الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيوليت رزق

زاهد عزت حرش
(Zahed Ezzt Harash)

2004 / 10 / 7
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


خنساء الفرح الحزين ..!

شدني فرح الوجع الجميل.. المنبعث من شوق الذكريات والحنين.. في فضائه المترامي على مساحات الالوان والابعاد.. بلغة التشكيل التعبيري والانشائي.. مستنجداً بعبق الزمان والمكان والانسان!! حالة من مرارة الفرح وسعادة الحزن, سجع يتكرر كل يوم من جديد, في صراع العطاء بلا حدود.. بين العدم والوجود!! فيا ايها القلب الكبير كم تبقى من مسير على طريق الحنين والامنيات؟؟

لست ادري كيف راودني هذا الشعور المختلط دون ارادة, ما بين الحزن والسعاده.. وانا اجول ببصري في رحاب مساحات الالوان المتقاربة حينا والمتناقضة حينا اخر.. وانتقل بصمت مشحون بالدهشة والانفعال!! ما بين عمل واخر, من اعمال الرسامة الواعدة فيوليت رزق.. التي جاءت الينا من بعيد.!!

كان اللقاء مسربل بالانفعال.. تشدني فيه الالوان والمساحات تستصرخ اعماقي بالف نداء ونداء!! هكذا ينجرف الاحساس في سراديب العطاء العبقري للانسان.. حيث تتبدى لي بجل وضوح قمة هذا العطاء ممثلة بالرسم والموسيقى والاشعار!! وما بعدها هو حالة تتبع واستجلاء وتجلي, تنبعث من كينونة هذا العطاء الاولي.. هنا تؤكد لي مرة اخرى هذه الرسامة الواعدة .. خنساء الفرح الحزين.. ان قيمة الفن في ذاته وليس في انتماءه او منبته.!!

لست ادري؟؟ ربما انا عاطفي في تعاملي الحسي مع الفن.. فهذه الفاكهة المحرمة على الذين لا يجيدون قرأة رموزها.. تاسرني بابسط ما تملك من حس صادق, حين تسافر في افاق التعبير عن وجدان انساني مرهف الشعور والذكريات!! فلا اجدني سوى مندفع بفرح طفولي, لاستقراء ابعادها الذاتية والشمولية.. المتقاربة والمنتافرة.. الباسمة والباكية.. المندثرة والباقية.. خلف كل خط ومساحة ولون.!! ولست نادم على شي مما انا فيه.. فحسبي انني انزف فرحا في رحاب هذا العطاء الجميل.

لم تتيح لي الظروف بان اتعرف على تاريخ هذه المرأة لا من بعيد ولا من قريب.. وانا اكتب ما اكتب من خلال الدخول في صومعة هذا العمل او ذاك .. مستشفا ابعاد الحنين والامل.. ومسنتشقا ملىء رئتي عبق عذابات السنين والزمن.. وذلك التحدي الآتي من عمق العشق الازلي الى الحياة.. والى هذا العطاء الابداعي الرائع.. فهنا تمتد واحات من النسيج اللوني, على مساحة شرشف من قماش الكتان الملون, الذي اعتدنا على استعماله في بيوتنا.. غطاء لطاولة او سرير او مقعد حشبي عتيق..!! هذه متويفات انسانية انتقلت من علاقتها اليومية لممارسة الحياة.. الى حياة تشكيلية تحمل احساس هذه المرأة في علاقتها ما بين الوجود التواجد والوجدان!!


ان هذه اللوحة المشكلة على قماش غير مشدود.. قد تزاحمت فيها الالوان الاصلية مع الالوان التي سكبتها ريشة فيوليت, حتى تماهى الفرق ما بين الالوان الاصلية فيها وما بين الالوان التي انسكبت عليها.. ذلك في علاقة جماليه تتمحور بعبارات الغزل العذري لونا.. ما بين الازرق والاخضر لخلق ذلك اللون العشقي .. لون التركويز!! في انسياباته المخملية كبساط الزهر البحري.. وفي وسط هذه التي بقيت "بلا عنوان".. وضعت الرسامه قطعة قماش اخرى, استعملت في تشكيلها اللون البني ومشتقاته متداخلا مع الازرق السماوي والابيض.. في محاولة لخلق اشكال موتيفات لونية متجانسة, تحمل اماكن وحارات وشلالات مياه وقوارب صيد واشرعة وجسور وابنية قديمه.. وعلى المساحة الوسطى والمساحة المحيطة بها تمر خطوط يمكن رؤيتها بوضوح لانعكاس الضوء فيها.. لتعبر عن العلاقة المتجذرة القائمة ما بين الوسط والمحيط!! وفي هذا المحيط البحري تنامت اشكال لولبية دائرية رسمت بفعل الضوء والظلال.. كالغة تعبيرية تدور حول العلاقة الجدلية ما بين المحور والمحيط, ما بين الانا والكل.



اما اللوحة الاخرى التي استوقفتني, فهي "ساعة الزمن".. والتي تعبر عن موقف الرسامه من الاجواء العامه التي تسود المنطقة, وخاصة ما يحمله الاحتلال من تاثيرات على الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي.. وهذه اللوحة ايضاً انجزت على قطعة من القماش المزخرف, وقد استعملت الرسامه في انشائها تقنيات متعددة, منها الكولاج والرسم على مساحات تصوير فوتوغرافي, اضافة الى امتداد مساحة من اللون الارزق, كانها تريد ان تجمع مياه الكون, ربما تستطيع ان تتيح له غسل الدم الفلسطيني النازف بفعل اثام الاحتلال وموبقاته.. على امل ان يبشر ذلك بميلاد فجر جديد.. بعد دحر الاحتلال وانهاء وجوده العسكري.!! لذلك تجدها جمعت العديد من المحاور المنتشرة على بساط هذه اللوحة, بدءاً بمسيرة كفاحية تشارك بها قوى مناضلة من كلا الشعبين, وقد حملت احداهم لوح على شكل كف يد كتب عليه "די לכבוש", وبجزء اخر ظهرت ساحة كنيسة المهد التي تحولت الى مسرح عمل عسكري لجيش الاحتلال.. جاء لفرض سيطرته الجنونية على كل شيء.. وبالقرب منها مشهد لدبابة اسرائيلية تمر في طرقات فلسطين.. اما في الوسط التحتاني من اللوحة فظهرت حافلتي نقل ركاب (باص).. تظهر فيهما اثار انفجار دموي, تؤكد من خلال ذلك انهما النتيجة الحتمية للاحتلال!! وفي اسفل اللوحة ساعة زمنيه تريد من خلالها الرسامه ان تقول ان زوال الاحتلال ما هو الا مسألة وقت لا اكثر.. وقد تسلل غصن اليباب الملتوي ليمر عبر كل محاور هذه اللوحة, وليحمل قليل من البراعم المبشرة بطلوع فجر جديد.. وهو الامل الذي تحمله الرسامة في اعماقها.. بان "لا بد للقيد ان ينكسر".


هنا اود ان اتحدث عن اللوحة التي حملت عنوان المعرض "امرأة تَبني وتُبنى" وهي لوحة ذات تقنية حداثية تعود على ما اعتقد الى بدايات انتاجها الفني, اذا انها تحمل القليل من ملامح الضعف الانشائي في تكويناتها النحتيه.. واللوحة عبارة عن شخص امرأة بصدرها العاري تمدد طفل على حضنها وهو يمد يديه باتجاه ثديها برجاء وحب وامل.. وحول شخص هذه الام المثبتة بشكل نحتي ملون, على بساط "لحاف" من الاغطية القطنية التي استعملتها في ما مضى من الايام, لتدفئة اولادها في سن الطفولة, انتشرت صور ابناءها الثلاثة في مراحل اعمارهم, من الطفولة الى يوم انجاز هذه اللوحة.

احسست ان لهذه اللوحة اكثر من اسم واكثر من رجاء.. وانه يمكنها ان تحمل ايضاً اسم "الامومة" واسم "العطاء" .. ولكن ليكن اسمها كما اختارته فيوليت لنفسها وللمعرض ايضاً.. حيث افتتح هذا الاول مساء الجمعة الاول من تشرين الجاري, في قاعة سوا للفنون التشكيلية في دير راهبات الناصرة في شفاعمرو.




احتوى المعرض على اعمال عديدة.. منها الزيتية ومنها المائية.. منها ما هو ذاتي تناول صور لحياة الرسامة واحبائها.. ومنها ما هو تعبيري يحمل حنين علاقتها للمكان والزمان.. وحيفا كانت موجودة في الكثير منها .. بحرها, بيوتها, واشجارها الباسقة الظلال.. ومشاهد من بئر السبع بصحرائها وابارها واسودها.. نسيج من الاحلام والذكريات والحنين.. ذلك باسلوب رقيق من الحركة والخطوط والالوان.. كلها تؤكد قدرات هذه الرسامة وتمكنها من ادواتها التشيكيلة الثابتة.

انتقلت فيوليت رزق من حيفا للعيش مع اسرتها في بئر السبع منذ قرابة 22 سنة.. وقد جاءت الينا من هناك.. من البعيد!! ويكفيني انني كنت العراب الاول لهذا الميلادالجديد.. من خلال اقامة معرضها الاول, وبداية تسجيل مسيرتها الفنية من هنا.. بثقة واصرار على متابعة العطاء والامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معدن اليورانيوم يتفوق على الجميع


.. حل مجلس الحرب.. لماذا قرر نتنياهو فض التوافق وما التداعيات؟




.. انحسار التصعيد نسبيّاً على الجبهة اللبنانية.. في انتظار هوكش


.. مع استمرار مناسك الحج.. أين تذهب الجمرات التي يرميها الحجاج؟




.. قراءة عسكرية.. ما مدى تأثير حل مجلس الحرب الإسرائيلي على الم