الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلطجية التاريخ انتهوا

بودريس درهمان

2011 / 2 / 17
الصحافة والاعلام


"يبدو أن بعض مواقع الانترنت تهدد المعيش اليومي لـ«المقدمين» و«الشيوخ». هؤلاء يحصون أنفاس الناس يوميا ويرفعون تقارير عنهم، ليتولى رؤساؤهم النظر في أمرها، أما بعض مواقع الانترنت فقد صارت تتجاوز إحصاء «كليكاتهم» على شاشة حواسيبهم إلى استشراف آرائهم وتعمل على استخلاص التوجهات الكبرى للرأي العام منها. ويأتي موقع «هسبريس» على رأس قائمة مواقع الانترنت المنتسبة إلى المغرب التي تتخذها بعض الجهات وسيلة لجس نبض الرأي العام، قبل اتخاذ قرار في شأن قضايا معينة."
هذا الاستهلال بدأت به جريدة المساء مقالا مطولا توضح فيه كما جاء في البند العريض "كيف تحول الموقع إلى أداة بيد المخابرات للتلصص على المعارضين". على الساعة السادسة مساءا من نفس اليوم أي يوم الاثنين 14فبراير بث الصحافي المقتدر و النزيه علي أنوزلا افتتاحية على موقع جريدته الالكترونية "لكم" تحت عنوان "بلطجية الإعلام وصلوا" و مفهوم البلطجية الذي تم تثبيت دلالته السياسية و الأخلاقية خلال الثورة البرونيتارية المصرية الأخيرة يعني بكل بساطة تحريض أطراف من الشعب ضد أطراف أخرى من أجل أهداف غير نبيلة. بلطجية أفكار مقال المساء تتجلى في تحريض فئة المقدمين و الشيوخ ضد فئة المدونين البرونيتاريين من الفايسبوكيين و التويتريين و غيرهم. هذا التحريض لفئات المقدمين و الشيوخ ضد المواقع الالكترونية يضاعفه استهلال مقال جريدة المساء بتحريض آخر لا يقل عنه خطورة و هو تحريض القوى السياسية الأمنية المتدافعة من اجل مواكبة أحداث الثورات المرتقبة على هؤلاء الثوار الجدد. بهذه الطريقة يدفع مقال المساء القوى السياسية و الأمنية المختلفة إلى تحويل إستراتيجية الحرب على الإرهاب بداخل المملكة المغربية إلى استراتيجية الحرب على الانترنيت . المقال يذكرنا بالقوى و الشيوخ الذين قاموا خلال تسعينات القرن الماضي بوضع ضريبة باهظة الثمن على الصحون المقعرة من اجل وضع حد لعملية التقاط الأخبار و الصور الفضائية.
جميل هو عنوان علي انوزلا "بلطجية الإعلام وصلوا" و لكن أجمل من هذا العنوان هو ما يحدث حاليا حولنا من تحولات بدون أن نستطيع الإلمام بها. عصر التدوين الذي فتح المجتمعات الأوروبية على عصر الأنوار و أحدث بذلك ثورات متتالية من الثورة الصناعية بانجلترا و الثورة السياسية في فرنسا بالإضافة إلى ثورات ألمانيا المتتالية و ثورة الشعب الروسي وصولا إلى ثورات الدكتاتوريات الشعبية بأوروبا الشرقية و دول البلقان هذا العصر هو نفسه العصر الذي يتكرر حاليا في منطقة شمال إفريقيا و منطقة الشرق الأوسط فعصر التدوين و الترجمات انطلق مع نظام الانترنيت و المدونات و مواقع التواصل الاجتماعية. هذه الانطلاقة ستساعد لا محالة على إعادة بناء التاريخ و إعادة بناء المجتمعات الحالية وفق قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان.
المعلومات و الأفكار بالإضافة إلى الأحاسيس و العواطف التي تعبر عنها الجرائد المكتوبة بواسطة أقلام منها من هو جدي في التعبير عن أفكاره و منها من هو تاجر و خادم للمال فقط؛ هذه الأفكار و التصورات و العواطف المعبر عنها في الجرائد المكتوبة تنتقل بواسطة العربات و الطائرات لكي تصل إلى القراء لكن الأفكار نفسها و التصورات المواكبة لها تنتقل في نظام الانترنيت المفتوح بدون رقابة قبلية بواسطة الضوء، و هذا ما يجعلها أكثر سرعة و أكثر سريان بداخل أدمغة المواطنين. مستقبلا دمغنة المواطنين بواسطة الأنظمة التعبيرية الوجدانية الرسمية ستصبح أكثر صعوبة و أكثر استحالة. الأنظمة السياسية التي سوف لن تولي أي رعاية خاصة و احترام خاص لأفكار و تصورات أفراد مجتمعاتها سوف لن تستطيع مستقبلا مزاولة مهمة الحكم.
لا فائدة إذن من تحريض فئة الشيوخ و المقدمين و فئة الأمنيين المتعطشين إلى الانتقام ضد المدونين و المستعملين للانترنيت لأن قطار التاريخ منذ ظهور هذا النظام انتقل إلى سكة أخرى يصعب التحكم فيها كما هو الأمر في نظام ما قبل الانترنيت. بفضل هذا النظام أصبح الفرد أكثر تعبيرا و أكثر حرية بل و أكثر اندماجا مع الفئات السياسية و الفكرية التي تتماشى مع قناعته و أذواقه. التحريض ضد نظام الانترنيت يشبه إلى حد بعيد الفرسان التي تحارب طاحونات الهواء إلى أن تخر و حدها ساقطة في ساحة المعركة مثل زين العابدين بن علي و حسني مبارك. زمن المنحرفين البلطجية انتهى و ليس على هؤلاء إلا إعادة تكوين ذواتهم وفق قيم التسامح و الاعتراف بمنجزات و مبتكرات الآخرين الذين هم بصدد بناء مجتمعات تليق بمستقبلهم و ليس بماضيهم فقط. الشباب الذي يعبر عن ذاته حاليا بداخل الفضاءات الاجتماعية للانترنيت هم شباب ضاقوا ذرعا بمجتمعات تغيب عنها قيم العدالة و الحرية و تعج بها كل أشكال الانحراف من كذب و تظاهر و نفاق. شباب خمسينيات و ستينيات القرن الماضي الذين بنوا المجتمعات الحالية انتهى دورهم و ما عليهم إلا ترك الشباب الحالي يعيد بناء أوطانهم و دولهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24