الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوب صانعة التاريخ والشباب الفاعل الاساسي للتغيير

وجيه أبو ظريفة

2011 / 2 / 12
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لم يكن لأكثر الثوريين ثوريه ولا لأكثر الرومانسيين رومانسية أن يتوقع ما جري في المنطقة العربية منذ مطلع العام الجديد الذي لم يمضي علي بدايته أكثر من ستة أسابيع تغيرت فيها صورة المنطقة العربية بأكملها وربما صورة العالم، ليس فقط بسبب انهيار نظامين حديديين في تونس ومصر ولكن بفعل القوة الجديدة التي أدت إلى انهيار هذين النظامين، الذي يعتبر احدهما وهو النظام المصري من اقوي الأنظمة الشمولية وأكثرها اعتمادا على جهاز امن يفوق عدد أفراده سكان دولة أو حتى مجموعه دول ممثلة في الأمم المتحدة، ويتمتع بقدر كبير من الدعم الدولي والشرعية السياسية وحتى الدستورية والقانونية ويرعاه حزب كبير يمسك بمقاليد الحكم والسياسة اغلب المتنفذين فيه رجال أعمال يملكون مليارات الدولارات ويتحكمون ليس فقط بعجلة الاقتصاد ولكن برأس مال الدولة بكاملة وبعجلة الإنتاج في المنطقة .
إن سقوط النظام التونسي وهروب الرئيس زين العابدين بن علي وانهيار النظام المصري وتنحي الرئيس حسني مبارك أمام إصرار الشعب على مطالبه العادلة والتي صبر عليها كثيرا لتعبر ليس فقط عن ضعف وفساد وهشاشة هذين النظامين بقدر ما تعبر عن قوة إرادة الشعوب إن توحدت وعرفت كيف تدافع عن حقوقها ومطالبها في وجه البطش والقمع والفساد، لتؤكد هاتين التجربتين الرائدتين مدى القدرات الكامنة عند الشعوب البسيطة والفقيرة والمسحوقة التي تتجاوز في أحيان كثيرة حركة التاريخ ومعايير القوه والضعف وكل عوامل الحساب الساذجة في حسابات الحركات الثورية التي تحدد ماذا تريد لتنطلق شرارات الثورة من رحم المعاناة التي وان صبر الناس عليها فلا تعني بالمطلق انتهائها، بل تبقي كامنة في وجدان الشعوب كأفراد وكجماعة اجتماعية منظمة تنتظر الفرصة السانحة لتنقض على ظلامها دون أي خشية أو خوف، مستعدة لدفع تكاليف الثورة التي وان بدت فادحة خاصة ما تدفعه من ثمن من أرواح ودماء الثوار إلا أنها ثمن لمستقبل أفضل للأجيال القادمة والتي إن لم تحقق ما تريده بأكمله إلا أنها لن تدفع معاناة متواصلة دفعتها أجيال وأجيال لعقود طويلة، ولتؤكد أن حتمية انتصار الشعوب في أي معركة تخوضها سواء في معركتها للتحرر من الاستعمار أو معاركها للتحرر من الاستبداد والظلم .
إن الجديد وربما المفاجئ في الثورتين التونسية والمصرية أنها ثورات اعتمدت على الشباب، هذا الشباب الذي لفظته أنظمة الحكم الظالمة والفاسدة ليس في مصر وتونس فقط ولكن في كل البلدان العربية، واعتبرته جيشا من العاطلين عن العمل تزج به عبر الضغط إلى بوابات الهجرة والهروب من بلادة للتخلص من مطالبهم الدائمة في تحسين شروط العيش، وان بقي في البلاد فعلية أن ينشغل بملهاة الحياة مرة بالرياضة وأخري بالفن وتارة بالانحلال والرذيلة، ونسيت أو تناست هذه الفئات الحاكمة المتحجرة في المراحل الأولي لتاريخ توليها الحكم أن مطالب الشباب وحاجاته السياسية تجاوزت المطالب بالوظيفة أو العمل أو لقمة العيش أيا كان مصدرها، لقد أوقدت ثوره التكنولوجيا والاتصالات والتواصل أمام الشباب شموع الأمل ومنحتهم الثقة في قدراتهم كطاقات جديدة للإبداع ومنحتهم الإرادة الجديدة الصلبة في رغبتهم في التغيير، وأعطتهم رؤية جديدة في إعادة كتابة التاريخ ورؤيتهم لتطور مجتمعاتهم مما أعطاهم الثقة في مقدرتهم على اخذ زمام المبادرة واستخدام أدوات العصر ووسائله في مواجهة بيروقراطية الأنظمة وتحجر أفكارها وتخلف إعلامها وفساد مؤسساتها وزيف قوتها القمعية، ليزداد وعيهم عمقا مستفيدين من تجارب العالم وخبراته لتتطور مطالبهم من مجرد العمل والغذاء والدواء إلى مطالب اكبر، حيث باتوا يبحثون عن كرامتهم الإنسانية وحاجتهم لتطوير إبداعاتهم الريادية ومصرون على حقهم في المشاركة في صياغة تاريخ ومستقبل أوطانهم والشراكة الكاملة في مقدرات بلدانهم، لتختلف مطالبهم من المطالب الوظيفية الإجرائية إلى مطالب اكبر قيمة تعبر عن منظومة فكرية جديدة لا يستطيع التاريخ تجاهلها حتى ولو أرادت القوي الرجعية ذلك وعملت كل ما تستطيع لوقفهم والقضاء على أحلامهم.
لقد أثبتت تجربة الثورة في مصر وتونس تكلس الأنظمة وتخلفها عن ركب الحضارة والتطور، ليس هذا فقط بل أثبتت أيضا عجز القوي السياسية القائمة بكل مشاربها السياسية والفكرية عن استيعاب حركة الناس وبقيت حكومات وأحزاب في أبراجها العالية تدعي تمثيلها للناس رغما عنهم، لتنهار جميعا أمام عظمه الشعوب الثائرة وطاقات الشباب الرائدة ليتأكد من جديد أن الشعوب قادرة على انتزاع حقوقها، وان الشباب محركا أساسيا في عمليه النهوض والتغيير والبحث عن مستقبل أكثر إشراقا وأمانا لها ولمن سيأتي من أجيال قادمة.
إن على الجميع أن أراد الاستفادة من هاتين التجربتين أن يستخلص العبر لإعادة تشكيل منظومة الحكم القائمة ليس بهدف منع الثورة بل بهدف التغيير الحقيقي استباقا للثورات الحتمية على أي ظلم أو اضطهاد، وعلى القوي السياسية والأحزاب القديمة أن تدرك أن التمثيل للناس هو عبر التعبير عنهم والدفاع عن حقوقهم بشكل فعلي ليس مجرد ادعاء بتمثيل مصالحهم، وعلى الجميع أن يعمل الآن على إعادة الاصطفاف السياسي لإيجاد تمثيل حقيقي عن رغبات فئات المجتمع وعلي رأسهم الشباب الفاعل الأساسي ليس في الحاضر فقط بل في المستقبل أيضا.
لقد انتصرت الثورة في مصر وتونس على طريق انتصارات جديدة سواء بنفس الشكل أو على الأقل بنفس المضمون فلا يبدو في الأفق تراجعا عن حركة الشعوب لنيل حريتها، وعلينا جميعا أن ننحني أمام تضحيات الشهداء في هذه الثورات وان نرفع القبعة لتحية شباب العصر المتمترسين خلف خنادق كرامتهم لا يبرحونها إلا بنيل الحرية وتحقيق مطالبهم مهما بدا سقف هذه المطالب مرتفعا، فلا يدرك السقوف العالية إلا القامات العالية والهامات المرتفعة وأصحاب الإرادات التي لا تنكسر.
د . وجيه أبو ظريفة
الكاتب والمحلل السياسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة الأمين العام


.. الرسالة المفتوحة رقم 02 من المكتب السياسي لحزب التقدم والاشت




.. The Solution - To Your Left: Palestine | عركة التحرر - على ش


.. -جزار طهران- أو -نصير الفقراء- .. كيف سيتذكر الإيرانيون إبرا




.. شرطة نيويورك تعتقل بالقوة متظاهرين متضامنين مع غزة في بروكلي