الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذلك النهار- قصة قصيرة

عبد الفتاح المطلبي

2011 / 2 / 11
الادب والفن


( ما رآه الجندي الإحتياط)
صفر نائب الضابط (حربي كاظم) بصافرته شبه زعيقٍ مقرف ثم ضرب بعصاه التي يتبخترُ بها أثناء مسيره في طرقات المعسكر باحثا عن جندي مسكين ليفرغ شحنات الخواءوالخيبة العالقة برأسه إثر اللعنات التي صبّها عليه ضابط التوجيه السياسي قبل برهة وجيزة وهو يأمره بإحضارنا الى مقره و على وجه السرعة ، و حق له ذلك بعد خروجه مكفهر الوجه من قاعة الأجتماع ، ضرب بعصاه باب قاعة النوم وكان الوقت بعد ظهيرةالعاشر من آذار 1991، قال لنا بعد إن وقفنا وقفة الإستعداد، أن الحزب يريد منا تنفيذ الواجب الوطني، و أردف لا زالت هناك بعض فلول الغوغاء في قرية أم اللقالق و عليكم أن تأتوا بهم أحياءا أو أمواتا و صرخ في وجوهنا : مفهوم! فصرخنا جميعا نعم سيدي، ثم قال : كلف الحزب الملازم ذياب ليقودكم لتنفيذ الواجب، ثم زعق: مفهوم: فصرخنا نعم سيدي، بعد ذلك صرفنا لنهيأ أنفسنا حالا حيث كانت عربة استطلاع ( بي آردي أمم2 ) تنتظرنا و في جوفها الضابط و السائق و المخابر
بعد ساعتين من السير بالعجلة السريعة ذات الدواليب الثمانية الكبيرة توقفنا في قرية أم اللقالق على حافة هور السناف وترجلنا من العربة حيث قادنا الملازم ذياب متقدما الجنود، ممشطين القرية من أقصاها لأقصاها فلم نعثر بها على أي من شباب القرية أو رجالها غير بعض من الشيوخ و العجائز و الأطفال، كان الملازم يسير نافخا صدره ، متأففا من(سرقين) الجاموس الذي ينتشر هنا وهناك كألغام تنتظر ملازم ذياب فيحيد عنها بمهارة ،قال بعد ذلك للجندي المخابر ناولني المنظار الليلي، وكان الوقت قبل الغروب بقليل ، راح الملازم ذياب يمشط محيط القرية بعمق ثلاثة كيلومترات وهي أقصى مدى الرؤية في المنظار الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، ثم راح يهز رأسه بعلامة الرضا عن نفسه ، كنت أنظر اليه و خمنت أنه قد قرر شيئا مع نفسه، أمرنا أن نستقل العربة ، ثم وجه تعليماته للسائق فتقدمت العربة ، كان هناك على بعد ثلاثة كيلومترات من القرية مجموعة من الأكواخ القصبية ، لا يتجاوز عددها العشرة، جاس رهطنا خلال هذه الأكواخ ،كان بعضها زرائب للجاموسو بعض الأبقار، لم نجد غير عجوز قد قوّس الدهر ظهرها فصارت تشبه عرجونا قديما يابسا و امرأة شابة حسنة المظهر تحمل طفلا أو طفلة على صدرها وقد أخفى وجهه بشال أمه رعبا وراح يرقبنا من وراء الشال الشفيف ، قال للمرأة الشابة:
- أين زوجك، ردت الشابة؟
-في الهور يسعى لرزقه
قا ل الملازم: كاذبه ، أين يختفي ، ها ، قولي.
قلنا له : سيدي لم نجد أحدا وعلينا الرجوع الى المعسكر.
هزّ رأسه مرارا وقال خذو هذه العجوز و ابقوا معها خلف زرائب البقر.
( ما رأته و سمعته المرأة الشابة)
سمعتهم يقولون له دعنا نرحل ياسيدي فلا يوجد من المطلوبين أحد، رفس باب الكوخ الخشبي، أمرهم بإخراج أمي العجوز الى الخارج، قال لهم ابتعدو بها وراء الأكواخ ،أغلق علي الباب أراد انتزاع طفلي مني لكنني تشبثت به ، صار قطعة مني ، بقي يراودني عن نفسي ولما مد ذراعه التي تشبه ساق معزى نحو طفلي الذي كان يصرخ و يرتعد عضضت على إصبعه الأقرب لأسناني ، دفعني بعيدا نحو جدران الكوخ المائلة و المقوسة لكنني تمسكت جيدا بطفلي ولم أقع ولما شهر مسدسه بوجهي ، أصابني رعب لا يوصف ، رأيت في عينيه الشر بكل جبروته ثم راح يمد يده القذرة إلى ما بين فخذي ، وهو يكشر عن ابتسامة صفراء تفوح منها رائحة كلب قذر فلم أتمالك نفسي و بصقت عليه بكل ما بفمي من لعاب، راح اللعاب يسيل على عينيه التين تشبهان عيني الكلب ‘ فهرّ هريرا كنت أسمعه من كلاب تهرّعلى بعضها حين لايرضيها أمر ما، رفع يده ببطيء و مسح البصقة ثم وضع المسدس بين فخذي ولم أسمع حينها إلا دوي مبهم فوقعت متشبثة بإبني ثم راحت الطلقات تثقب صدري مرارا و غفوت بعد ذلك
(ما رآه طفل المرأة الرضيع )
عندما ماتت أمي كنت حيا بعدها أنظر اليه من خلال كم أمي الذي غطى نصف وجهي و كان ينظر الي بطريقة لم أفهم معناها فأنا لا زلت رضيعا لا خبرة لي بالنظرات إلا نظرات أمي التي لم تعد عيناها مفتوحتان ثم انطلقت نفس الأصوات التي مزقت جسد أمي فمزقتني أيضا و شوهت وجهي الذي لم يكن قد اتخذ شكلا محددا يبين أن أكون طفلا أو طفلة، أعتقد جازما أنه لا يعرف و لن يعرف أنني كنت طفلا أو طفلة، أنا أتحداه أن يعرف.
( ما رآه وما أحس به الجنود)
دخلنا الكوخ ، كانت المرأة الصبية ممددة تسبح في بركة من دم وقد كانت يدهاملقاة على جسد الطفل بشكل متصالب معه ، و كأنها تريد أن تحمي بقاياه بعد ما استباحه الملازم ذياب ، في تلك اللحظة فقدنا ولائنا لكل ما يمت بصلة لملازم ذياب و ضابط التوجيه السياسي وكنا نقاوم بضراوة شعورنا ، بأننا إذا تناسينا الفرق بيننا و بين ذياب، عند ذاك سنفقد ولائنا للنوع البشري و سنتحول ذئابا أو كلابا أو حمير.
( تقرير ضابط التوجيه السياسي)
في العاشر من آذار بعد إن حررت مدفعيتنا البطلة مدينة العمارة من الخونه و العملاء قامت مفارزنا بتمشيط ضواحيها بعملية خاطفه قادها الملازم الرفيق ذياب وقد تم قتل اثنين من المجرمين الذين يهددون أمن البلاد ، نوصي بتكريم الملازم البطل ذياب بنوط شجاعة .
توقيع : ضابط التوجيه السياسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتب مسلسل -صراع العروش- يشارك في فيلم سعودي مرتقب


.. -بمشاركة ممثلين عالميين-.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث ع




.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير