الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعم يا طغاة الفساد العراقي: نحن متضرّرون!

سلام عبود

2011 / 2 / 13
حقوق الانسان


لقد شهد العالم أجمع، بالصوت والصورة، عمى وصمم فاسد تونس، وشهد بعد ذلك غلاظة وعمى وصمم وسوقيّة "الرئيس" اللامبارك مبارك. واليوم يأتي الفريق الحاكم في العراق وإعلاميّوه عارضين عوراتهم وتشوهاتهم الخلقيّة والسياسيّة أمام الملإ بطريقة فاقت طرق سابقيهم. وصل العمى العراقيّ حدودا عظيمة الشذوذ حينما جعل الإعلام الأميّ ثورة مصر الشعبيّة البيضاء جزءا من "كهرباء الديمقراطيّة العراقيّة"، وجعل بعضهم ثورة فقراء العراق " مجرد خدمات"، وجعلها آخرون تخديشا أجنبيّا "حسودا" (؟؟!!) لصورة "العهد الديمقراطيّ" الذهبيّ.
ولأنـّهم عميّ وصمّ وبكم بامتياز وجدارة نطالبهم بالرحيل عن الحكم. لأنـّهم غير مؤهـّلين عضويّا (جسمانيّا) للحكم، وليس سياسيّا فحسب. إن السياسيّ الجاهل ومعه إعلاميّه الأكثر جهلا لا يدركان أنّ الحقّ الانتخابيّ ليس مزيّة خاصّة استثنائيّة، بقدر ما هو حلقة صغيرة من سلسلة واسعة من حقوق المجتمع المدنيّ، التي لا يصح إهدارها كلـّها باسم حقّ يتيم، هو أكثرها شكليّة، حق تمتع بمزاياه أكثر حكـّام العالم ضحالة وحمقا، من أمثال قرضاي في أفغانستان، والقذافي والبشير وعلي عبد الله صالح ومبارك وعباس وابن علي وغيرهم. وأن هذا الحقّ لا يفعل فعله بنفسه، بل يعمل باتحاد تام مع منظومة متجانسة من الحقوق المدنيّة، أهمها وأعلاها حقّ مراقبة ومحاسبة وتقويم الحاكم، وحقّ المواطنة الذي يعلو على أيّ حق آخر سواه.
اليوم طلعت علينا صحيفة "الصباح" الحكوميّة بتقسيم جديد للشعب العراقيّ يقول: إن أسباب غضب أبناء الشعب العراقيّ عائد الى أمرين: إمّا أن يكونوا معترضين على الخدمات، أي هم أناس شعروا بأنّ حُفر الشوارع أصبحت كثيرة فراحوا يطالبون الحكومة بتحسين تبليط الشوارع. أو أنـّهم - وهذا هو بيت القصيد- من " المتضرّرين".
وبما أننـّي أحد هؤلاء، وبما أننـّي أعيش في بلد خال من الحفر ومشاكل المجاري ولا أريد تبليط شارع، بل أريد تبليط نظام مدنيّ كامل للحقوق الاجتماعيّة، فأقول بملء الفم: نعم، أنا أحد المتضرّرين، وهذا الوطن كلـّه: الحجر، والشجر، والماء، والهواء، والهوام، وحتـّى الكلاب السود الضّالة فيه، تضرّرت جرّاء ظلمكم وجهلكم وعمى ضمائركم.
نعم، نحن متضرّرون! نعم، ألحقتم بنا ضررا فادحا، ضررا مميتا، إذا قورن بأضرار مبارك في مصر وأضرار زين العابدين في تونس. وأنتم تعترفون من طريق معارضكم وسفراتكم المكّوكيّة الى النظام المصريّ المقبور ومهرجاناتكم العظيمة واتفاقياتكم التجاريّة والأمنيّة، التي أقمتموها، بتفضيل خاصّ جدّا ومميّز، مع نظام منحطّ ساقط هو نظام حسني مبارك، تعترفون، من طريق هذه العلاقة الوطيدة، أنّ نظام حسني مبارك كان جنـّة وواحة للديموقراطيّة وعرين الثقافة الحرّة، قياسا بجحيم دولتكم المظلمة، الفاسدة، البشعة.
سيأتي من يقول لنا: والإرهاب؟ هل نسيتم الزرقاوي وابن لادن ووو...!؟ وأنا أقول لهم: هؤلاء مخلوقات سيّدكم، الذي جاء بكم الى الحكم. لقد فتح، ربكم الأعلى (لا ربّ لهم سوى القوى الأجنبيّة)، للإرهابيين ممرات آمنة، لكي يعيد بهم تنظيم عمليّة الفرز والفصل الطائفيّ والعرقيّ عسكريّا وميدانيّا على الأرض، في ظلّ حلّ المؤسسة العسكريّة وتهديم قواعد الدولة المدنيّة. أما استمرارهم وتناميهم فكان بفضل سوء إدارتكم للسلطة وتقاتلكم العبثيّ والمخجل والكافر (أنتم كفرة بكل معنى الكلمة بكل القيم، حتـّى بالقيم السمويّة) على الحكم والسلطة والنهب العلنيّ وشهوة القتل والانتقام.
سيقول قائل منكم: البعث إذن! هل نسيت البعث؟ وأنا أقول لأمييكم جميعا: لا أحد يزايد على الشعب والمواطن في هذا، فأنتم جميعا لا ترقون الى مرتبة بعثيّ واحد من حيث الإدارة والتنظيم. لأنكم جميعا لم تكونوا سوى أسوإ ملحقات الجهاز البعثيّ. كنتم جزءا من جيش الوشاة، من نمّامي البعث، وبائعي المعلومات والأوساخ الثقافيّة والسياسيّة. أنتم تعرفون هذا اسما اسما، ونستطيع تقديمه لكم بالقوائم المفصّلة، المملـّة، وفي مقدمتهم جهاز إعلام الرئاستين والإعلام الحكوميّ وصحيفتكم المركزية وكلّ المؤسسات الأخرى. فدعوا خدعة البعث. أنتم الآن تواجهون بعثيـّتكم المشينة الخاصّة، ذواتكم الفاسدة.
نعم، بعثيـّتكم الخاصّة، أقولها علنا وليعذرني الشعب العراقيّ كلـّه: بعثيـّتهم الخاصّة. لأنّ البعثيّ في نظركم، الذي تسمونه البعثيّ الشريف، هو البعثيّ الأميركيّ الذي يطبّل للاحتلال، والبعثيّ الايجابيّ هو المرتشي والفاسد أو قائد فرق التعذيب في سجن الجادرية. هؤلاء بعثيّون محترمون، شرفاء، و"ذهبيّون" و"ديمقراطيّون". إنـّكم أسوأ من أسوإ بعثيّ فاسد.
لهذا أقول بجرأة وإخلاص: على البعثيّ غير المموه والمزوّر، البعثيّ مواطنا وليس حاكما، البعثيّ فردا إجتماعياّ وليس عضوا حزبيّا، البعثي الذي تورط في بعثيّته الحزبيّة والسلطويّة السابقة، لظروف أقرّ الدستور (الزائف والمشين) اغتفارها وقبولها، أن يبرهن الآن على وطنيته. وإذا كان الأميركان والطائفيّون والعرقيّون قطعوا عليه إمكانيّة المراجعة سابقا، فعليه أن يراجع نفسه الآن، وأن يقدّم لشعبه وجهه الآخر، العراقيّ، الوطنيّ، ووجه الشخصيّ المسالم والسويّ.
لقد سقط مبارك وابن علي، ولكنّ حكـّام المدن الدول الاستبداديّة الكرديّة، الذين يقفون خلف جرائم التاريخ العراقيّ كلـّه: الحاكم العائليّ، الاستئثاريّ، القبليّ، الفاسد حتـّى النخاع، الذي يتربع على عرش المدن الدول لكرديّة، هو الخطوة الأساسيّة الأولى التي يجب أن تدكّ وتزول الى الأبد، من غير رجعة. فلا يعقل أن توجد في القرن الواحد والعشرين ممالك عرقيّة في قلب دولة جمهوريّة، وأن توجد دولة جمهوريّة اتحاديّة ومملكة إقطاعيّة فدراليّة في اتحاد خرافيّ واحد. تلك هي مهزلة الزمان كلـّه! هذا الفساد العقليّ والسياسيّ هو الذي يحكم العراق الآن ويقف وقوفا مباشرا خلف كلّ جريمة حدثت وتحدث فيه.
إنّ الشعب العراقيّ الطيّب مسالم ومبتلى بالكوارث والآلام، ولا يريد سوى العيش بكرامة، فلا توغلوا في الدوس على روحه، لم يعد قادرا على احتمال شروركم. كفـّوا أذاكم عنه! أنتم تتساءلون لماذا سُحل نوري السعيد وعبدالإله بتلك الطرق البهيميّة البشعة واللا أخلاقيّة؟ لأنـّهما مثلكم، كانا أعميين، أصمّين، أطرشين، لا يريان ولا يسمعان صراخ وعويل وبؤس المواطن.
اليوم لا يريد الشعب أن يسحلكم، يريد منكم أن ترفعوا سوط طغيانكم وفسادكم وجهلكم عنه؛ يريد بالحسنى، بالكلمة الطيّبة، بالموعظة، بالرجاء والدعاء الصادقين، أن تقلـّلوا حجم أذاكم. فهل هذا مطلب كبير؟
نعم كبير، وأكثر من كبير! هكذا ستردّ ضمائركم وهي تصحو من غفوة موتها المؤكـّد. لأنّ رفع الأذى والحيف والظلم وإعادة الحياة الى مجراها السلميّ الطبيعيّ سيكون يوم الحشر لكم، يوم كشف الحسابات. أنتم تريدون الحشر سمويّا، وهذا حقكم الطبيعيّ، تصرّفوا به على هواكم ومسؤوليتكم، لكنّ حسابات الخبز اليوميّ، وتربيّة الأبناء، ولقمة العيش، والكرامة الشخصيّة تتطلب قيامات أرضيّة، قيامات أرضيّة خالصة للأسف الشديد.
ستكون غضبة الشعب متحضّرة، رغم أنـّكم لستم متحضّرين. ستكون غضبة الشعب سلميّة، رغم أنـّكم مجموعة من العصابات المحليّة المسنودة بعصابات أجنبيّة زنخة. ستكون غضبة الشعب عادلة، رغم أنـّكم طغاة جهلة مستهترون وصلفون بكلّ معنى الكلمة.
لذلك أقترح على جميع مدونيّ الانترنيت وضع جدول رقميّ في أعلى صفحاتهم، يشير برقم كبير بارز الى عدد القتلى والجرحى والمعتقلين، الذين سيلحق بهم الأذى من قبل السلطة، على أن يتغيّر الرقم مع كلّ حدث، وأن يتمّ تسجيل الأعداد بدءا من انتفاضة الكهرباء في البصرة وانتفاضة الخبز في الديوانيّة وصاعدا (سننسى مؤقتا المليون قتيل والسجون الجماهيريّة).
بهذه الطريقة سنوثق باسم الحاكم شخصيّا، وليس باسم شرطيّ مجهول، كلّ قطرة دم تسيل من أجل معركة استرداد الكرامة الشخصيّة المنتهكة والثروة الاجتماعيّة المنهوبة ومن أجل بناء النظام المدنيّ والسيادة وإعادة الهوية الوطنيّة العراقيّة المستلبة.
وعلى الحاكم (سلطة محليّة أو مركزيّة) أن يعي أنـّه ليس أقوى من حسني مبارك، مهما كانت عصاباته مدجّجة بالسلاح. لأنّ ضمير الشعب أقوى من ظلم الطغاة.
أنتم تسألون المنتفضين: هل أنتم من المتضررين؟ وأنا أعيد الجواب على أسماعكم واضحا صريحا، وبالعاميّة العراقيّة: أي نعم، نحن متضرّرون، وهذه ثورة المواطن المتضرر، المواطن الباحث عن حق دستوريّ يكفل كرامته، ويكفل بناء مؤسساته المدنيّة على أساس المواطنة، لا على أساس الطائفة أو العرق أو الحزب.
تستطيعون مؤقتا - سيسمح لكم الشعب بهذا - إعلان استقلال دولتكم: "دولة المنطقة الخضراء"، وبذلك يكون لكم دولتكم وللشعب العراقي دولته، لكم دينكم ولنا دين. ويستطيع أتباعكم "غير المتضرّرين" في المحافظات طلب اللجوء الى مملكتكم أيضا، بضمان خطيّ من الشعب العراقيّ المتضرّر.
وإذا لم ترحلوا الى دولتكم المحرّرة، دولة "غير المتضرّرين" نقول لكم: ليس لدى المواطن المتضرّر أكرم من هذا العرض السخي.
فارحلوا سريعا أيّها الصمّ العمي، الفاسدون!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجرح أعمق!
سالم الميامي ( 2011 / 2 / 13 - 19:49 )
لقد وضعت يدك على الجرح العراقي وشخصت فداحة المرض المستعصي بموضوعية عالية وفكر ثاقب. لكن الهوة واسعة وثورات الوعي الفكري ما زالت تجابه من قبل دعاة الطاثفية بأشكالها المتعددة بقسوة والشعب لا حول له ولا قوة فقد تعلم الصبر الطويل و يا لسوء ما تعلم!


2 - أصبت
هادي حسن ( 2011 / 2 / 14 - 01:08 )
ستكون غضبة الشعب متحضّرة، رغم أنـّكم لستم متحضّرين. ستكون غضبة الشعب سلميّة، رغم أنـّكم مجموعة من العصابات المحليّة المسنودة بعصابات أجنبيّة زنخة. ستكون غضبة الشعب عادلة، رغم أنـّكم طغاة جهلة مستهترون وصلفون بكلّ معنى الكلمة.

أصبت كبد الحقيقة والله وما نطقت إلا بالحق


3 - نعم وما امر وادهى
ابراهيم البهرزي ( 2011 / 2 / 14 - 07:10 )
نعم والاعلام الطائفي الرسمي هو اشد وبالا من الاعلام البعثي فان كان الاعلام البعثي بمجموعه يصفق لطاغية واحد مجنون فان هذا الاعلام الرسمي الطائفي صار يصفق لعصابات من اللصوص هم في مستوى تفكيرهم وفهمهم للعالم المعاصر اشبه بعنبر مجانين طوله العراق جميعا
وبعض من هؤلاء الاعلاميين الطائفيين يمارس جرائم القتل والتصفية بحق الاصوات المعترضة (هناك مستشار في هيئة الاعلام الرسمي مطلوب بجناية محاولة اغتيال احد الصحفيين والمخفي اعظم )
نعم كلهم من فروخ صدام وبجردة واحدة لصحف ومطبوعات النظام السابق يتضح ان لا احد من هؤلاء الا وكان من الماجورين على القطعة او على الملاك في طابور اعلام النظام السابق
نعم والادهى والامر ان هناك من يستكثر على العراقيين المتضامنين مع ثوار تونس ومصر يستكثر عليهم مشاعرهم ويدعي ان (ثورة العراق ) كانت اسبق وانها هي من فتحت الباب لهذه الثورات ويفلسف الاحتلال والتبعية تحريرا وانعتاقا
اشهد ان المثقفين اخوان الشياطين
اشهد ان هؤلاء المثقفين هم اخوان الشياطين
اشهد ان كل مثقفي الاحتلال هم اخوان الشياطين


4 - كذبوا على الناس حتى صدقوا فلمهم وقت سقوطهم
يوسف يعقوب ( 2011 / 2 / 14 - 12:32 )
تحية وطنية للكاتب سلام عبود يا ابن 14 تموز المجيدة وبعد، سأعتبر هذه المقالة بمثابة مدخل وشهادة تاريخية لمحاكمة عملاء المحتل الامريكي.
قبل غزو العراق، هؤلاء الذين امتطوا دبابات وعربات وهليكوبترات الامريكي استعملوا ابواقهم المتدربة في هنغاريا وامريكا وجزر غوام الهندية على ان العراق سيصبح المثال الاسطوري للديمقراطية العتيدة في الشرق الاوسط انه سيكون اليابان او سويسرة الشرق الاوسط وان الاحتلال هو تحرير ...الخ لقد املأوا اذاننا بهذه العبارات الجوفاء حيث قلبوا قوانيين الجاذبية الارضية وصار الذي يسقط يرتفع للسماء وعكسه يرتفع نحو الارض وجميع القوانيي.
لا اطيل عليكم، اليوم وبعد تلمسنا انهيارات المعسكر الامريكي التي بدأت تتسارع وتيرتها في كل مكان عسكريا واقتصاديا ...الى بداية سقوط الدكتاتوريات المدعومة امريكيا وعدم المقدرة لنجدتهم من قبل امريكا لقلة الامكانيات. صاروا جحوش هنغاريا وابواق الديمقراطية الدموية ومن شدة خوفهم من هذه الاحداث المتسارعة ورؤياهم كيف مبارك وزين العابدين اهينوا من قبل اسيادهم، فصاروا يكرروا كذبهم على انفسهم هذه المرة ويصدقوه هم لرحاتهم النفسية لا نصير لهم على الارض.

اخر الافلام

.. هل عدلت الأمم المتحدة حصيلة قتلى الحرب في غزة؟ • فرانس 24 /


.. ليبيا: الجنائية الدولية تقترب من إنهاء تحقيقاتها في جرائم حر




.. العالم الليلة | إسرائيل توسع عملياتها في رفح.. و-الأونروا- ت


.. العالم الليلة | ردود فعل ساخرة حول دعوة نصر الله فتح البحر أ




.. -الأونروا-: 450 ألف شخص نزحوا قسرا من رفح.. والشوارع خالية م