الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار حول مسؤولية المعارضة عن الوطن والمواطن - النظر الى المستقبل

الياس المدني

2004 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


ليس من السهل على الانسان والشعوب نسيان الماضي وتخطيه الى مستقبل نرجوه كلنا لشعوبنا ولاوطاننا. ولكن اذا كنا فعلا حريصين كل الحرص على بناء الوطن وفتح الباب لكل ابنائه ليشاركوا في عملية البناء الاجتماعي والاقتصادي فلا بد من اعطاء فرصة للتسامح واعتبار ان الخلافات السياسية مهما كانت في السابق هي ماض ولابد من التعاون المشترك من اجل مجد وسمو الوطن المشترك.
وكما ان الوطن ملك للجميع، فالوطنية ليست حكرا على احد او ايديولوجية محددة وليس من حق كائن من كان التشكيك في وطنية الآخرين وفي انتمائهم الوطني. ومن حق كل حزب وحركة من حق كل مواطن وكل من ينتمي لهذا التراب ان يظهر هذه الوطنية بالشكل الذي يراه مناسبا ولكن بشكل لا يمس حق الآخرين ولا يشكك في طهارة وطنيتهم.
خلال 15 عاما منذ سقوط النظام الشيوعي في بولندا انقلب المجتمع والحياة السياسية والاقتصادية في هذه الدولة بشكل لا يمكن معه مقارنته بالماضي القريب. وانتقل المجتمع من الحياة الرمادية البائسة الى مجتمع متطور اصبح يواكب كل نواحي الحياة في اوروبا الغربية (طبعا بكل ايجابياتها وسلبياتها). فقام ببناء مؤسسات المجتمع المدني واتخذ من الديمقراطية البرلمانية طريقا سياسيا ومن التعدية السياسية والحريات الاجتماعية والسايسة والاقتصادية مبدءاً اساسيا في التعاون من اجل بناء الدولة الحديثة. واستطاع خلال هذه السنوات النهوض بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي الى درجة اهلته لدخول الاتحاد اوروبي. فما هو السبب الاساسي وراء ذلك؟ وكيف استطاع هذا المجتمع الفقير والمتخلف ان يصبح خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة مجتمعا متطورا وحضاريا؟
طبعا من السذاجة حصر الاجابة على هذا السؤال بجملة واحدة، ولكن اعتقد ان لب هذا التطور كله يكمن في قاعدة اساسية: التسامح والنظر الى المستقبل.
عندما كنت في بداية التسعينات من المدافعين عن الجنرال ياروزلسكي (الامين العام لحزب العمال الذي قاد التغيير في بولندا) كان اصدقائي البولنديون يهاجمونني بشدة خاصة عندما كنت اقول انه سيأتي يوم ويقدر المجتمع البولندي هذا الرجل وسينصبوا له تمثالا. اما اليوم فلا احد ينكر حنكة هذا الرجل السياسية وقدرته على اقناع الفئة الحاكمة آنذاك من اصحاب الرؤوس العنيدة والحرس الحديدي بضرورة التغيير والتنازل عن الدور القيادي للحزب واعطاء المجال للشعب كي يقرر من يريد ان يحكمه. واليوم بإستثناءات قليلة يطلق عليها اسم الفلكلور السياسي يحظى الجنرال بتقدير معظم الاحزاب السياسية وافراد الشعب.
ولكن الدور الكبير الذي قام به ياروزلسكي ليس مرتبط بشخصه فقط. ولكنه مرتبط ايضا بحكمة قوى المعارضة التي استطاعت ان تتفهم واقع الدولة والحزب الحاكم والظروف المحلية والدولية التي كانت سائدة آنذاك وقبلت بتقاسم السلطة مع الحزب الذي كان بالنسبة لها جلادا، وجلست الى جانبه في مقاعد البرلمان وكراسي الوزراء، حتى قرر الشعب من يريد بسدة الحكم.
لقد كانت حركة التضامن تحظى بتأييد 10 ملايين نسمة من الشعب بينما اعلن تأييده للحزب الحاكم اقل من 4 ملايين من اصل 38 مليون مواطن. وحينما جاءت الانتخابات المحدودة على نسبة 30% من مقاعد البرلمان حظيت المعارضة على كل المقاعد، لكنها لم تصبو الى محاسبة الحزب الحاكم واقصائه نهائيا من حياة البلاد الى ان حل الحزب نفسه بقرار ذاتي.
ورغم مطالبة الفلكلور السياسي باجراء محاسبات ومحاكم للحزبيين السابقين الا ان القوى السياسية باغلبيتها المطلقة تنظر الى هذه المطالب بعين المسخرة لا اكثر. اما الاحزاب اليسارية التي نتجت عن حل حزب العمال فقد وصلت الى السلطة بطرق ديمقراطية اكثر من مرة وعادت لتسلم الحكم بالتقاليد الديمقراطية ذاتها للاحزاب التي تربح الانتخابات.
ان الدخول في تفاصيل التجربة البولندية وطريقة انتقال السلطة من يد الحكم الديكتاتوري للحزب الواحد الى الحكم الديمقراطي البرلماني قد يكون مملا للكثير ولكنها تجربة احرى باحزاب المعارضة العربية والاحزاب الحاكمة في اوطاننا التمحص فيها ودراستها لأنها فعلا تستحق الدراسة اذا كان الوطن فعلا هو همنا المشترك.
فالمعارضة ليست موضة ومجرد بكاء بسبب اعمال الاعتقالات والقمع الذي تمارسه الانظمة العربية بحقها، المعارضة هي ايضا مسؤولية: مسؤولية عن الوطن، مسؤولية عن الشعب، مسؤولية عن المستقبل.
اعتقد انه من الخطأ الاصرار على محاسبة الانظمة الحاكمة اذا كانت هذه الانظمة قادرة على فتح صدرها ايضا للتعاون ومد يدها الى المعارضة ولكن ليس من اجل تجميل وجهها وانما فعلا من اجل بناء الوطن ومستقبله المشترك.
ان دراسة التاريخ شيء مهم جدا لكل شعب، ولكن هدف هذه الدراسة يجب ان يكون تعلم دروس الماضي من اجل تخطي الاخطاء في المستقبل وليس من اجل محاسبة الانظمة الحاكمة.
قد يحتج البعض على ما اورده هنا من افكار حول موضوع السماح ونسيان الماضي، خاصة اولئك الذين مستهم اعمال القمع بشكل مباشر، ولكنني اكرر واقول ان الهدف هو مستقبل اوطاننا وكان على كل منا ان يدفع ثمنا ما ويقدم التضحيات ليبقى وفيا لمبادئه، ولكن مبادئنا كلنا هي سمو الوطن ورفعته، وليس من حقنا ان نكفر احدا بوطنيته. واذا كنا نريد ان نسير الى الامام فلا بد ان ننظر الى الامام والا نجعل الماضي حاجزا بيننا وبين مستقبل الوطن وابنائه.
فهل نجد عندنا القدرة والشجاعة كاحزاب وقوى وشخصيات معارضة للسير الى الامام يدا بيد مع كل من يهمه مستقبل الوطن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن يحذر من تداعيات اقتحام إسرائيل لمدينة رفح


.. أمريكا تفتح تحقيقا مع شركة بوينغ بعد اتهامها بالتزوير




.. النشيد الوطني الفلسطيني مع إقامة أول صف تعليمي منذ بدء الحرب


.. بوتين يؤدي اليمين الدستورية ويؤكد أن الحوار مع الغرب ممكن في




.. لماذا| ما الأهداف العسكرية والسياسية التي يريد نتنياهو تحقيق