الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتستمر الحياة قصة قصيرة

محمد عبد الله دالي

2011 / 2 / 16
الادب والفن



وتستمر الحياة
قصة قصيرة
محمد عبد الله دالي

حاول رجال الإنقاذ ، أكثر من مرة الوصول إلى الدور المشتعلة والعمارات المهدمة،من أثرِ القصف العنيف ، للطائرات والدبابات فلم يفلحوا رغم كل النداءات
الأنسانيه لإنقاذ العوائل المنكوبة ، وبالقربِ منا ، كانَ مراسل إحدى القنوات الفضائية ، واقفاً يصف الحالة المأساوية بصوت يشوبه الرعب والخوف ... مشاهدينا الكرام قوات العدو ، تنشر الرعب بين المدنيين ، وهي تقصف دور العلم والعبادة ، وحتى المنظمات الانسانيه ، ولن تفرق بين أي شيء على الأرض ، إنه الحقد الدفين اتجاه هذا الشعب والانسانيه ، وهاأنتم ترون من خلفي النيران ، وهي تأكل الأخضرَ واليابسَ ، ويجرفونَ الأرض ، ليقتلوا الحياة فيها ، انقطع صوت المراسل .. هرب معَ مصورهِ ،من شدة القصف ،وهو يقول :ـ
:ــ آسف لعدم تمكني من مواصلة التغطية للحال التي وصلت إليها المدينة ،سادت المنطقة ... سحابة من الغيوم السوداء ،أثر تدمير المنازل ودخان المدفعية ، التي انهالت كالمطر على الأماكن الآمنة مما حدا بالمدنيين إلى الهروب ،حاملين ،ما يمكن حملهُ ،مخلفينَ وراءهم ،أعزَ ما يملكون . فلم يجدوا أمامهم غير أرضٍ جرداء وسماء يلتحفون بها ،
كرر رجال الدفاع المدني ، محاولاتهم لإنقاذ الجرحى ، وإخلاء الشهداء ،عندما لاحت في الأفق فترة هدوء ، لالتقاط الأنفاس ، كان صراعاً بين تناخي الرجال ،وعويل النساء والأطفال ،شيء لا يصدق ،منظر يبعث ُ على الأسى، لهذا المنظر المرعب ، .. لماذا ؟ لان شعباً ، يريد ان يعيشَ على أرضه ويتشبث بها لأنها بقية من وطن كبير ،استلبته عصاباتُ وقراصنة، جاءوا من كل الأفاق.
إنً هذا المنظر مألوفٌ في بلدي،وأنتَ ترى الفضائيات،وهي تنقلُ صور الدمار والقتل ، والتشريد والتهجير .... نحن لا نختلف عن هذا المنظر الذي نشاهده الآن ، اليد التي تعبثُ في أرض الزيتون والمسجد الأقصى ، هي نفسها التي قصتْ جناحنا جالت في حواشينا ، ونشرت الخراب في أرضِ الرافدين ، كنتُ أقارن بين المشهدين ، فلن أجد فرقاً بينهما إلا القليل ... لفت انتباهنا ،إشارةُ من أحد المصورين وهو يشيرُ بيدهِ ،هرولَ المسعفون نحوه ،كانَ الوصول إلى المكان ليسَ سهلاً ، بين الركام الهائل للعمارات ،وبعض القذائف غير المنفلقة ،عليك أن تأخذ الحيطةُ والحذر ،عندما اقتربنا ، رأينا المصور يركزُ كاميراته على مشهدٍ غايةٌ في الإثارةِ ، مشهداً مؤلماً أو ما نسميه درامياً مأساوياً .. بين الكم الهائل من الركامِ ،هناك فتحة صغيرة تسعُ لمرور قطة ، يخرجُ منها طفلٌ يحبو إنه في السنة الأولى
من عمره ، يجلسُ أمام الفتحة قليلاً ثم يعود إلى داخل الأنقاض ،ركز المصور العدسة ، ليكشف ما سر هذا الطفل الصغير ، وكيف يعيش ؟ تحت الركام من الاسمنت والطابوق ،اقتربنا قليلاً .. لن نتمكن من رؤيته ، حاول أحد أفراد الدفاع المدني أن يمد يدهُ داخل هذه الحفرة ، فلم يستطيع أن يرى شيئاً ،
استنجد مسؤل الدفاع المدني بالآليات ،تقدمت إحداها لرفع الإنقاص وأكدنا عليه أن يكون حذراً .. بعد إن أوضحنا له أن طفلا تحت الأنقاض ، ازدادت الحركة من قبل الفرق الطبية ، بعد إن إ طمئنت لهذا الهدوء النسبي ،في جبهة القتال . كما استعانت فرق الإنقاذ ، بالكلاب البوليسية المدربة ... وبطريقتها الخاصة ، أكدت إن هناك حياة .. صاح سائق الاليه ، الكل يبتعد حتى أتمكن من رفعِ الكتل الكونكريتيه الكبيرة ، كان المصور مصراً على أن يكون قريباً ، حتى يسجل هذا الحدث المثير أولا بأول ، أما نحن دفعنا الفضول ، إن نرى هذا السر المدفون تحت تلال الاسمنت والحديد ، .. كنا ندفع حمولة الرافعة إلى الجانب الآخر .. حتى تمكنا من نقل الأكبر من الأنقاض ،أما باقي العاملين ،قد شكلوا سلسلة من الأفراد وهم يتناولون الأحجار ،وبعض الأثاث المدفون تحت الركام .. كان الخوف يسيطر على الجميع . من استئناف القصف المدفعي والجوي ، لأن العدو لاأمان له ، أخيراً هتف أحد المتطوعين :ــ
:ــ أريد من يساعدني على الدخول تحت هذا السقف المنهار !
وما هي إلا لحظات حتى تمكنا من النفاذ إلى الداخل ، وكان أول منْ دخلَ المصور ،ليحظى بالأسبقية ،كنا نحذرهُ من بعض العبوات غير المنفلقةِ .. يردُ بإصرار :ـ
ــ واجبي يحتم عليً ذلك لكشف الحقيقة للعالم .
وقفنا أمام مشهدٍ أقرب إلى الخيال .. وقل نظيرهُ ، سيطر علينا ذهولٌ ونظر كل منا إلى الآخر ، وكأنً صعقة كهربائية عقدت لسان الجميع ، تََسّمرّنا في أماكننا ، ونحن ننظر إلى هذا المشهد الإنساني ،
طلبَ منا المصور ، أن لا نقترب حتى يكمل تصوير المشهد،الماثل أمامنا بدقة .. قلتُ .. شيء لايصدق ،طفلٌ أكثر من ثلاثة أيام وهو حي ، تحت هذا الركام الهائل .. وكيف يخرج من خلال هذا الممر الضيق ويتسلل إلى الخارج ،ثمً يعود لأمه ... ويضعُ رأسهُ على ذراعها ،ويرضع من ثديها ، وهي فاقدة الوعي ، بين الحياة والموت ، ثمَ أسأل نفسي .. كيف يصلهُ الحليب .؟
اقترب أحد المسعفين بهدوء ، حتى لا يُفزع الطفل .. وتلمسَ نبض الأم قالَ
ــ أخوان لا زالت تنبض بالحياة ، .. الأكسجين بسرعة .
قاطعه مسؤل المجموعة الطبية وهو رجل كبير السن ..
ــ أرجوك دع الطفل يكمل رضاعته ! سألناه باستغراب !
ــ الموقف لا يستوجب ذلك قال :ــ
أرجو أن لا أكون على صواب في ضني ..!
ــ قلنا له كيف ؟
ــ قال ... أكثر منت ثلاثة أيام .. وهي بدون غذاء وماء ، والطفل يرضع من ثديها ... وعمود من الكونكريت المسلح سقط على وسطها ، إضافة إلى إصابة في الرأس .تراجع الجميع ،لبرهة من الزمن ، إلا المصور ، أصر على تصوير المشد من كل الجهات . وبصعوبة بالغة لأن المكان لايسمح بحرية الحركة ، أشارَ المصور إلى الطفل .. رأيناه،قد اخذ إغفاءة على ذراع أمه وقد افلت ثدي أمه من فمهِ ،
قرر مسوؤل المجموعة، أن يُرفَعَ الطفلُ بهدوء ، وإخراجه ، ثمَ نقوم بمحاولة إسعاف أمه ، والأغرب من ذلك .. بعد أن رَفَعَ المسعفون الطفل .. فارقت الأمُ الحياة !!..
ــ قال المسؤل الطبي ... صدق ضني .
ــ إنها باقية على قيد الحياة ،لأجل طفلها ، إنها قدرة الله سبحانه . رسمَ أحد المسعفين علامة الصليب على صدره ، وقرأ الآخرون سورة الفاتحة .
بين ألم هذا المشهد المأساوي ، بين فرح إنقاذ الطفل قال المصور ، ماذا نسميه ، اختلف الجميع على تسميته .. توصلنا أخيرا أن تكون القرعة كفيلة بتسميته،
سمعنا هدير الدبابات وأزيز الطائرات تقترب .. طلب رئيس المجموعة الانسحاب بسرعة والخوف يسيطر على الجميع ..!!

محمد عبد الله دالي
[email protected]
في /كانون الأول/ 2008









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل