الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة تجابه منعطفاً خطيرًا

جمال البنا

2011 / 2 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كل واحد يتصدى لما حدث في تلك الأيام من 25 يناير حتى 11 فبراير ، وكيف سارت وإلى أين انتهت ؟ لابد أن يقرر أمرين ، الأول : أن هذه ثورة انبثقت من صميم الشعب وقادها مجموعة من أخلص أبناءه ووصلت من الحجم أن كتلت الجماهير من أقصى البلاد إلى أقصاها ، والأمر الثاني : أن هذه الثورة الشعبية عبرت عن هدفها العام في أول يوم قامت ، ثم عبرت عن مطالبها في فترة لاحقة قدمتها إلى «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» التي أوكل إليها الرئيس المطرود .
وهذه المطالب تتجاوب تمامًا ، أو أنها بالفعل هي مطالب الشعب .
أمامنا إذن حقيقتان ، الأولى : أن هذه ثورة لا يمكن الطعن في أصالتها كثورة ، وأنها شعبية خالصة . والأمر الثاني : أن مطالبها هي مطالب الشعب تمامًا ، وتقوم هذه المطالب باختصار رفض كل ما قام عليه العهد البغيض من دستور ومجالس نيابية وحزب لأنها كلها قامت على أساس تزييف أرادة الشعب وتمكين المنتفعين من نهب البلاد . وينبي على هاتين الحقيقتين أن العهد الذي ثار عليه الشعب بأجمعه ودون تردد قد فقد «شرعيته» ، وأن الشرعية العليا هي شرعية الشعب ، لأن الأمة هي مصدر السلطات ، وهو نص يوجد في كل الدساتير حتى أسوأها لأنها لا تستطيع أن تتجاهل ذلك ــ ومن باب أولى ــ لا يمكن إظهار ما يخالفه ، ولكن الدساتير السيئة «تلف» على هذا النص بمواد أخرى تقضي على فعاليته .
إن مبارك عندما قاوم ثورة الشعب فقد شرعيته كرئيس شرعي لشعب مصر ، ولم يعد لكل ما يصدره من قرارات قيمة شرعية .
ولكن هذا المنكود المشئوم أراد أن يفرض نكده وشئومه على مصر حتى وهو ينتحى عن السلطة ، وحتى بعد أن فقد شرعيته ، فعهد على وجه التعيين إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة الأمور ، ولم يقل أنه يعهد إلى «الجيش» .
ومن المسلم به أن الجيش جزء من الشعب ، وهو جيش الوطن وله دور مقدس في حماية الشعب ، ولكن ليحميه ممن ؟ ليحميه من أي عدوان خارجي ينتقص من حدوده وينتهك استقلاله .
لم يقل أحد أن جيش الشعب يحمي الشعب من الشعب نفسه ، فهذا لا يستقيم ، ولكن هذا هو ما أراده ذلك التعس النكد .
الجيش على كل حال جزء عزيز من الشعب ، ولديه الفطنة والذكاء ليفهم الأمور ، ولم يتورط بحكم وضعه في المفاسد التي ارتكبها مبارك فلا يحاسب عليها ، وفي الفترة التي عهد إليه حماية الثورة عندما اتضح أن «حاميها حراميها» ، وأن الشرطة حاولت مقاومة الثورة ، فعهـد إلى الجيش بحماية الجماهير الغفيرة حتى لا تحدث مذبحة ، وقام الجيش بهـذا بأمانة وحيـاد وتعاطف كان أقـوى من صفته العسكرية .
هذا صحيح ، وصحيح أيضًا أن الثورة لم تكن قد قامت بدورها الإيجابي لإدارة الشئون ، ففي الفترة التي فقد فيها الوضع القديم شرعيته ، ولم يقم العهد الجديد بوضع النظام والآليات .. إلخ ، حدث فراغ لابد من ملأه ، وكان الجيش هو القوة الشعبية الوطنية الوحيدة ، فكان طبيعيًا أن يعهد بالسلطة إليه .
ونحن حاليًا لا نضيق بهذا الوضع ، بل نعبر عن تقديرنا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعلن عندما تقلد زمام السلطة أنه ليس بديلاً عن الشرعية التي يرتضيها الشعب ، وأعلن أنه يريد دولة مدنية ديمقراطية ، أي لا تكون دينية أو عسكرية .
نقول لكم .. نحن شاكرين ومقدرين ، وفي الوقت نفسه نعلم أن الطبيعة العسكرية من ناحية ، وأنكم في السلطة التي عادة ما تعزل القادة عن الشعب ، إن هذا جعل قرارتكم بطيئة ، وفي بعض الحالات ملتبسة ، كما بدت بعض بوادر الخلاف ، مابين الشرطة العسكرية والذين احتلوا ميدان التحرير ، اسمحوا لي أن أذكركم أن ثورة 25 يناير التي انبثقت من ميدان التحرير ، والتي مثلت شعب مصر كله مسلمين وأقباط ، إخوان مسلمين وشيوعيين ، سكان العشوائيات ، وخبراء الكمبيوتر وأنها لم تعد ثورة مصر ، فقد أصبحت ثورة العرب التي تلهم بقية الشعوب ، بل حملت الدول على احترام مصر وتقديرها ، وهل يمكن أن يصل التقدير لها إلى ما وصلت إليه كلمات أوباما رئيس أقوى دولة في العالم ، وفي الوقت نفسه كانت نصيرة مبارك .
أليس من العار أن يكون تقدير أوباما للثورة أعظم من تقدير بعض المصريين!!
أرجو أيها السادة أن تقدروا هذا ، وأن هذه الثورة لم تقم لتنتهي وإنما لتبقى حتى الوصول إلى الحكم الديمقراطي وهذا من حق الذين فجروا الثورة تعبيرًا عن إرادة الشعب ، فلايمكن لأي قوة أن تحرمهم هذا الحق ، وميدان التحرير هو مركز انطلاقها ومكان عملها ، ومن حق الثورة أن تتمسك بوجودها فيه ، وعلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يقدر هذا وأن يتفق مع قادة الثورة على الطريقة التي لا تشل الميدان مع وجودها فيه .
وأعتقد أنه كان على المجلس الأعلى للقوات المسلحة مد يده ، وأن يتفق على طريقة المشاركة في طريقة إدارة الأمور ، فهذا هو الطبيعي وهو الأسلم للقوات المسلحة نفسها ، كما أن وجود القوات المسلحة بالصفة التي نريدها أسلم للثورة التلقائية التي قام بها شباب 25 يناير سنة 2001م الذين إذا تركوا وحدهم دون شريك ــ أو ضابط من نوع ما ــ فقد تتحول الثورة إلى ما تحولت إليه الثورة الفرنسية التي اخترعت الجيلوتين لتقطع الرقاب في أسرع وقت ، وظهر فيها حفنة يطلق عليها «عهد الإرهاب» عندما وليها روبسيير ، وأخيرًا انتهت الثورة بإظهار نابليون .
اقرأوا التاريخ أيها السادة واستفيدوا منه .
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتولى الجيش فيها زمام السلطة ، وسأضع تحت أنظاركم مثالين لذلك حدثا في مصر بالفعل .
المثال الأول : هو وقفة عرابي أمام الحاكم ووراءه الشعب ملتحمًا به في سبتمبر سنة 1881م وطلب عرابي من الخديوي الذي نزل من قصر عابدين إسقاط الوزارة القائمة وزيادة عدد الجيش ووضع دستور جديد واضطر الخديوي ــ رغم أنفه ــ على الموافقة ، فقد كان أمامه الجيش ، ولم يكن ليستطيع أن يستعدي عليه الشعب ، لأن الشعب ملتحم به ، كما لم يعد بإمكانه التأثير على الشعب لأن الجيش يحميه .
هذا الازدواج ما بين الجيش والشعب هو الذي أخضع الحاكم فأسقط الوزارة وزاد عدد الجيش ووضع شريف باشا ــ أبو الدستور ــ دستورًا يحقق إرادة الشعب وكان يمكن أن يبدأ العهد الجديد لولا أن بريطانيا ما كان يمكن أن تسمح لهذه التجربة بالنجاح ، فقامت باحتلال البلاد وأجهضت هذه المحاولة الفريدة .
في مقابلة هذه التجربة قامت بمصر تجربة أخرى انفرد فيها الجيش بالعمل ، فقد استطاع جمال عبد الناصر وهو ضابط برتبة بكباشي أن يكسب تأييد قرابة مائة ضابط واستطاع تحت جنح ظلام ليل 23 يوليو سنة 1952م أن يسيطر على السلطة ، بينما كان الملك في الإسكندرية والأحزاب تتصارع على الحكم .
لا يتسع المجال لحكم مفصل وحتى لا يكون خلاف فنحن نعترف أنهم حققوا الكثير ، ولكن بجانب هذا فإنهم هم الذين أبدعوا تلفيق الدساتير وتزوير الانتخابات بحيث تصل إلى 99ر99 % ، وهم الذين فتحوا المعتقلات التي دخلها كل أنماط الشعب الإخوان .. ضباط سلاح الفرسان .. الشيوعيون .. الصحفيون ، وهم الذين وضعوا مبدأ احتكار السلطة وحكم الحزب الواحد .. وهم الذين استتبعوا النقابات .. وحلوا الأحزاب.. وأشاعوا الرهبة والخوف وكانت نتيجة ذلك قهر إرادة الإنسان المصري ، وهي أكبر جريمة يمكن أن يرتكبها أعدى أعداء البلاد ثم ختمت هذا كله بهزيمة 1967م حيث خسر الجيش كل شيء وهزم (وإن لم يكن قد حارب) بحيث مكن إسرائيل من أن تحتل سيناء وتصل إلى شاطئ قناة السويس وتحتل القدس .
أشنع هزيمة يمكن لجيش أن يقع فيها .. هزيمة أخرتنا مائة سنة إلى الوراء .
لقد أوضح هذا المثال أن من المستحيل على الجيش أن يحكم ــ وحده ــ الشعب ، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يعي هذا ، واقرأ مانشيت في المصري اليوم (14/2/2011م ص 5) «خبير عسكري قرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة تؤكد أنه لا يطمع في السلطة ويضمن انتقالاً لسلطة مدنية» ، كيف يمكن أن يقال أنه لا يطمع في السلطة إذا كان بالفعل يمارسها ــ وحده ــ دون شريك .
واقرأ في اليوم السابع (15/2/2011م الصفحة الأولى) محمد حسنين هيكل «على الشعب أن يمنح الجيش فرصة لتحقيق الديمقراطية» ، ولماذا لم يقل «على الجيش أن يسمح بمشاركة الثورة ، وأن يقدر ظروفها» ، هل يريد السيد هيكل أن يعود إلى أيام «بصراحة» .
ليسمح لي المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن أتقدم باقتراح أن عليه أن يتصل بقادة الثورة وأن يتوصل الشريكان : الثورة والجيش إلى تكوين مجلس يمثلهم ويمكن أن يضم إليه عدد من الشخصيات الوطنية مثل الدكتور البرادعي والدكتور أحمد زويل ومثل حسب الله الكفراوي ومنصور حسن وأحمد كمال أبو المجد والقضاء الذين أيدوا الثورة ويمكن أن يصل أعضاؤه إلى 21 أو 29 ليدرس القضايا ويصدر القرارات وأن يتم هذا بسرعة وحسم ، فليس فيه مكان للبيروقراطيين أو الأكاديميين ، وليكن أول قراراته إلغاء قانون الطوارئ ، فهو عار والعار لا يمكن أن يفيد ويجب التطهر منه ، وبهذه الطريقة يمكن وضع الدستور الجديد في أسبوعين وليس في شهرين .
كيف ؟ هذا ما سنعالجه في المقال الثاني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحاكم القادم في مصر
رعد الحافظ ( 2011 / 2 / 16 - 14:35 )
مهما كان شكل وصنف وإتجاه الحاكم القادم لمصر , فإنّهُ سيواجه مأزق في ظنّي شديد
كونهِ مُطالب ب قيادة الإصلاح , لكن كلمتهِ لن تكون وحيدة ومسموعة حتماً
ثورة اللوتس الشعبية المصرية البيضاء فصلت بين عهدين مختلفين كثيراً
لذلك نحنُ نقول إنّه عصر الجمهورية المصرية الثانية يبزغ بعد 25 يناير 2011
غالباً الحكم سيتحوّل الى برلماني والرئيس سيكون رمزي مثل أغلب الدول الأوربية حتى الملكيّة منها حيث الملك يملك ولا يحكم , وفي الشرق الأوسط هناك مثال العراق حالياً وإسرائيل قبله
النظام البرلماني سينتج رئيس وزراء من القائمة الأوسع شعبيا ولمّدة أربع سنوات
الجديد في الأمر , أنّ الشعب المصري عرف قوتهِ الكامنة فيه والمكبوتة تقريباً منذُ 60 عام
منذُ قدوم العسكر وعبد الناصر وحليفهم الإخوان المسلمون
اليوم , وبعد أن تستقر الأمور على دستور جديد ومجلس شعب منتخب حقيقي فعّال
لن يكون رئيس الجمهورية القادم في نزهة لقيادة زورق شراعي
صلاحياتهِ محدودة لكن مطلوب منهُ المفيد
أتوّقعها مهمة صعبة لن يُقدم على التنافس عليها الكثير, خصوصاً الشعب موجود بالمرصاد لأي خطأ أو زلل من أيّ نوع خصوصاً الفساد
كل شيء تغيّر في مصر


2 - الخوف الحقيقي
منصور المنسي ( 2011 / 2 / 16 - 19:59 )
أستاذنا العزيز المحترم جمال
ليتك سيدي ، وأنت مطلع على بواطن الأمور ، أن تكشف لنا مسلسل وتاريخ الإخوان المسلمين منذ التأسيس . وتطلع العالم على حجم الزيف والكذب الذي تفننوا في تغييب عقول الكم الهائل من الشباب ضعيف الثقافة بسيط التعليم بسبب مناهج دراسية مشبعة بالترهات الدينية وكره الآخر والتفاخر بتاريخ حقيقته أسود من قرن الخروب .
ليتك سيدي تفعلها من أجل الحقيقة أولاً ، ومن أجل شباب مصر الذين هم أمانة في رقبة كل من يعرف الحقيقة ولا ينورهم بها . قل يا سيدي فأنت في حماية شعبك ومحبيك في كل مكان ولا تخف من الأزهر الذي كتم على الناس النفس وسد الأبهر ولا من دار الإفناء (وليس الإفتاء) ولا منهم فالإخوان يخافوك مخافة المتهم من شاهد العيان .
أكتب يا سيدي وستخلد في ذاكرة مصر والعرب والإسلام والعالم أجمع . فقد آن أوان إعادة مصر الثروة البشرية إلى طريق البناء وكفاهم ركوعاً وسجوداً وصيام . سوف يصحون بالصعقة ويعرفون أن المليارات التي تصرف في الحجاز كل سنة ، مصر وأطفالها الذين تمتلئ بهم الشوارع ليل نهار ، أولى بها من أن تذهب إلى الجيوب المتخمة .
إبعد شبح الإخوان تقربك قلوب الشباب .
ألف تحية لمصر ولك ودمت


3 - تأييد منصور المنسي
كنعان محمد ( 2011 / 2 / 16 - 22:55 )
أطيب تحية للكاتب المحترم الذي كنت اتابع كتاباته منذ قبل ان اضطر لمغادرة
العراق نتيجة الكارثة التي دخلها العراق بعد الحكم الفاشي لصدام ومن ثم استلم
البلد السياسيين الاسلاميين الذين ثبت انهم الاكثر فشلا والذين اتخذوا من
الممارسات الدينية المشبوهة سفينة لسرقة البلد واهله
أؤيد بشدة طلب السيد منصور المنسي الذي جاء في التعليق رقم 2 فالاخوان
المسلمون كارثة هذه الامة
ولديهم تنظيم دولي ورائه الوهابية المتخلفة وجهات مشبوهة أخرى ومن تحت
عبائتهم وفكار سيد قطب والمودودي- خرج تنظيم الجهاد ثم القاعدة السعودية
بزعامة بن لادن والظواهري
وارجو ان لايكون الشعب المصري الطيب ساذجأ ويصدق ان الاخوان خلاص
أمنوا بالدولة المدنية أو تداول السلطة فالامثلة اكثر من ان تحصى على هذا ك
حماس وحزب الله وايران وطالبان وباكستان والسودان والعراق وقبلهم الجزائر قبل 19 عام أما الاشارة الى الوضع في تركيا فضرورية حيث ان اردوغان
وحزبه اسلامي صح ولكنه حكم تحت ضوابط علمانية صارمة كما انهم مضطرين
للسير على خطى اتاتورك حيث ان عينهم على البوابة الاوربية وللعلم فأن كثر واحد يكرهه الاخوان المسلمون هو اتاتورك

اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه