الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيد المالكي ... ممنوع استخدام القوة ضد الشعب

تيلي امين علي
كاتب ومحام

(Tely Ameen Ali)

2011 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


رياح التغيير ، والاصح رياح الثورة ، والتي هبت على تونس الخضراء فانتقلت منها الى ارض الكنانة واسعدت المصريين ، تهب اليوم على اصقاع عديدة من منطقة الشرق الاوسط . ولا شك ان انتصار الثورة في مصر اعادت للكثير من الشعوب المقهورة الثقة بالنفس وبرهنت ان الدكتاتوريات العربية والشرق اوسطية انظمة خائرة وخاوية لا قدرة لها على مواجهة شعوبها ، وبرهنت ثورة مصر ان كل فنون القمع وآلات العنف وادواتهما لا تنفع في الحيلولة دون تهاوي عروش السلاطين ، بل ان كل قطرة دم تراق ظلما وتعديا سرعان ما تصبح سيلا من الغضب المشروع تجرف معها احلام السلطة وتزلزل الارض من تحت اقدامها .
ثورة مصر شاهد اصيل على امكانية الشعوب فرض ارادتها واستعادة حريتها باعتبارها مصدر وصاحبة السلطات .
ثورة مصر تعد كذلك درسا بليغا لكل حاكم يبتعد عن شعبه ويتحايل عليه وينهب ثروته ويصادر حريته ويهين كرامته ، هذه الثورة اسقطت جدار الخوف ومزقت ستر الرعب وهي لن تتوقف في مصر قطعا ، وقد قلنا في مقال سابق ان الثورة اذا نجحت في مصر فان الشعب المصري سيقدم الحرية الى الشعوب الشرق اوسطية على طبق من الذهب ، ها قد انتصرت الثورة وبزغت شمس الحرية وحان عصر النهضة الديمقراطية وزمن اعادة المواطن لاعتباره وكرامته .
بالنسبة الى شعب العراق ، وهو يشترك مع الشعب المصري في العديد من نواحيه الاجتماعية والثقافية والسياسية والسايكلوجية ، وما يحدث في مصر له تأثير مباشر وفوري على ما يمكن ان يحدث في العراق بحكم الصلات القوية التي تربط الشعبين .
حتى اليوم لا نقارن الاوضاع السياسية في العراق مع تلك التي كانت في مصر على عهد نظام مبارك المخلوع ، فهنا هامش من الحرية السياسية على الاقل ، وهنا نوع من التعددية الحزبية ، وانتخابات يمكن القول انها مقبولة ، وهنا توجد حكومة لا توصف بانها احادية ، واجهزتها الامنية لم تؤسس لممارسة القمع وليست مختصة برصد حركة الشارع او مراقبة نشاطات المعارضة .
من جانب اخر ، لم تبذل الحكومة العراقية الجهد والمال المطلوب لتقديم الخدمات اليومية الضرورية للحياة ، وهناك حديث عن فساد واسع حيث يحتل العراق مرتبة متقدمة في قائمة الدول الفاسدة ، وهناك احتكار للسلطة من قبل الاحزاب التي جاءت بمعية الجيش الامريكي ، وهناك الكثير من المحسوبية والمنسوبية وهدر اموال الدولة والصفقات السياسية التي تبرم لصالح الاحزاب السياسية . وهناك وزارة فضفاضة من رئيس وزراء وثلاثة نواب وثلاثة واربعين وزيرا ، وهي الحكومة الاكبر عددا في تاريخ العراق ، كما هناك رئاسة جمهورية من رئيس جمهورية بروتوكولي يتبعه اربعة نواب ومستشارون وخبراء لا عمل لهم ، ويجري الحديث عن تشكيل مجلس وطني للسياسات العليا وما يتبعه من عدد كثير جدا من المستشارين ومساعدي المستشارين ، ودون الحاجة الفعلية الى مثل هذا المجلس غير الدستوري .
كل ما سبق يمكن ان يكون محل نقاش وتفاهم ، يمكن حل كل هذه الامور بالحوار وحتى بالتظاهرات السلمية وهي لا تدعونا حاليا لمعارضة الحكومة او الوقوف ضدها او تمني النفس بسقوطها .
ان الجانب المظلم في الاوضاع العراقية ، هو ما يحدث على صعيد كبت الحريات الشخصية والتمييز الديني وما يتعلق بانتهاكات حقوق الانسان . هذا الجانب هو محور اهتمام كل العراقيين من مناصري الحرية ودعاة حقوق الانسان ، وهو موضوع اهتمام احرار العراق الليبراليين والعلمانيين من ادباء ومثقفين وصحفيين ومحامين وحقوقيين وفنانين وغيرهم، كما ان هناك العديد من منظمات المجتمع المدني تتابع هذا الجانب بدقة .
ليس خافيا على هؤلاء ، الانتهاكات الفظيعة للحرية الشخصية للانسان العراقي طيلة السنوات الماضية من قبل بعض الاحزاب الدينية وممارساتها القمعية ضد المرأة وضد المؤمنين من غير المسلمين وبصورة خاصة ضد المسيحيين ومحاولات تفريغ العراق منهم بصورة نهائية مع انهم جزء اصيل وتاريخي من النسيج العراقي .
ليس هناك اعتراض على المواكب الحسينية التي تقوم بها الطائفة الشيعية ، لان ذلك جزء من ثقافتها ويجب احترامها ، الا ان الخلل هو في اجبار البسطاء والعامة في الاشتراك في هذه المواكب عنوة ، الخلل هو في استخدام السياسيين وبعض رجال الدين او المحسوبين عليهم لهذه المواكب لاغراض تعبوية سياسية .
ليس هناك اعتراض على اداء المسؤولين لفريضة الحج ، ولكن الخلل هو في تسابق الوزراء والنواب للذهاب الى الحج للمرة الثانية والثالثة وحتى الرابعة ، وترك مواقعهم وانشغال الدولة بالحج كل عام لمدة شهر تقريبا .
اعود الى موضوع الحريات وحقوق الانسان ، فقد اتهمت منظمة العفو الدولية الحكومة العراقية بممارسة التعذيب وادارة سجون سرية ، وهي تهمة خطيرة قد تغير نظرتنا الى اداء هذه الحكومة . الامر الذي يؤسف له هو ان الحكومة لم تتعامل مع التقرير بمسؤولية ، وصرح احد مستشاري رئيس الوزراء بان التقارير الدولية غير صحيحة وهو يعلم ان منظمة العفو الدولية تتمتع باستقلالية ومصداقية لا يمكن الطعن فيها او التشكيك في تقاريرها . وجاء هذا التقرير متزامنا مع اصرار مجلس محافظة بغداد على العدوان على اتحاد الادباء وترهيبهم ومع حريتهم بارساله بلطجيته لاستباحة مقر اتحاد الادباء وعدد من المراكز الثقافية والاجتماعية في بغداد ، محاولا بذلك تحويل عاصمة الرشيد الى بلدة تماثل قندهار . وجرى الحديث ايضا عن رغبة في فصل الطلاب الذكور عن الاناث في جامعة المستنصرية .
هذه الانتهاكات لحقوق الانسان والتضييق على الحريات العامة دفعت بالبعض الى القول ان الحكومة او جهات منها تخضع لاملاءات اقليمية باقامة نظام اسلامي شيعي متشدد على غرار الجارة الشرقية .
من المعلوم ان لا تكون هذه الاجراءات والخروقات مرضية من قبل العراقيين ، فاذا اضفنا اليها سوء الخدمات ومشاكل البطالة وازمة السكن وندرة الكهرباء وقلة الاجور وفشل وزارة التجارة في توفير محتويات البطاقة التموينية وتردي الخدمات الصحية والتعليمية وما يقال عن امتيازات واسعة للمسؤولين عامة وللوزراء والنواب بصورة خاصة ، علينا ان نتوقع ان يطالب الناس بحقوقهم واضطرارهم للتظاهر تعبيرا عن رأيهم ، خاصة وان الاشقاء المصريين نالوا حقوقهم وحرياتهم بتظاهرات سلمية وحضارية . وقد حدثت فعلا تظاهرات في مناطق من العراق ، وكان تعامل السلطات المحلية غير مقبولة وغير حضارية في بعض الاحيان ، فقد اطلقت قوات الشرطة النار على المتظاهرين في قضاء الحي وارتكبت جريمة بحق المدنيين ، وكان على الحكومة ان تقدم المسؤولين والمتهمين الى العدالة لان جريمة قتل المواطنين اثناء التظاهر السلمي تعد جريمة ضد الانسانية يمكن ان تتسبب في محاكمة المسؤول الاول في الدولة امام المحكمة الجنائية الدولية ، ولا تنفعه حصانته في هذه الحالة .
خلاصة القول ، ان هناك الكثير من الخلل في اداء الحكومة ، وهناك انتهاكات لحقوق الانسان ومصادرة للحريات ، وان الشعب يمكن ان يتظاهر ضد هذا الاداء ، فكيف تتصرف الحكومة العراقية وهذا هو بيت القصيد من هذه المقالة ؟
كل من تابع احاديث السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في الاونة الاخيرة لا يشعر باطمئنان من ان الحكومة ستتعامل مع المظاهرات القادمة برحابة صدر وستحترم خيار الناس في التعبير عن وجهة نظرهم ازاء مشاكلهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية . ولسنا بصدد التشكيك قدر رغبتنا في الاطمئنان .
لقد اقر السيد المالكي من ان بعض المظاهرات ستكون عفوية وبمثابة الرد على الاوضاع السيئة ولكنه حذر من ان بعضها ستكون مسيسة ويقف ورائها جهات لا تؤمن بالعملية السياسية والتغيير الذي حصل في العراق . وفي احدث كلمة له قال ان حق التظاهر مكفول دستوريا وهذا طرح ايجابي الا ان قوله ان الحرية يمكن ان تقود الى الهدم ! قول خطير ولا يمكن القبول بهذا الطرح ، وارجو ان لا يكون ضمن خانة التهديد للمتظاهرين ، فالحرية مقدسة وضامنة ومكفولة بالدستور والقوانين والتشريعات الاممية وهي لا تؤدي الى الهدم بحال من الاحوال ، وهي الحجة نفسها التي يتذرع بها اعداء الحرية للنيل منها ، اتمنى مخلصا ان يتجنب المالكي الوقوع في فخ بعض اجنحة حكومته التي لا تعرف قيمة الحرية ووجوب احترامها ، وعلى الحكومة ان تعرف جيدا انها ان تعاملت مع وسائل التعبير عن الرأي ومنها حق التظاهر المشروع ، بالافصاح عن اية وسيلة للقمع والعنف والاحتجاج بوجود اجندة ارهابية او اجنبية لفئة من المتظاهرين وبالتالي شرعنة استخدام القوة فانها ستكون قد اعادت اسلوب مبارك وبن علي في التعامل مع المظاهرات ، وحينها قد تهتف الحناجر بسقوط النظام لفقدانه الشرعية بممارسته القمع .
وفي الخاتمة اقول ان احتمال ان يندس بعض الفئات الارهابية او المحسوبين من انصار النظام البعثي المخلوع ، بين المتظاهرين امر وارد كما تنبأ السيد رئيس الوزراء ، لكن في كل الاحوال ، القمع والعنف ممنوع ايتها الحكومة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا