الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن التوراث الشعبية السلمية؛حاجة المغرب لإصلاحات دستورية عميقة

مصطفى لمودن

2011 / 2 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تخلصت تونس من حاكمها السابق في 14 يناير بعد 23 يوما من الاحتجاج المسترسل، وأرغمت مصر حسني مبارك على التنحي عن منصبه في 11 يناير بعد 18 يوما من الثورة العارمة، لقد أظهرت الثورتان مجموعة من الحقائق:
ـ الشعوب لم تعد تخشى قوات القمع المختلفة، رغم أن الأنظمة تنفق عليها الملايير، وتجند لها أكبر عدد من الشباب الوي البنية والأطر المتخصصة يمكن أن يفوق عددهم المدرسين والأطباء... وذلك لحمايتهم من كل انتفاضة ممكنة يقوم بها الشعب مطالبا بالتغيير. لكن ظهر أن هذه القوة في الأول تلجأ إلى كل أساليب القمع الممكنة، لكن سرعان ما تنهار، ولا عجب في ذلك مادامت تعجز عن إيقاف الأمواج البشرية، وفي نفس الوقت فعناصرها جزء من الشعب كيفما كان الحال، وكيفما كانت الامتيازات التي يحصلون عليها، وفي الأخير ينظمون إلى صفوف بقية المواطنين.

ـ لم تعد الجيوش تحمي بشكل مطلق الحاكمين الطغاة، ولم تعد تلجأ لانقلابات تغير عبرها مستبدا بآخر يحمل "تباشير الأمل" وسرعان ما يتحول إلى مستبد جديد يطول مقامه في السلطة، أصبحت الجيوش تتحمل مسؤوليتها في حماية الوطن وتنأى عن الخلافات السياسية الداخلية، وتقف إلى جانب المحتجين ضد أجهزة القمع الأخرى وميلشيات المستفيدين من الأوضاع السابقة، أصبح قادة الجيوش يعلنون ولاءهم للشعب أولا، ويتفادون أي منزلق يسئ للمؤسسة العسكرية في نظر الشعب صاحب السيادة الحقيقية، ولا يغامرون بإجراءات قمعية لن تستثنيهم من متابعات مستقبلية محتملة سواء داخل أوطانهم أو خارجها، في ظل تنامي الشرط الحقوقي في العالم.

ـ كما كان دائما، الشباب في مقدمة الراغبين في التغيير والمشاركين بحماس في الثورات والمقاومة عبر التاريخ، وظهر أن الشباب الآن أكثر نضجا وتعليما وإصرارا على التخلص من الاستبداد وتحقيق الديمقراطية والعدالة، ولا يقبل بإصلاحات شكلية يلجأ إليها الحكام في آخر لحظة لإنقاذ أنفسهم. أصبح الشباب على دراية بكيفية إدارة الدول الديمقراطية، ولا يطالب غير ذلك...
ـ منحت وسائل الاتصال الحديثة خاصة الانترنيت والقنوات الفضائية التلفزية إمكانيات هائلة لبث الحماس والإخبار والتأطير، وقد تأكد أن المواقع الاجتماعية كالفايسبوك والتوتير واليوتوب والبريد الإلكتروني والمدونات... كلها أدوات فعالة في التواصل يصعب حجبها ومراقبتها بشكل كامل من طرف الأنظمة المتسلطة على الشعوب، عبرها تعقد الاجتماعات والمشاورات وتنقل آخر الأخبار وتتخذ القرارات والمواقف الموالية حسب ظروف كل لحظة وحين.

ـ ظهر أن أول المضاربين في الاقتصاد وأول المستفيدين من الريع وأول من يستغل مسؤولياتهم في السلطة من أجل الاغتناء غير المشروع هم الحكام والمحيطون بهم، فهذا حاكم تونس السابق وأفراد عائلته يجثمون على ثروات هائلة، وهذا ديكتاتور مصر السابق يتوفر هو وأفراد قلة من أسرته على ما يفوق الأربعين مليار (وما يقل عن 70)جلها في الخارج، بينما الدولة ترزح تحت الديون، والفقر مستشر في الشعب أو تتوسع دائرته يوما بعد آخر.

ـ لم يعد ممكنا الآن أن يتذرع أي حاكم بالخصوصية المحلية ليمنع عن شعبه الديمقراطية أسلوبا في الحكم، يعتمد فيه الفصل بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية، ويضمن حرية التعبير، وتكون الانتخابات النزيهة هي الشرط الوحيد لممارسة الحكم وتدبير شؤون الدولة لمدة زمنية محددة، تكون انتخابات جديدة هي حكم الشعب على من سير دفة الحكم ليجدد فيه(الشعب) الثقة لمرة واحدة أو يتنحى عن السلطة ليتسلمها من حصل على المشروعية الانتخابية، ويحصل ذلك عبر إقرار دساتير متوافق حولها لا توضع بالإكراه من طرف جهة غالبة، دساتير تتماشى مع ظروف العصر ومتطلباته من أجل التداول على السلطة وتجنيب البلدان اللجوء إلى الثورات من أجل الانعتاق مع ما يرافق ذلك من خسائر بشرية ومادية جسيمة، فلو كان شعبا تونس ومصر يعرفان أن موعدا قريبا ينتظرهم لتغيير الحكام عبر الانتخابات لما حدثت الثورة.

ـ لم تعد تقنع أحدا بعض "المشروعيات" الخاصة، كالمشاركة في "ملاحم" سابقة، والتاريخ الشخصي والأسري للحكام، و"إنجازاتهم" في تاريخ سابق، سواء كانت هذه "المنجزات" حقيقية أو وهمية، فهذا مبارك تحدث عن "منجزاته" العسكرية، وبنعلي في تونس دائما يثير انقلابه ضد سلفه الحبيب بورقيبة، وكلاهما يعتبران ذلك كافيا لبقائهما في السلطة، بينما الشعب أصبح الآن يهمه الحاضر والرفع من مستوى العيش وضمان الحرية والكرامة.

ـ لم تعد الثورات الآن ذات طابع "خبزي" تسعى لتحقيق مطالب حول رغد العيش وتوفير الشغل وضمان السكن والصحة والتعليم.. بل تسعى لإيجاد حل جذري للمشكل من أساسه، ألا وهو التخلص من الحكم المتسلط، الذي يكون وراء كل مظاهر التخلف، والتحكم في الشعب، ونهب خيرات البلد، ونشر الفساد والرشوة والمحسوبية والزبونية... لأن لك من طبيعة هذه الأنظمة وعبرها تقتات لتبقى في السلطة، وهي تدعي خدمة الشعب والوطن، بينما لا تخدم سوى فئة قليلة متحكمة، وتبرر عجزها بقلة الإمكانيات وصعوبة الظرفية..الخ، بينما هذه الصعوبات لا تعني شيئا بالنسبة لعناصرها المتحكمة والفئات الاجتماعية المتحالفة معها، فتتوفر على أرصدة ضخمة، وتتحكم في مفاصل الاقتصاد الوطني، وتحول القطاع العام إلى"خاص" يكون حقيقة في ملكيتها وتحت تصرفها باسم "شركات" خاصة.. بينما الشعب أصبح يريد المشاركة في تدبير السلطة عبر الانتخابات ليطلع على حقيقة الوضع الاقتصادي، فإن كانت هناك أزمة فعلى الجميع، وإن عم الرخاء فستلحق عائداته الجميع، وطبعا مع ما يتطلبه ذلك من حسن التدبير ومراكمة الثروة الوطنية.
وعليه ففي حالة المغرب، أصبح من الضروري إنجاز إصلاحات دستورية عميقة، والانتقال الفعلي إلى مرحلة أخرى من تاريخ المغرب، يكون عنوانها البارز "ملكية برلمانية"، يسود فيها الملك ولا يحكم، تعطى فيها صلاحيات واسعة لحكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع، وفصل حقيقي بين السلطات، تماشيا مع متطلبات العصر وما يحمله من نسمات التغيير التي لم تعد تستثني أحدا، وعدم الارتكان " لأوهام خطاب الاطمئنان التي أثبتت الأيام سقوطها عند أول اختبار" كما جاء في بيان صادر عن الحزب الاشتراكي الموحد، وقد سجل الجميع التراجع الذي حصل في المغرب بعد خفوت خطاب "الانتقال الديمقراطي" الذي لم يقع، بل وقع تراجع عبر الحديث عن "ملكية تنفيذية"، والتحكم المطلق في مختلف دواليب الدولة والمجتمع، وإخراج حزب الدولة إلى الوجود على شاكلة الحزب الحاكم في تونس ومصر، ومحاصرة الخصوم السياسيين والتحكم في الإعلام العمومي واحتكاره، والخلط بين السلطة والتجارة كما جاء في بيان الهيئة السياسية المشار إليها سابقا.. إن المغرب ليس في منأى عن أي حراك اجتماعي وسياسي، ومن مؤشرات ذلك دعوة عدد من الشباب على المواقع الاجتماعية إلى "التحرك" في 20 فبراير الحالي للمطالبة بإقرار "ملكية برلمانية"، ورغم أن ذلك مازال مجرد خطابات على الانترنيت، فقد أكدت التجارب عم الاستهانة بذلك، مادامت نفس الشروط (غالبا) متوفرة، كشكلية المؤسسات "المنتخبة" وعدم صلاحياتها في التأثير على حياة المواطنين إيجابا، تفاقم الأزمات الاجتماعية والخصاص الملحوظ لدى فئات واسعة من المجتمع وعلى رأسها الشباب المتعلم، واحتكار الاقتصاد من طرف أقلية، وانتشار الفساد، منه الرشوة والمحسوبية والريع وشراء الذمم أثناء الانتخابات...
إن الاحتجاج في 20 فبراير لم يعد مقصورا على شباب يعلن عن ذلك في الانترنيت، بل أعلنت عن ذلك بعض التنظيمات المحلية، فهذه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل على سبيل المثال قررت القيام بمسيرة في نفس اليوم وهي ترفع مطالب إصلاحية. إن حكمة المغاربة وتعقلهم تجعلهم دائما يتفادون الفوضى والتخريب والانتقام.. بل يميلون نحو "المصالحة" ورفع المطالب، فهل سيلتقط الجميع مغزى الإشارات والرسائل التي تتناقلها الشعوب من أجل ترسيخ الديمقراطية الحقيقية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطاب مهادن
احمد داريو ( 2011 / 2 / 14 - 12:24 )
خطاب مهادن ومراوغ تفادى الافصاح عن الموقف الصريح للاشتراكي الموحد من عشرين فبراير.امسكتم العصا من الوسط منتظرين ما ستؤول اليه الامور،وهذا لوحده كاف لنستنتج ان الاشتراكي الموحد ليس اهلا لقيادة الشعب المغربي نحو غد افضل.


2 - تعديل الدستور يجب ان يستفتى عليه منطرف الشعب
عبد الرحمان بن ملجم ( 2011 / 2 / 14 - 13:14 )
ان تعديل الدستور بما يغير شكل ومضمون الحكم في المغرب وخاصة اذا كان التغيير يستهدف اختصاصات الملك يجب ان تخضع للاستفتاء الشعبي باعتبار العلاقة المباشرة التي تجمع الملك بالشعب وليس بالاحزاب هي علاقة البيعة وليست علاقة التعاقد بين الملك وبين الاحزاب . في هذا المجال فان مطالبة الحزب الاشتراكي الموحد بالملكية البرلمانية،ان كان يجب احترامه كحق في التعبير،الا انه خارج عن المالوف السياسي،بل وبالرجوع الى حجم التمثيلية الصغيرة جدا التي للحزب في الساحة وفي البرلمان فان مطلب تعديل الدستور بما يضعف الملك لصالح وزير اول واضعاف الملكية لصالح الاحزاب التي تعيش على حساب وبفضل الملكية هو نوع من الانقلابية التي نظروا لها منذ ستينات القرن الماضي والى اليوم .السؤال ما هو حجم القوة التي يمثلها الاشتراكي الموحد في الساحة حتى يطالب بمطالب تتجاوز كثيرا قوته؟ يقول المثل المغربي- عاش من عرف قدره-.ان الطاووسية السياسية سوف لن تؤدي الى نتيجة لان الواقع اضخم منها بكثير.
ا


3 - تعديل الدستور يجب ان يستفتى عليه منطرف الشعب
عبد الرحمان بن ملجم ( 2011 / 2 / 14 - 13:29 )
ان اسقاط الحالة التونسية والمصرية على الوضع في المغرب هو دليل على القصور في التفكير و دليل على انعدام التحليل . ان التهديد بحصول ما حصل في تونس و مصر بالمغرب اذا لم يستجب الحكم للمطالب التي ترفعها مجموعة تحسب على رؤوس الاصابع،هو تهديد مكشوف ودعوة للخروج يوم 20 لاحتلال الشارع وبث الفوضى حيث من المحتمل ان يحتل اللصوص والمجرمون الشارع للنهب والتكسير والتخريب والقتل. واذا كان الجميع من الانتهازيين الوصوليين يروجون لمثل هذا التهديد باسقاط الحالة المصرية والتونسية على المغرب، واذا كان الذي سقط في الحالتين الشخص الرئيس وليس النظام،فهل خروج 20 يناير سيكون هدفه اسقاط الشخص(الملك) والاتيان باخرهشام) ام ان الهدف ابعد من ذلك؟ ولنفرض جدلا ان النظام هو الذي سقط في تونس ومصر فهل هذا يعني ليس سقوط النظام في المغرب بل سقوط الدولة التي هي العلوية ومن ثم سقوط السلالة التي هي سلالة العلويين ؟ الامر خطير لان السؤال هل الجيش والدرك والشعب المرتبطين بالملكية سيتركون هذا المخطط ينفد الى اخر فصوله؟
ثم لماذا لم ترفع شعارات الملكية البرلمانية الا بعد حصول ما حصل بمصر وتونس؟انها الانهازية والوصولية لزرع الرعب .


4 - لا بديل عن المؤسسات الحقة ونظام المحاسبة
ايمن شابوري ( 2011 / 2 / 14 - 14:08 )
بغض النظر عن الاحزاب وتشدقها بالاصلاحات فالمغاربة يعرفون انتهازيتها وضعفها وهي في الاخير جزء من النظام،الا يستحق المغاربة نظاما ديموقراطيا حرا تكون فيه الشرعية للشعب وليس للسماء عبر ما يسمونه البيعة.اتريدون ان يضل العالم يضحك علينا ونحن نتشبث بنظام قروسطي استبدادي متخلف يقدس الاشخاص ويوفر المناخ الملائم للفساد والاستهتار وهدر مقدرات الوطن،الا تريدون الانتقال الى نظام المواطنة والمؤسسات الحقة وارساء قواعد المحاسبة


5 - عدالة وكرامة للجميع
السالمي سعيد ( 2011 / 2 / 14 - 15:45 )
عندما سيثور الشعب أول ما سيثور عليه هو هده الاحزاب الفاقدة المشروعية ولاي نبض في الشارع ,, الضرف عصيب و الكل ينتضر ويترقب لاي تحرك شعبي للقفز عليه الشعب اليوم أكتر وعيا و يعرف مايريد سواء نجحت مسيرات التضاهر أو لم تنجح الاصلاح واجب ليس فقط بالنسبة للنظام فقط ولكن حتى الاحزاب لان المواطن المغربي لم يعد يتق في أي شيء,,يجب عدم التشدق بان الوضع في تونس و مصر مختلف لان المضاهرات اليوم انتقلت الى البحرين..هناك وجوه فاسدة في النضام المغربي في الجيش في الامن و قيادات الاحزاب و شخصيات مقربة الى السلطة وجب محاسبتها ,,, لان المواطن المغربي لن يصمت الى الابد الاشتراكي الموحد وغيره ليس لهم أي وزن في الشارع نعرف كيف تدار الانتخابات ,,,وجب تحدير الوافد الجديد حزب أن يلقى مصير حزب التجمع في تونس لانه يسر في منواله

اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م