر من أطياف فهم من أن ما يحدث عنده هو من طبيعة مغايرة. وهكذا فشلت الآليات التقليدية من قمع حاول النظام في بادئ الأمر أن يلجأ إليه باعتباره الوصفة السحرية المجربة لوقف عنفوان التحدي والمواجهة التي أقدم عليها شباب مصر( أصر على أنهم شباب مصر وليس غيرهم). ولكن بعد أن استفاق النظام من الدوار الذي عاناه من صعق المفاجأة اخذ من اجل كسب الوقت والمعركة في نفس الوقت، وبدعم من ( الأصدقاء الخلص)، أن يلتف على الثورة ويفرغها من محتواها فنشر أتباعه ومرتزقته البلطجية ليواجه الشعب بشعب آخر. لكنه اخفق هذه المرة أيضا لان البلطجية بلطجية وليسوا شعبا.

وآخر محاولة قام بها النظام ولاتزال جارية هي محاولة احتواء الثورة ومنجزها باستيلاد آباء وصانعين عديدين لها. لهذا دخلت أمريكا على الخط لتوهم بمساهمتها بدعم الثورة بعدما يئست من إمكانية بقاء مبارك، رغم حنقها وقلقها حيث مازال في الميدان من يهتف ضدها وإسرائيل، بالرغم من أن الثورة أنفت من الادلجة ومن اللون السياسي الفاقع. بل والأكثر فان النظام بحلته الجديدة بعد الترقيع وعملية التجميل الفاشلة حاول أن يلبس لبوس الثورة ويتلفع بشرف المشاركة في صنعها بادعائه تلبية مطالب الشباب عبر إجراءات الإصلاح كما يسميها.

لكن كل هذا قد فشل. ونعود للسؤال: لماذا؟.

المشكلة تكمن مرة أخرى في القدرة على فهم هؤلاء الشباب وفهم اللغة التي يستخدمونها والأدوات وطرق التفكير التي يمارسونها والتي تختلف كليا عن كل أنماط التفكير التي تعودنا جميعا على التعامل معها وتداولها. فلهؤلاء منظومتهم الفكرية وطرق التواصل فيما بينهم والفهم لأنفسهم وللواقع ولكيفية مواجهته.

هذا الشباب الثائر بطريقته الخاصة الحديثة جدا والمتقدمة جدا لم يتبع آليات وطرق معروفة ومفهومة في الساحة السياسية الأمر الذي جعله يتخطى الجميع، أنظمة ومعارضة سياسية وقوى مجتمع تقليدية. وهذا لم يفهمه كثيرون وأولهم النظام لأنهم لم يعتادوا عليه، لهذا نرى النظام لعجزه ولمحاولة تطويق الثورة لجأ لاستدرج المعارضة التقليدية من أحزاب وجماعات سياسية بعضها محترم لكنه تهافت ولم يدرك أبعاد الوضع وما يدور حوله( الموقف المؤسف لحزب التجمع) وتجدر الإشارة هنا إلى أن النظام لم يقم بالتفاوض مع أحزاب المعارضة من اجل أن يلتف على الثورة ويسحب منها الشرعية أو يحاول أن يفرض عليها ممثلين من خارجها وحسب وإنما أيضا وبصورة أساسية لأنه عجز عن إقامة حوار مع هؤلاء الشباب. وسبب هذا يعود بتقديري إلى غياب اللغة المشتركة. فالنظام يتقن لغة تقليدية مستنسخة ومحنطة تعتمد بعض المسلمات وقد وجد في أحزاب المعارضة ضالته لأنه يعرف كيف يتعامل معها وبأي لغة يخاطبها، لكنه عجز بفعل تكوينه من مخاطبة الشباب وفهمهم. وهذه مشكلة بل إنها معضلة تسترعي الانتباه، فالمسالة تعني فيما تعنيه، برأيي، إن جزء من المشكلة يكمن في الهوة بين الأجيال الذي أدى إليه فقدان حلقة في سلسلة الأجيال التي سبب غيابها وتغييبها هذه الفجوة في القدرة على الفهم بين ثوار ميدان التحرير من جهة والنظام وقوى المعارضة الأخرى من جهة أخرى. هناك حلقة مفقودة هي الجيل الذي يتوسط الجيلين المتصارعين، جيل الشيوخ الذي يشكل الجسد الأكبر في بنية النظام وبين الشباب الثائر، وهو الجيل الذي فقد دوره وصلته بمن حوله فعجز عن الربط الطبيعي بين الأجيال التي تتصارع في الساحة الآن. والجيل الوسيط هذا سأسميه مؤقتا بالجيل الضائع. والإحاطة بأبعاد هذا الجيل الاجتماعية والسياسية والنفسية لتحليل الظروف التاريخية التي أنتجته تتطلب وقفة مستقلة.

لم ينفرد النظام في صعوبة فهم عقلية هؤلاء الشباب وهضم تركيبتهم وإنما شاركته الحيرة دوائر عالمية بدا عليها الذهول وبعض الارتباك من طريقة تعاملها مع وقائع ثورته. لقد افقد هؤلاء الثوار النظام كل مبرراته، حتى الحقيقي منها، لمواجهتهم كقوى تطالب بالتغيير. وفيما هم يريدون تغييرا جذريا بنيويا يتناسب مع تطلعاتهم وفهمهم للمستقبل اخذ النظام يحاول أن يقلص من أفق طموحهم ويختزلها في تغييرات إصلاحية محدودة تناسب عقله وبنيته وعقلية وبنية المعارضة السياسية التقليدية التي يتصارع معها.

يجب الآن إقرار حقيقة أن هؤلاء الثوار الشباب مختلفون، وقد يكون مبكرا الآن الحديث أو الجزم بطبيعة وحيثيات اختلافهم وسماته المميزة، إلا انه من المؤكد أنهم يختلفون عن كل مالفناه. لهذا فهم قد أثاروا استغراب (وإعجاب) الجميع حينما مارسوا في ثورتهم اساليبا متقدمة وحضارية أحدثت قطيعة مع كل الخبرات والسياقات السابقة وبدوا في سلوكهم وممارساتهم وكأنهم بلا جذور ولا ارث ينتسبون إليه. لقد ابدوا في مسار ثورتهم صلابة وذكاء وقوة إرادة أوقفت زخم فعاليات النظام، فقد حدث وان بدا النظام خلال أيام الثورة وكأنه يوشك على الانتصار في كل إجراء أو تهديد أو خطوة إغراء يقدمها، إلا أننا نفاجأ في اليوم الثاني بإحباط محاولاته بكل ثقة وإصرار ومن دون أي ارتباك.

لقد أوردت الإنباء؛ إن المدون وائل غنيم، وهو من المساهمين البارزين بالإعداد لهذه الثورة، قد ذكر بعد إطلاق سراحه أن المحققين لم يكونوا بقادرين على التصديق من انه وجموع الشباب من ورائه ليس وراءهم جهة تدعمهم وتحرضهم. (وهذه من مآثر ثورتهم الكبيرة والفريدة). وأيضا أنهم لم يقوموا بتعذيبه، وحيث لا يمكن الجزم بما إذا كان ذلك نتيجة خوف من وسائل الإعلام أو انه توجه جديد فرضته الظروف الجديدة على النظام أو انه نوع من تسرب عدوى التحضر التي أشاعها الثوار حينما عاملوا بطريقة إنسانية أسراهم من بلطجية مبارك الذين هاجموهم في حملة الجمل الشهيرة. لكن المؤكد أن هناك تبدلات تحدث على الأرض وان النظام في مصر يواجه مصاعب ويتخبط لأنه اعتاد على مجموعة مقدمات تؤدي إلى نتائج تفرض قسرا على الواقع فتحول التمرد في عقله وخطابه إلى أعمال شغب والثورة إلى مؤامرة. لا يريد النظام المصري أو انه لا يستطيع أن يفهم اللغة الجديدة التي صاغها الثوار الشباب والتي أخذت تتشكل أمامنا ولم يستطع أو يريد أن يدرك أن اللغة القديمة والأساليب البالية ماعادتا تجديان في التعامل مع ثورة وثوار ميدان التحرير وذلك لان هؤلاء، وببساطة شديدة، هم مختلفون.

***
على هامش الأحداث.

بعدما بلغت ثورة التحرير في ميدان التحرير درجة النضج وبدا واضحا للعيان من هو المنتصر فيها، وبعدما بدأ النظام يقدم تنازلاته بالجملة اخذ الانتهازيون، أفرادا وجماعات، يتركون سفينة النظام ويحاولون اللحاق، دون دفع ثمن التضحية، بركب الثورة. فقد أعلنت الكنيسة القبطية أنها تريد أن تلتحق بالمفاوضات التي يجريها النظام مع الأحزاب السياسة المعارضة، رغم إنها رفضت ومنعت الشباب القبطي من أن يلتحق بالثورة، وإنها أعلنت، وبأقصى درجات الوضوح والفصاحة، التزامها جانب نظام وشخص مبارك. وهذا السلوك والموقف لا اسم آخر له غير انه انتهازية وابتذال ناتج عن عقل فئوي أقلوي ضيق الأفق لا صلة له بأفق الوطنية المصرية التي جسدتها الثورة باجلى وأجمل صورها في ميدان التحرير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق 1
ضياء العيسى ( 2011 / 2 / 13 - 20:09 )
عزيزي الرقيب : أي قاعدة خالفها تعليقي؟

الرجاء إجابتي. لكي أعيد صياغة التعليق.

تحياتي


2 - حداثة على حساب إقصاء المسيحيين!
ضياء العيسى ( 2011 / 2 / 13 - 21:20 )

لا زلت لا أدري أي قاعدة خالفها تعليقي (1)! هذا تعليقي وقد أعدت كتابة الفقرات والكلمات
التي قد تكون مست حساسية الكاتب!

السيد الكاتب: يبدو لي إن كتاباتك عن الحداثة هي من باب التقية. ففي مقالاتك تهاجم الكتاب المتنورين الذين يعرون الإسلام ومؤيدينهم من المعلقين ولا تفوتك فرصة إلاّ وإنتهزتها للتهجم على المسيحيين.

تقول في مقالك: [ااخذ الانتهازيون، أفرادا وجماعات، يتركون سفينة النظام ويحاولون اللحاق، دون دفع ثمن التضحية، بركب الثورة. فقد أعلنت الكنيسة القبطية أنها تريد أن تلتحق بالمفاوضات التي يجريها النظام مع الأحزاب السياسة المعارضة]. إنتهى.

إن الكنيسة القبطية ليست حزب سياسي لتصفها بالإنتهازية السياسية. لكنها كممثل للأقباط بصورة عامة من حقها المشاركة ما بعد الثورة في صياغة التشريعات الجديدة والتعديل الدستوري لضمان حقوق هذه الأقلية الكبيرة. أو إنك تستكثر ذلك عليهم!

وعجبي ، إنك تنتمي إلى جالية (ليست أقلية أصلية) مهاجرة صغيرة في السويد تعيش على مساعدات المجتمع السويدي ولا زلت لا تستطيع أن تشعر بمآسي الأقليات (خاصة المسيحية) الشرقية أو هل إنك لا تعترف بأن لديهم حقوق مواطنة مشروعة!

اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار