الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقر برئ من الإرهاب!

باتر محمد علي وردم

2004 / 10 / 7
الارهاب, الحرب والسلام


تنتشر في العالم بمراكزه الأكاديمية المختصة وبعض وسائل الإعلام توجهات سياسية وفكرية تربط ما بين الفقر والإرهاب، وبأن الفقر هو المصدر الرئيسي للإرهاب في العالم ويجب محاربة الفقر من أجل التخفيف من خطر الإرهاب. وقد رحب العالم العربي والإسلامي بدوره بهذا التوجه على أساس أنه لا يجعل الإرهاب مرتبطا بديانة معينة أو عرق معين خاصة مع توالي الاتهامات للعرب والمسلمين بالإرهاب. ولكن الواقع أن مثل هذا الربط التعسفي ليس مجرد خطأ منهجي كبير ولكنه لا يفيد أحدا في فهم ظاهرة الإرهاب ويجعل التوجه بعيدا عن المصادر الفعلية للإرهاب كما أنه يجعل ظاهرة الإرهاب خاصية مميزة للعالم الثالث والفقراء وهو أبعد ما يكون عن ذلك.
المشكلة الرئيسية في هذا الخلط هي أن العالم غير متفق على مفهوم الإرهاب وتعريف الإرهابيين. الأميركيون يفضلون أن يجعلوه ملتصقا بالعرب والمسلمين وكل من يعادي إسرائيل والسياسات الأميركية التوسعية وهذا ما قد ينطبق على المقاومة العراقية حماس وحزب الله وسوريا وكوريا الشمالية وربما فرنسا أيضا في بعض الاجتهادات الأميركية المتطرفة، بينما يفضل الأوروبيون ربط الإرهاب بالفقر وتهميش المجتمعات والذي يؤدي بدوره إلى الهجرة إلى الشمال والتي تعتبر إحدى المشاكل الرئيسية في أوروبا.
ولكن إذا اعتبرنا أن الإرهاب بالمفهوم المطلق هو التسبب بالأذى للمدنيين الأبرياء من أجل تحقيق أهداف سياسية أو غيرها فإنه من الواجب القول بأن أكبر الإرهابيين في التاريخ هم من الأغنياء لا من الفقراء. فالاستعمار الأوروبي تسبب بإرهاب الملايين من سكان الدول الفقيرة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بينما تسببت عقلية الكاوبوي الأميركية والقوة المتغطرسة لجيشها في مقتل مئات الآلاف من المدنيين في اليابان والعراق وفيتنام وأفغانستان وغيرها كما أن إسرائيل أوضح شاهد على إرهاب الأغنياء ولا ننسى كذلك الإرهاب الذي تمارسه الحكومات القمعية في العالم ضد شعوبها وهي مدججة بكل القدرات الاقتصادية التي تحرم منها هذه الشعوب.
وفي النهاية فلا يوجد إرهابي فقير، وحتى أسامة بن لادن الذي أصبح نموذج الإرهاب العالمي بالنسبة للغرب فهو لم يعش يوما واحدا فقيرا وجذور تحوله إلى الإرهاب يمكن تتبعها من السجلات السرية لوكالة الاستخبارات الأميركية لا من المشاكل الاقتصادية والتنموية في العالم العربي. ومن الظلم الكبير أن يصبح الفقراء في العالم موصومين بأنهم إرهابيين محتملين فتصبح تهمة الإرهاب إضافة أخرى إلى واقع الفقر لتتسبب في معيشة ضنكى اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لأكثر من ثلثي سكان العالم.
الفقر قد يكون سببا في الإحباط والمرارة والغضب والثورة ضد الظلم والتعسف ولكنه بالقطع ليس سببا في الإرهاب أو على الأقل لا يمكن التعميم في هذا الصدد. وهذا يعني أن القضاء على الفقر يجب أن يكون التزاما إنسانيا أخلاقيا لرفع مستوى معيشة الناس لا لمجرد حماية الدول الغنية من "إرهابيين" محتملين طور التكوين. وإذا أراد الغرب أن يقوم بحرب "أخلاقية" على الإرهاب-ليس بقيادة الولايات المتحدة بالتأكيد- فعليه أن يبحث عن الأسباب في الظلم السياسي والاستبداد ونهب الثروات ودعم الاحتلال وبعض حالات التعصب الديني فهذه هي أسباب الإرهاب الجوهرية لا الفقر.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من حكومات العالم الثالث ومنها اتلعالم العربي تريد أن تدفع باتجاه تبني هذه الفكرة من أجل زيادة المساعدات الغربية لها وخاصة في الجانب الأمني-الاقتصادي بهدف معلن هو محاربة الفقر كمصدر للإرهاب بينما يكون هدفها الحقيقي هو محاربة المعارضة بحجة مكافحة الإرهاب والاستيلاء على هذه المساعدات تحت ستار التنمية ومحاربة الفقر لزيادة ثروات الفئات الحاكمة.
كما قلنا فإن الربط ما بين الفقر والإرهاب هو نتيجة غير منطقية لتسلسل التحليل في التفكير الغربي والذي ينطلق هو الآخر من بدايات فكرية غير صحيحة. التحليل الغربي يبدأ بتوصيف الإرهاب بأنه إرهاب عربي-إسلامي ثم يجد أن العالم العربي والإسلامي يتميز بالكثير من حالات الفقر وتباين الثروات، وعندما يشير إلى ما يسميها "تنظيمات إرهابية" فإنه يشير إلى الكثير من تظيمات المقاومة الفلسطينية ويعتقد مخطئا أن إبن المخيم الفلسطيني الذي يتحول إلى استشهادي يفعل ذلك بدافع الفقر والحرمان ولكن الواقع هو أن ذلك يحدث بدافع الوطنية ومقاومة الاحتلال.
الإرهاب الحقيقي هو ترويع الناس في معيشتهم وممتلكاتهم وأرواحهم بدون ذنب ارتكبوه وهذا ما دأبت على فعله الولايات المتحدة وإسرائيل ضد العرب والمسلمين كما فعلته الكثير من حكومات الدول المستبدة، والكثير من التنظيمات المتعصبة دينيا في العالم الإسلامي وغيره وإذا كان ثمة عامل واحد مشترك يجمع بين هؤلاء فهو بالتأكيد ليس الفقر، ولهذا فإن الربط بين الفقر والإرهاب ربط غير صحيح ومن الأفضل لنا في العالم العربي أن نحمي فقراءنا من أن تلتصق بهم تهم جديدة تطارهم وهم يكادون لا يجدون لقمة العيش!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل