الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم ينتصــروا.. ولم ننهزم

مهند عبد الحميد

2004 / 10 / 8
القضية الفلسطينية


منذ عام 1992 وحتى 1999 اعطى الشعب الفلسطيني فرصة للحل السياسي. غير ان اسرائيل استثمرت هذه المدة الزمنية في عمليات فرض الوقائع الميدانية التي عمقت الاحتلال والسيطرة. فقد تضاعف الاستيطان وتدهور الوضع الاقتصادي وفصلت مدينة القدس عن الضفة والقطاع، ولم يطرأ تحسن جدي على حرية الحركة للمواطنين.
بعد مفاوضات كامب ديفيد 2000، ايقن الشعب الفلسطيني ان المفاوضات لن تأتي بالحل الموعود فلجأ الى الانتفاضة الشعبية التي كانت عناصرها تتكون وتنضج بمستوى تكون الوقائع الاحتلالية. جاءت الانتفاضة كبديل للمفاوضات الفاشلة. واذا كان هدف الخلاص من الاحتلال العسكري البغيض قد وحد الجميع الا ان كيفية الخلاص تعددت وتباينت ولم تخضع لمفهوم موحد. اتجاه سياسي رأى في الانتفاضة محاولة جدية لطرد الاحتلال بدون قيد او شرط او اتفاق وكان نموذجه الحاضر بقوة هو الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان. واتجاه سياسي آخر رأى في الانتفاضة محاولة لاستدعاء تدخل دولي ينهي اسلوب المفاوضات الثنائية ويساهم في ايجاد حل سياسي يقبل به الشعب الفلسطيني. واتجاه آخر رأى في الانتفاضة اسلوب ضغط على اسرائيل من اجل اعادتها الى طاولة المفاوضات والبدء من حيث انتهت مفاوضات كامب ديفيد مع الاخذ بالاعتبار للمطالب الفلسطينية، اي تحسين شروط المفاوضات. وقد تعايشت الاهداف الثلاثة واختلطت مع بعضها البعض، دون ان يتحول احدها الى هدف مركزي واضح ومقنع يتوحد عليه الشعب الفلسطيني المنتفض ويسعى الى تحقيقه. وبناءً علىه بقي جمهور الانتفاضة غير موحد على هدف ملموس يملك امكانية التحقق. وبقي هذا الخلل على حاله دون محاولة للتجاوز، بل شكل اساساً لتعدد وتعارض التكتيك والاستراتيجية لدى اقطاب الحركة السياسية فيما بعد.
انعكس هذا الخلل على اشكال النضال المعتمدة. فالانتفاضة تعني مشاركة اغلبية الشعب في النضال ضد الاحتلال، والمشاركة ترتبط بهدف واضح وانجازات ملموسة قادرة على استمرار اقناع المشاركين بجدوى التضحيات.
كان من المفترض تحديد شكل رئيسي للنضال، يحافظ على استمرارية الزخم الجماهيري وفق وتيرة متصاعدة ومؤثرة. والشكل الملائم، لاشراك اكبر عدد ممكن من المواطنين هو الاحتجاج الجماهيري المنظم ضد الاحتلال والاستيطان. وهذا يطرح نقل الانتفاضة للمناطق الريفية التي تضم العدد الاكبر من المواطنين، والمتضررة بشكل فادح من التوسعات الاستيطانية. اضافة للاحتجاجات في اطراف المدن الخالية من قوات الاحتلال. وفي الجهة الاخرى، كان يهم اسرائيل ان لا تضع قواتها في مواجهة شعب اعزل، لأن ذلك سيجلب تضامناً عالميا مع الشعب الفلسطيني، قد يفضي الى فرض حماية دولية. كما يحتمل ان يحدث انقساماً داخلياً اسرائيلياً. ومن اللافت ان الاسرائيليين توقعوا زحفاً فلسطينياً بعشرات الآلاف نحو المستعمرات الاسرائيلية يضع اسرائيل امام احتمال التراجع او ارتكاب مجازر. لذا فقد اتبعت قوات الاحتلال اسلوب الردع الدموي للهبة الشعبية وهي في المهد. وسرعان ما جاء الرد الفلسطيني بمقاومة مسلحة. وجرى الجمع بين الانتفاضة الشعبية والمقاومة في الشهور الستة الاولى. لكن اسرائيل قدمت نفسها للعالم وكأنها تقاتل جيشاً آخر يختبئ خلف المدنيين والاطفال وهو ما يفسر وقوع ضحايا كثر من المدنيين الفلسطينيين حسب الرواية الاسرائيلية. بيد ان استشهاد اعداد كبيرة من المواطنين الابرياء وخاصة الأطفال، دفع الاتجاه الاسلامي لاستئناف العمليات الاستشهادية ضد مدنيين اسرائيليين، فقد تم تنفيذ 35 عملية خلال العام 2001 وشيئا فشيئاً اخلى النضال الجماهيري المكان للمقاومة المسلحة والعمليات الاستشهادية، وانتقلت الانتفاضة الى طور العسكرة. ويمكن القول ان قوات الاحتلال استدرجت المنتفضين الى مجال تفوقها الى المواجهة العسكرية غير المتكافئة. والسؤال، هل كان يمكن تفادي الوقوع في الفخ العسكري الاسرائيلي في شروط وجود الشعب برمته داخل قبضة امنية وضمن حالة من الحصار المحكم؟ هل كان من الصعب الحفاظ على الزخم الجماهيري للانتفاضة وعدم تمكين جيش الاحتلال من استخدام قوته بلا قيد او شرط؟ كان الخطأ التكتيكي الاكبر هو قيام بعض التنظيمات بسلسلة من العمليات الاستشهادية ضد اهداف مدنية اسرائيلية كالباصات والمطاعم والجامعة وقاعة اعراس، والتي بلغت 60 عملية العام .2002 لأنها مكنت اسرائيل من دمج المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الاسرائيلي بالارهاب وبالحرب على الارهاب. وساهمت في رفع الحماية السياسية الدولية عن النضال الوطني والمقاومة المشروعة. واجازت لدول العالم المؤثرة القبول بفكرة حق اسرائيل في الدفاع عن مواطنيها والدفاع عن النفس والدفاع الاسرائيلي عن النفس كان يعني تدمير البنية التحتية للمجتمع والسلطة والحركة الوطنية، والتحلل الاسرائيلي النهائي من القانون الدولي والشرعية الدولية. وبفعل هذا التطور الخطير تحولت اسرائيل المحتلة والمعتدية والمرتكبة للمجازر الى ضحية، وتحول الشعب الفلسطيني الى متهم بالارهاب. وترك هذا الموقف الدولي بصماته على الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي منذ ذلك اليوم وحتى الآن. فقد جاء اقصى رد فعل دولي على احتلال شمال غزة وارتكاب ابشع الجرائم بحق المدنيين بصيغة دعوة الطرفين، المعتدي الاسرائيلي والضحية الفلسطينية لضبط النفس ووقف اعمال العنف! كما قاد تكتيك العمليات الاستشهادية، الى توحيد المجتمع الاسرائيلي بمختلف اتجاهاته في جبهة متراصة بقيادة معسكر اليمين المتطرف والاتجاهات الفاشية. واستخدمت الحكومة الاسرائيلية هذا النوع من العمليات لبناء سور الفصل العنصري الذي التهم 01% من مساحة الضفة.
ان حصيلة اربع سنوات من الانتفاضة والمقاومة تؤكد ان تكتيك مقاومة الاحتلال في قطاع غزة، الذي تركز على المواقع العسكرية والمستعمرات، اقنع اكثرية الاسرائيليين والمؤسسة الامنية ان الاحتلال العسكري خاسر وان الحل الوحيد لتفادي الخسارة هو جلاء الاحتلال والاستيطان من الاراضي الفلسطينية. وكان يمكن لتكتيك الانتفاضة ومقاومة الاحتلال بدون عمليات استشهادية ضد المدنيين ان يأتي أكله ايضا في الضفة الغربية.
ثبت ان الذي يحدد التكتيك النضالي الفلسطيني هو الابتزاز والاستفزاز والاستدراج الاسرائيلي وليس الحاجة والمصلحة الوطنية وهذا يشكل خللاً كبيراً في آلية اتخاذ القرار، كان يمكن تفادي العسكرة والعمليات ضد مدنيين اسرائيليين، وكان من الضروري الحفاظ على مشاركة جماهيرية منظمة وواسعة، لأن توقف المشاركة الجماهيرية في النضال يعني توقف المشاركة في القرار السياسي وهذا خطأ فادح. وافتقدت قيادة المقاومة والانتفاضة للمرونة وللتخطيط،ولم تسع لنزع الذرائع التي تحتاجها اسرائيل. فعلى سبيل المثال كان يمكن نزع ذريعة بناء الجدار باتخاذ قرار ينهي العمليات الاستشهادية داخل الخط الاخضر، وفي هذه الحالة اذا لم تتراجع اسرائيل عن البناء فإنها ستعزل دولياً وسنصبح نحن في وضع اقوى لمقاومة جدار التوسع الكولونيالي، بدلاً من الجدار الامني الذي يحمي ارواح الابرياء. لماذا لم تتبع قيادة الانتفاضة والمقاومة تكتيك افشال الخطط والاهداف الاسرائيلية وحرمانها من مزايا المبادرة. للاسف لقد ساد الجمود المطبق في هذا المجال، ودفعنا ثمناً غالياً لذلك الجمود مقابل ذلك، اعتقدت المؤسسة الامنية الاسرائيلية انها قادرة على الحسم العسكري وتحدث بعض الجنرالات عن هزيمة الارهاب والوصول الى قاع البرميل.
لكنهم سرعان ما فوجئوا بالقدرة الهائلة التي يمتلكها الفلسطينيون في مجال تجديد البنية واستئناف النشاطات في مدى زمني محدود وقصير. وهذا يؤكد ان اسرائيل فشلت في صد الدافع الذي يشجع العديد من الفلسطينيين الى التجند لأعمال العنف رغم الخسائر الكبيرة التي يتكبدونها، فشلت اسرائيل في اقناع الجمهور الفلسطيني بعدم المشاركة في العنف. انهم يمتصون الضربات ويعيدون اقامة البنية وكل هذا الكلام لزئيف شيف تحت عنوان "عفواً.. لم ننتصر". بقي القول ان قدرة الشعب على التكيف مع الصعاب وتحمل الاعباء الشديدة، والاصرار على انهاء الاحتلال، وكل المواصفات النضالية الرائعة التي كشفتها الانتفاضة، تحتاج الى الحكمة والمرونة والحسابات الدقيقة التي تفتح الطريق امام النضال والخلاص من الاحتلال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علامات استفهام وأسئلة -مشروعة- حول تحطم مروحية الرئيس الإيرا


.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن نبأ مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي




.. دعم وقلق.. ردود فعل على حادث طائرة الرئيس الإيراني


.. ردود فعل دولية وعربية بشأن وفاة الرئيس الإيرانى إثر حادث تحط




.. الشعب الإيراني مستاءٌ.. كيف تبدو الانطباعات الشعبية بعد موت