الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف المصري والانتفاضة

زهدي الداوودي

2011 / 2 / 10
الادب والفن


المثقف المصري والانتفاضة
يوسف إدريس، نموذجا للوجه المشرق

لاشك أن المثقف يعتبر محرار الوسط الذي يعيش فيه الشعب، بيد أن هذا لا يعني أن مزاج المثقف يتطابق مع مزاج الأخير بصورة ميكانيكية. ولكي لا نتورط بالإدعاء بأن المثقف يقف في مكان أعلى من الشعب، نكتفي بالقول بأن المثقف يحس بما يدور في خلد شعبه من مشاعر وأفكار وأمنيات وأحلام، تماما مثل المحرار الذي يعكس لنا درجات الحرارة سواء في الظل، داخل البيت أم في الشمس خارج البيت. الفرق بين المثقف وشعبه أن الأول لا يكتفي بمجرد اجترار المشاعر والافكار والامنيات والاحلام، بل يحولها إلى عمل ابداعي موجه إلى الشعب الذي يجد فيه أحاسيسه هو. ويجد المتلقي أيضا أن مشاعر وأحلام المثقف تختلف بعض الشيء عما في داخله هو. إنها ليست مشاعر وأحاسيس أو أحلام مجردة، بل أنها مغلفة بقوة سحرية، تدفعه إلى الحركة، إلى التذمر عن الوضع الذي يعيش فيه. ويتوصل إلى وعي جديد ألا وهو رفض الواقع الذي عاش فيه حتى الآن وأنه لم يعد مستعدا لمواصلته. وهكذا من حيث عرف أم لم يعرف، اكتشف – بمعاونة المبدع – أحد أهم قوانين الثورة. إن هذا القانون اللامرئي ينتقل إلى الشعب عن طريق أغنية جميلة أو نشيد حماسي أو قصيدة، قصة، رواية أو نكتة.. ولما كان التراكم الكمي يؤدي إلى التغير النوعي بمرور الزمن، نجد أن الشعب الذي عرف عنه الخمول واللاابالية يتحول إلى عفريت يغادر قمقمه ويحطم العالم القديم الذي لم يعد يتحمله.

المثقف الواعي الذي يقف إلى جانب شعبه، يدرك هذه الحقيقة ويظل واقفا إلى جانب شعبه حتى النفس الأخير، دون أن يتمكن السياسي من شرائه.

ولما كان السياسي يعرف تلك الحقيقة التي أشرنا إليها ويعرف جيدا الدور الخطر الذي يمكن أن يلعبه المثقف، لذا يتحين الفرص ويتربص بالمثقف الذي يعرف نقاط ضعفه وقوته فيجره إلى جانبه عن طريق شرائه بوظيفة ذي راتب محترم أو بمنحه جائزة تقديرية يكفيه ثمنها لمدى الحياة. وهكذا تمكنت دولة مبارك أن تضم إلى فلكها أكثر من 600 كاتب، سلخوا من محيط الشعب واكتفوا بالعيش في واحة الدولة. هذا إلى جانب تلقيهم الهدايا والمكافئات من دولة صدام وأما المثقف الذي يمتنع عن الانجرار إلى فخ السلطة، فمصيره الاهمال والصمت أو السجن كما حصل في حينه مع المرحوم يوسف إدريس: (أنظر، د. جلال أمين، يوسف إدريس: أقصى العقوبة لحب مصر، مجلة أدب ونقد. سبتمبر 1992، ص 64)
في 1954، أي بعد نشر مجموعة "أرخص ليالي" مباشرة، هي المجموعة التي أحدثت انقلابا في القصة القصيرة العربية، وضع يوسف إدريس في السجن لمدة 14 شهرا بدون توجبه تهمة إليه، والسبب هو معارضته لاتفاقية الجلاء في 1954، التي كنا جميعا وقتها نرى فيها صورة مكررة لمشروع اتفاقية صدقي – بيفن في 1946، وهي أيضا الاتفاقية التي تظاهر ضدها يوسف إدريس في 1946 (كان عمره 19 عاما) وكان سكرتيرا للجنة الطلبة..
وفي منتصف الستينات رشح يوسف إدريس لجائزة الدولة التشجيعية وهي جائزة متواضعة جدا بالنسبة لما كان الرجل قد أنجزه بالفعل، ومع ذلك رفض إعطاؤه الجائزة بحجة كثرة الألفاظ العامية التي يستخدمها، وقام أحد أعضاء اللجنة التي تقوم بالترشيح للجائزة بإحصاء عدد الكلمات العامية في قصص يوسف إدريس واستخلص من ذلك أن هذا العدد لا يبيح للكاتب الفوز بالجائزة!
في 1969 منعت مسرحية "المخططين" من استمرار عرضها بالمسرح باعتبار أنها تهاجم دكتاتورية النظام. وفي نفس السنة أو قبلها بقليل، كان يكتب من حين لآخر مربعا صغيرا في الصفحة الأخيرة من الأهرام، وألقى عبد الناصر خطبة قال فيها إن الحرية هي حرية الحصول على رغيف الخبز، فكتب يوسف إدريس في مربعه أن الحرية ليست هي الخبز، بل هي أكثر من هذا، فمنع من الكتابة في الأهرام لبضعة شهور. وفي 1973، قبيل حرب اكتوبر، فصل يوسف إدريس من الأهرام بسبب توقيعه على البيان الشهير الذي قدمه مجموعة من الكتاب إلى أنور السادات يعبرون فيه عن استيائهم من تقاعسه عن تحرير سيناء.
ثم هبت العاصفة الكبرى في 1983، عندما شنت حملة شعواء عليه من كتاب وسياسيين بما في ذلك رئيس الجمهورية نفسه، متهمين يوسف إدريس بأنه يشوه سمعة مصر، ولمجرد أنه كتب مجموعة مقالات في جريدة القبس الكويتية انتقد فيها اتفاقية كامب ديفيد والصلح مع اسرائيل. ورفضت الأهرام وهي الجريدة التي يعمل فيها، أن تنشر له دفاعا عن نفسه، وكذلك الجرائد الحكومية الاخرى، فاضطر أن ينشر دفاعه عن نفسه في جريدة لا يكاد يقرأها أحد هي "الاحرار"
ليس هناك أدنى شك، في أن مثل هذه المواقف التي اتخذها يوسف ادريس، هي السبب في تأخر منحه جائزة الدولة التقديرية. تلك الجائزة التي حصل عليها بعض الناس ممن لم يسمع بهم أحد أو لن يكتب عنهم في تاريخ الادب ولا حتى هامش صغير. أما يوسف إدريس فلم يحصل على هذه الجائزة إلا قبل وفاته بأسابيع قليلة، وهو راقد على فراش المرض في لندن، ولا نعرف على وجه اليقين ما إذا كان قد عرف بحصوله على الجائزة أو لم يعرف. وهو نفس التصرف المخزي الذي فعلته الدولة مع الدكتور لويس عوض وكأن الدولة لم ترد أن تعطي الجائزة ليوسف إدريس إلا بعد أن اطمأنت تماما إلى أنه لن يكتب شيئا بعد الآن.

وحول موقف المثقفين المصريين السلبي تجاه الانتفاضة، أوضح الشاعر والروائي حمدي عباس (أنظر: ميدل ايست آوتلاين: أزمة مصر: المثقفون المصريون يختفون في ظروف غامضة. الاتحاد 2 / 10 / 2011) أن المثقفين المصريين لم يكن لهم بوصلة تحدد اتجاهاتهم، فكيف يتوقع أن يروا الطريق، وقال: لقد فات أوان عتاب المثقفين أو لفت نظرهم أو النداء عليهم، هم لا يزالون تحت وطأة ما روجوه من فساد للنظام السابق، وأعتقد أن هذه الثورة ستلد مثقفين يشاركون في صنع مستقبل يعيد لمصر مكانتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف